تحقيق ابراهيم طعمة
التنبؤ بأحوال الطقس، عادة ارتبطت بحياة الناس منذ آلاف السنين، وقد مارستها الشعوب بطرق ونماذج متعددة ارتكزت اساسا على مراقبة التغيرات في عناصر الطقس مثل الغيوم والهواء والقمر وامواج البحر، وحركة الطيور المهاجرة، مستخدمة في ذلك طرقا بدائية بسيطة.
الدافع الرئيسي لمحاولة التنبؤ بحال الطقس، هو تأثيره على الاعمال والحياة اليومية من صيد وزراعة وملاحة، الى مراقبة ارتفاع منسوب الانهار، لاتخاذ التدابير الاحترازية خوفا من الفيضانات.
وتتنوع اساليب وطرق الرصد الشعبي، وتختلط تنبوءات الطقس بميثولوجيا شعبية وبعادات وتقاليد دينية او انطلاقا من توقيت مناسبات دينية، ويمكن ان تمتد جذورها الى ابعد من ظهور الاديان، وتبرز مصطلحات مشتركة بشكلها وتفسيراتها، وابرزها: الصليبيات، المستقرضات، السبعتعشيات (نسبة الى الرقم 17) ،المربعانية، وكلها فترات وأيام ذات دلالة مناخية.
الصليبيات
تبرز الصليبيات بطرقها المختلفة، الوسيلة الاكثر اتساعا لرصد حال الجو لمدة عام كامل، وباقي الطرق تبقى ظرفية ولأيام قليلة.
ويصف المدرس الثانوي ومربي النحل في عكار جرجس شاهين الصليبيات التي حدثه عنها والده المزارع، بانها "قابلة للتطوير مع الارصاد الجوية الحديثة لتعطي نتائج كبيرة في رصد الاحوال الجوية لمدة عام كامل"، موضحا انه باشر باعتماد هذه الطريقة منذ عدة سنوات لمعرفة تقلبات الطقس وتأثيرها على مشروع النحل لجهة حماية الحشرات والانتاج.
ويختصر شرح الصليبيات على البدء بتسجيل تغيرات الاحوال الجوية في 15 ايلول، وهو اليوم الذي يلي يوم عيد الصليب عند المسيحيين، ومن هنا جاءت التسمية، بحيث ان حال الطقس في هذا اليوم تؤشر لحال الطقس في شهر تشرين الاول، و16 ايلول يؤشر لشهر تشرين الثاني، وهكذا دواليك لمدة 12 يوما وما يقابلها من شهور حتى انتهاء العام الذي يبدأ في ايلول، ويشير الى ان عمليات التسجيل والملاحظة تكون على مرحلتين في اليوم الواحد من الايام ال12، فحال الطقس في النصف الاول من اليوم تقابله الحالة في النصف الاول من الشهر، والنصف الثاني من اليوم تقابله الحالة في النصف الثاني من الشهر، معربا عن اعتقاده بان هذه الملاحظات ترتبط بهلة القمر كل نصف شهر.
وتعمد سلمى الكفروني الى وضع ست مجموعات من الملح مغطاة بقطعة قماش خارج المنزل، وذلك بدءا من الرابع عشر من ايلول، وتراقب التغيرات التي تطرأ على اول مجموعة ملح، فاذا ابتلت يكون الطقس في شهر تشرين الاول ماطرا، واذا كان نصفها مبتل والنصف الاخر جاف يكون النصف الاول من الشهر ماطر والنصف الاخر جاف.
المستقرضات
تكثر الامثال الشعبية المرافقة لطرق رصد الطقس، فيقال مثلا "آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني لنخلي العجوز تولي"، وهذا المثل يشير الى مايعرف بالمستقرضات التي ظهرت كرواية تتنقالها الذكرة الشعبية، فهي ثلاثة من شباط وأربعة من آذار (اذا كانت السنة كبيسة فيكون 4 من شباط و3 من آذار) وهناك من يسميها بايام العجوز لأنها نهاية الشتاء. وهناك من يرجعها الى رواية شعبية اخرى، مفادها ان قوما رجعوا من رعي قطعانهم، الا عجوزا بقيت مع غنماتها الستة، وعندما قارب شباط على نهايته دون ما يعكر مزاجها فرحت فرحا شديدا وراحت تقول (إجا شباط وراح شباط وحطينا بظهره المخباط)، فسمع شباط هذا الكلام فغضب غضبا شديدا، وذهب الى ابن عمه آذار يطلب عونه للانتقام من العجوز قائلا له (آذار يا ابن عمي أربعة منك وثلاثة مني لنخلي العجوز تولي) فلبى آذار طلب ابن عمه، فاشتد مطر السماء والبرد حتى ماتت العجوز مع غنماتها.
ونتيجة لاستقراض شباط من آذار أربعة أيام عرفت تلك الأيام "المستقرضات".
السبعتعشيات
عرفت بهذا الاسم للدلالة على السابع عشر من آذار من كل عام، حيث تبدأ مع هذا التاريخ هطولات مطرية غزيرة، مصحوبة برياح قوية، ويمكن ان تستمر اسبوعا كاملا، وتؤشر الى قرب انتهاء فصل الشتاء.
المربعانية
"المربعانية" تبدأ من 23 كانون الأول حتى 31 كانون الثاني. وهذه الفترة معروفة بالبرد الشديد، مع احتمال تساقط الثلوج في المرتفعات وسقوط البرد، وعندما تحل هذه الفترة يخلد الناس للسكينة والراحة في بيوتهم، ولا يخرجون منها إلا لقضاء الأعمال الضرورية ويستعد لها، بخزن المؤونة والوقود.
يتحدث صياد السمك زياد دنهش عن المربعانية على انها فترة توقف الصيد نهائيا في فصل الشتاء، وتبدأ في 20 كانون الاول وتستمر اربعين يوما، حيث تنخفض درجة الحرارة كثيرا فتستقر الاسماك في المياه العميقة للمحافظة على حرارتها، وبالتالي تتوقف عملية الصيد في هذه الفترة، مشيرا الى مربعانية الصيف التي تبدأ في حزيران ولمدة اربعين يوما ايضا.
ويوضح ان الصيادين يعتمدون في رصد حال الطقس على دورة القمر البالغة 15 يوما، فاما تهل الدورة على مطر ام صحو، مما يؤشر الى حالة الدورة بأكملها.
وهناك اشارات يعتمدها الصيادون مثل "التمساح" وهو غيمة تظهر فوق القرنة السوداء، تشير الى وجود هواء، في حال تغير شكل التمساح تمددا او تقلصا، فانه يشير الى هطول مطر خلال ساعة، وفي حال الثبات فان الهطول يصبح حتميا خلال 24 ساعة. وهناك اشارات اخرى يعتمدها الصيادون مثل حركة الموج واكثر ما يخشاه هؤلاء، "هواء الربيع" الذي لا تتمكن الارصاد الجوية من رصده بسبب ظهوره المفاجىء ودون اية اشارات سابقة، "مما قد يوقعنا باحداث خطيرة ويصيب عتادنا بخسائر كبيرة".
هذا بعض مما انتجه تراكم تاريخي طويل عند الشعوب في محاولة لرصد الاحوال الجوية قبل ظهور الرصد الحديث، ولكن الثابت هو مدى ارتباط حياة الناس بالتغيرات المناخية في اعمالهم وعاداتهم وبيئتهم الجغرافية.