الخميس 31 تشرين الأول 2024

12:23 pm

الزوار:
متصل:

انتحار "آليم" يفجر العلاقة بين عاملات المنازل وأصحاب العمل 200 ألف عاملة اجنبية من دول افريقية وآسيوية فريسة سهلة للاعتداء في المقابل لبنانيون عاشوا ظروفا قاسية مع خادماتهن وصلت الى حد القتل

 

 
تحقيق رحاب أبو الحسن
 
 
 
 
شغلت قضية وفاة العاملة الأثيوبية أليم ديشاسا - ديسيسا الرأي العام اللبناني الشعبي والسياسي، لا سيما أنها كانت تعرضت لتعنيف شديد قبل أسابيع من انتحارها. ماتت آليم تاركة خلفها طفلين وقضية أعادت مسألة العمالة الأجنبية في لبنان الى الواجهة لا سيما منها وضع العاملات المنزليات ومعاملة اللبنانيين لهن، مفجرة موضوعا لطالما اعتقدنا أن جدار البيوت تستره، وهو ما سماه البعض "العبودية في لبنان".
 
 
 
 
 
لا شك أن هذا التعميم غير مقبول، لكن ذلك لا يلغي حقيقة وهي أن الإتجار بالخادمات في بلادنا قائم، وتحرك المجتمع المدني ضد ما يسميه العنصرية والعبودية في لبنان لا يجب أن يصل الى حد اتهام اللبنانيين بالعنصرية.
 
 
 
 
 
يعيش في لبنان ما يقارب الـ 200 ألف عاملة منزلية أجنبية، معظمهن يتحدرن من دول إفريقية وآسيوية على غرار أثيوبيا وبنغلادش ونيبال وسيريلانكا والفيليبين، يتم استقدامهن من قبل وكالات خاصة للعمل في لبنان كخادمات في البيوت أو كعاملات تنظيف في المطاعم، في ظل ظروف صعبة تعرضهن لأبشع أنواع الإساءات النفسية والجسدية والاقتصادية وفي ظل استثنائهن من قانون العمل اللبناني.
 
 
 
 
 
العاملات الأجنبيات في الخدمة المنزلية تعتبرن وفقا لمنظمات المجتمع المدني فريسة سهلة للاعتداء بأنواعه كافة، وهن بلا حماية وبلا رادع قانوني أو إنساني في بعض الأحيان، لتختصر حياة الخادمة الأجنبية في بعض المنازل اللبنانية بـ"الواقع المأساوي" منذ لحظة وصولها إلى أرض المطار وحتى المغادرة منه إلى بلادها الآمنة أو الانتحار من شرفة المنزل الذي تعمل فيه.
 
 
 
 
 
قد تكون هذه الأمور حقيقة، لكن في المقابل هناك لبنانيون عاشوا ظروفا قاسية مع خادماتهن وصلت الى حد القتل، ولا ننسى ضمن هذا الاطار معاناة عائلة صعب التي قتلت خادمتهم ابنتهم وطعنت خالتها، كما لا ننسى فجيعة الفنانة رولا سعد التي قتلت إبنة عمها روز سعد على يد خادمة فيليبنية كانت تعمل عند شقيقتها،أثناء قيامها بتحميم إبنة شقيقتها المريضة في حوض الاستحمام، ففاجأتها الخادمة بطعنات متكررة في الظهر وبطعنات في معظم أنحاء جسدها الى أن فارقت الحياة متخبطة بدمائها مقطعة الاوصال، وأمام مرآى الطفلة البالغة من العمر سبع سنوات، ولكن الخادمة لم تتوقف عند هذا الحد بل هجمت على الطفلة بعدة طعنات أيضا.
 
الحوادث من هذا النوع كثيرة جدا، لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المسألة ما الذي يدفع هؤلاء الفتيات الى ارتكاب جريمة قتل أو الانتحار أو الهرب من منزل المخدوم؟ 
 
هيومن رايتس ووتش
لن نسقط في التعميم، فنحن نعرف أن العديد من اللبنانيين يعاملون خادماتهم معاملة حسنة، ويسعون لمساعدتهم في عيش حياة الغربة وغياب الأهل والأقارب، لكن في المقابل، الأرقام تفرض نفسها، اذ تشير دراسة احصائية لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان الى أن "عاملات المنازل الوافدات الى لبنان يلقين حتفهن بمعدل أكثر من عاملة في الأسبوع، وأهم سببين لوفاتهن هما الانتحار أو الموت خلال محاولة الهروب من المخدومين"، وأظهرت أن " 65 في المئة من الخادمات في لبنان يعملن 15 ساعة في اليوم، و42 في المئة يعملن 18 ساعة في اليوم، و34 في المئة لا يأخذن إجازات محددة. وأظهرت الدراسة أن 30 في المئة من عينة البحث في لبنان تم التحرش بهن"،90 %من أرباب العمل يحتجزون جواز سفر الخادمة وأوراقها الثبوتية، و33% يحدون من كمية طعامها ونوعيته، و73 % يضبطون اتصالاتها مع الآخرين بمن فيهم عائلتها، و 64% يحدون من حرية تنقلها، و43% يفرضون عليها أن تخدم في منازل الأقارب، و54 % يقفلون عليها الباب عند المغادرة، و34 %يعاقبونها حين لا تتبع الأوامر، و 28 % يستخدمون معهن العنف اللفظي، و30 % يستخدمن معهن العنف الجسدي.
 
 
 
 
 
هانا
هي حقيقة ملموسة، حيث تقول "هانا" وهي عاملة إثيوبية إنها لم تملك خيارا سوى المجيء إلى لبنان للعمل قبل ثلاث سنوات، لتعيل عائلتها بعد وفاة والدها، وقد قام مستخدمها الأول بالتحرش بها جنسيا "لكني لم أستطع أن أجاريه في ما يطلب، فأنا جئت هنا للعمل وليس لأي شيء آخر، كان سيعطيني المال لو كنت وافقت على ما يريد مني".
تضيف: "ولأتخلص من مضايقاته عمدت الى اخبار زوجته بتصرفاته، لكن كنت أنا من دفع الثمن،اذ اعتبرت السيدة أن تصرفاتي هي التي لفتت نظره الي، وقامت بضربي بوحشية الى أن قلعت بعضا من أضراسي ورمتني خارج المنزل، وأنا أشكر ربي أنها أعطتني جواز سفري، وها أنا اليوم أعمل بشكل حر لتأمين قوتي وقوت عائلتي".
 
منى
ولايختلف وضع "منى" كثيرا عن وضع هانا، فهي جاءت الى بلد لا تعرف لغته، وكان المطلوب منها الاعتناء بسيدة عاجزة، وهي كانت تقوم بكل ما يطلب منها وتؤكد أن "الماما" كما تسميها كانت تعاملني بلطف لكن بناتها كانوا يطلبون مني القيام بكل الاعمال المنزلية من دون أي راحة، وكانوا يحسبون علي كمية الطعام، واذا ما رغبت يوما في أكل "حبة فاكهة" كانت الدنيا "تقوم ولا تقعد"،الى أن وصلت الى مرحلة اليأس فطلبت من مخدومي اعادتي الى بلدي لأن طريقة معاملتي ليس فيها أي نوع من الانسانية، لكنه رفض ذلك وعمل على اصلاح وضعي ومنع أخواته من التدخل معي، حتى أنه أعطاني جواز سفري لأكون مطمئنة واستمر في خدمة والدته العاجزة".
 
شاتاي
هذا الوضع المأساوي لا ينطبق على كل العاملات، اذ تؤكد شاتاي أنها في بداية حياتها في لبنان عانت لدى أول عائلة عملت لديها من الكثير من الاهانات والضرب وصلت مرة الى حد محاولة حرقي بالمكواة بسبب بعض صحون الجلي، لكن جارة مخدومي أنقذتني وأخذتني للعمل لديها بعدما دفعت لكفيلي ما تكلفه علي من مصاريف، وها أنا أعيش معهم منذ أربع سنوات ويعاملونني كأبنة لهم، حتى أنهم عمدوا الى تعليمي قيادة السيارة حتى أتمكن من التنقل واياهم عند الضرورة.
 
 
 
 
 
وتشير شاتاي الى أنها جاءت الى لبنان للعمل من أجل تأمين مصاريف دراستها في كلية الطب، وتقول أنها تمكنت خلال فترة عملها من شراء منزل لأهلها، وشراء قطعة أرض وهي ستستمر في عملها حتى تموز المقبل وتعود بعدها الى بلدها لاستكمال دراستها. وتقول: "لقد وعدني رب عملي بمساعدتي قدر الامكان لتأمين مصاريف دراستي وهو يشجعني كثيرا لمتابعتها".
 
وعن الحوادث التي يتعرض لها عدد من زميلاتها تعرب شاتاي عن أسفها لما يحصل مع رفيقاتها وتقول: "كتب علينا العمل كخدم بسبب الفقر في بلادنا. واللبنانيون أيضا يسافرون ويعانون في الخارج من المعاملة السيئة، ولذلك عليهم أخذ الدروس من تجاربهم ومعاملتنا بانسانية أكثر، فنحن بشر ولدينا مشاعر وأحاسيس ونتعب ونمرض كغيرنا من البشر ولا يجوز معاملتنا بتعال وكأننا أدنى مستوى من البشر. فكما يشتاقون هم الى أبنائهم ومغتربيهم، نحن أيضا نشتاق الى أهلنا. لذا المطلوب القليل من الانسانية في التعامل ونعيش جميعنا سعداء".
 
اصحاب العمل
هذه عينة من معاناة العاملات ولكن ماذا عن أصحاب العمل؟ تقول نهى وهي تعيش مع ابنها البالغ من العمر 35 عاما "أصرت ابنتي أن تأتيني بخادمة لمساعدتي والبقاء معي في فترة غياب ابني في عمله، وكنت أعاملها كابنة لي وأخرج واياها وأعمل معها يدا بيد، ولكن فجأة هربت من المنزل آخذة معها جواز سفرها واختفت، فعمدت الى ابلاغ الأجهزة الأمنية المعنية حتى لا أتحمل مسؤولية ما قد يحصل معها.
 
وأعربت نهى عن رفضها الشديد لاستخدام العنف مع خادمات المنازل "فهذا أمر لا يجوز، فهم بشر وعلينا معاملتهم بانسانية"، مبدية استغرابها الشديد لهرب الخادمة التي كانت لديها، "فأنا أحرص على معاملتها بأحسن الطرق وأتركها تطبخ ما ترغب من مآكل بلادها حتى أننا كنا نشاركها في هذه المأكولات حتى لا تشعر بالغربة، ولكنها هربت ولا يسعني الا أن أتمنى لها التوفيق "ويوقف بدربها أولاد الحلال".
 
مكاتب الاستقدام
اعتبار لبنان "بلد التجارة بالرق" ليس بعيدا عن الواقع، اذ أن طريقة تعامل مكاتب الاستقدام مع "سوق" الخدم كما يسمونهم يدفع بهيئات المجتمع المدني الى استخدام تعبير "سوق العبيد" لان هذه المكاتب تستقدم الخادمات بأعداد كبيرة وتضعهن في مكاتب صغيرة "محشورين" فوق بعضهم البعض حتى تأتي "السيدة" لتختار من ترغب من العينة المعروضة أمامها من خلال "كاتالوغ" يعرض عليها يتضمن صورة الخادمة وبعض المعلومات الشخصية عنها، فتختار الجنسية بحسب السعر الذي تريد دفعه، وأحيانا بحسب المقاييس الجمالية التي ترغب بها في بيتك.
 
يطمئنك المكتب مباشرة بعد عرض تكاليف "الشراء"، ويؤكد أنه يمكن "للشاري" استبدال "البضاعة" التي اشتراها بعد شهر إذا لم تعجبه لسبب ما، وهو الأمر الذي تؤكد عليه كلير التي قالت: "عندما استقدمت خادمتي وذهبت لاستلامها من المكتب فوجئت بعدد الفتيات الموجودات في المكتب الضيق، واللواتي يعاملن بطريقة خالية من الانسانية".
 
وعليه فان مصيرالعاملة في هذه اللحظة يتعلق إما ان يكون لها أرباب عمل رحومين، أو تدخل في حلقة من الظلم والذل لا تخرج منها إلا "بطلوع الروح اما حية واما جثة".
 
حكاياتهن لا تحصى، اذ يعتبر البعض أنه بمبلغ 2000 دولار "امتلك" حياة إنسانة مجردة من العاطفة والاحاسيس والكرامة. ظروف هؤلاء العاملات لا تشبه العمل في البيوت، بل معتقلات التعذيب، كما تقول احدى الناشطات الاجتماعيات التي شاركت في لقاء تضامني مع العاملات في المنازل، وتبرز صورة لامرأة محروق جلدها، وتشرح بحنق ما تريده من كسر الصمت الحاد عن الاعتداءات المتكررة على هؤلاء العاملات، رب المنزل وضعها في مغطس من الماء المغلية... ليعاقبها"!. ثم تأتي بصورة امرأة أخرى مزق جسدها من الضرب المبرح، ربة المنزل سجنتها في حمام صغير، وعاقبتها بالضرب وبتقديم الخبز والزيتون لها كطعام".
 
ازاء هذا الواقع الصعب كيف يمكن أن نحسن العلاقة بين رب العمل والخادمة وكيف نخرج الاثنين من هذا المأزق؟ 
 
 
 
 
 
"كفى عنف واستغلال"
تقول مسؤولة قسم الاتجار بالنساء في منظمة "كفى عنف واستغلال" غادة جبور أنه لا يوجد في لبنان قانون يحمي العاملات المهاجرات، وقانون العمل اللبناني يستثني في المادة السابعة منه أربع فئات منها العاملات في المنازل،اللواتي تخضعن لنظام الكفالة الذي يقضي بتوفير راع محلي قانوني للخادمة المهاجرة طيلة مدة العقد، الأمر الذي يجعلهن خاضعات للتحكم والارادة المطلقة لارباب العمل. 
 
ورأت أن المشكلة التي حصلت أمام القنصلية الأثيوبية حيث تعرضت "أليم ديسيسا" لتعنيف شديد دفعها لاحقا الى الانتحار هي أكبر من ذلك بكثير. واكدت أن الحل لمشكلة عاملات المنازل يكون باصلاح "نظام الكفالة" الذي يربط العاملة بكفيلها، مشيرة الى أن "كفى" أطلقت منذ حوالى الشهر دراسة طرحت فيها مجموعة من البدائل المحتملة ل"نظام الكفالة"، أبرزها ضم العاملات الاجنبيات الى قانون العمل حتى يتمكن من الانتفاع من مميزات قانون العمل ومن ضمنها تغيير رب عملهن ان لم ترتحن معه. 
 
واعتبرت أن "نظام الكفالة "مجحف أيضا في حق الكفيل الذي يدفع أموالا طائلة ليستقدم عاملة من الخارج لأن المسؤولية القانونية تقع على عاتقه، ولأن هذه الأموال التي يذهب معظمها "قوميسيون" أو معاملات تعتبر دينا على العاملة، ولذلك يجب أن تكون قيمة الكفالة متدنية حتى لا يشعر رب العمل أنه مضطر الى التضييق على العاملة في منزله، في حال قررت تغيير الكفيل ولا يشعر الأخير أنه خسر مبلغا كبيرا من المال.
 
وشددت جبور على ضرورة وضع قانون لحماية هؤلاء العاملات، ولكن لم يتم العمل به، وحاول وزير العمل السابق شربل نحاس نسف نظام الكفالة وضم العاملات الأجنبيات الى قانون العمل وهو كان قدم اقتراحا الى مجلس الوزراء لالغاء الاستثناء في قانون العمل وعرض لاتفاقية عمل جديدة وموحدة تضمن حقوق العاملات والتزم بالغاء نظام الكفالة، ولكنه استقال وتوقف المسعى عند هذا الحد، لافتة ضمن هذا الاطار الى تواصل مع الوزير الجديد لايجاد حل لهذه القضية.
 
وعن حالة "أليم" تقول جبور: "لا ندري اذا كان الفعل الذي حصل أمام القنصلية الأثيوبية هو الذي أدى الى انتحارها، أم انها الصيرورة التي رافقت مجيئها والنظام الموجود في لبنان، اضافة لما حصل في السفارة هو الذي أدى الى الانتحار". وأكدت أن الحل الأنسب هو بتغيير "نظام الكفالة" وطريقة التعامل مع العاملات ومنحها كل حقوقها المتعلقة بالعمل وأن يكون هناك مراقبة على طريقة استقدام العاملات من الخارج واشراف من قبل مؤسسة تابعة للدولة على عملية الاستقدام". 
 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب