تحقيق غسان عازار
في زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الى قبرص وجولته الراعوية على القرى والبلدات المارونية: كور ماجيتي، كاراباشا، سوماتوس، وآيا مارينا وعلى الاديار والمؤسسات المارونية، تستوقفنا قرية "كور ماجيتي" اللبنانية الاصل التي تعود في جذورها التاريخية الى قرية "كور" في وسط قضاء البترون وتعرف ب"كور الجندي". "كور ماجيتي" تعني "كور التي جئنا منها ولم تأت"، لها صلات بالبلدة الام وأبناؤها يؤكدون حقهم في الجنسية لانهم لبنانيون ويرغبون بالعودة الى وطنهم الام.
كور البترونية
تقع كور على تلال ست، ترتفع ما بين 450 و500 مترا عن سطح البحر، تبعد 11 كيلومترا عن البترون مركز القضاء و49 كيلومترا عن مركز المحافظة طرابلس، و61 كيلومترا عن العاصمة بيروت. عدد سكانها 1600 نسمة وعدد ناخبيها حوالى 1000 نسمة فيما مساحتها الاجمالية نحو 780 هكتار ومساحتها للاراضي المزروعة حوالي 260 هكتارا.
تصل الى بلدة كور من البترون عبر اجدبرا - عبرين ومن اجدبرا- بجدرفل فوادي عين عيا، ومن مفترقات بقسميا وكفرحي وكفرحتنا. تتميز بطبيعة خلابة تزدان بأشجار السنديان والبطن والصنوبر والكرمة والتين والخرنوب، وقد منع الامبراطور الروماني هادريانوس قيصر قطعها وذلك حسب النقوش المحفورة على بلاطة في البلدة تشير الى السنة الثامنة من بدء حكم الامبراطور سنة 125م.
كور البلدة البترونية مكورة على تلال ست: القلاع، الضهر، الشميس (الحريق)، مار جرجس، مار مخايل والعربة، تحيط بها الاودية من اطرافها كافة. تضم أبنية فخمة من حجارة مقالعها التي تتميز بها عن سائر البلدات اللبنانية تصدر الى الخارج ويطالب الاهالي بادخال مقالع بلدتهم المميزة بحجرها الصلب الابيض والاسمر الى خريطة المقالع اللبنانية.
اسمها
كور في الآرامية، وكما ذكر المؤرخ انيس فريحة، تعني الحداد والصانع في الفرن لصهر المعادن وتعني ايضا مكيال الحبوب، ويشير البعض الى كور القمح والتكور اي الاستدارة، فيما القمم التي تنبسط عليها بيوتها فهي مستديرة الشكل.
يطلق على البلدة ايضا تسمية كور الجندي، ويروى عن هذه التسمية ان احد الجنود العثمانيين كلف بجباية "الميرة" فقصدها دون ان يتمكن من الوصول اليها لصعوبة الطريق وكونها محاطة بأحراج ضخم فعاد خائبا يردد:
ياكور ياكور الجندي انت من عندك وانا من عندي
ميرتك زلطتين ونصف انا بدفعها من عندي ..
يذكر ان الحادثة وقعت قبالة البلدة في قرية كفرحتنا على رأس بئر يطل على البلدة سمي فيما بعد بـ"بير الجندي".
وعن وعورة الطرق التي تصل بالبلدة، يروى بان طريقا واحدا كان يسلكه المشاة ويصلهم بنهر الجوز، وكان أبناء القرية يضعون قندولة على مدخله للحيلولة دون وصول الغرباء والجنود الاتراك اليها. كما يذكر بان البلدة اقتحمها جنود المماليك في نهاية القرن الثالث عشر واستقروا فيها.
تاريخها
تعود كور البترونية في تاريخها الى الخوري سليمان الذي قدم من شمال سوريا عند العاصي، من محلة كوراناس بين انقرة وأضنة، حوالي اوائل القرن الرابع، وكان من الذين قدموا اليها افراد عائلات بلدة ذكرى المعروفة ببيت الذكرى. وقد تزوج شاب من هذه البلدة بابنة الخوري سليمان وتحدر من عائلة الصهر عائلات الخوري مارون، والخوري طعمه وراجي. كما تحدرت عائلتا سابا وارسانيوس وتفرعت منها عائلات عمانوئيل ويوسف والخوري ويزبك وطعمه وفرح.
تحتضن البلدة مغاور وسراديب وبلاطة تعرف ببلاطة المالسة كما تحتوي على نواويس وآبار منحوتة في الصخر، يستدل منها ان الانسان الاول سكنها منذ القدم. وتتميز بعدد كهنتها وكنائسها ومنها كنيسة شفيع البلدة القديس مخايل التي شيدت على انقاض كنائس دير مار سمعان، مار ساسا، ومار مخايل والقديس جرجس.
البلدية
تأسست بلدية كور في العام 2004 بأعضائها التسعة، أول رئيس تسلم مهامها هو متى يوسف يوسف، أما رئيسها الحالي فهو لحود ميشال موسى الذي يبرز حاجات البلدة ويعمل على حفظ حق المغتربين من ابنائها والمتحدرين من اصل لبناني في الجنسية.
موسى أعلن ان البلدية تكرم سنويا على تلة مار جرجس أبناء" كور ماجيتي" الذين يزورون كور البترونية، وتقدم لهم الهدايا"، مشيرا الى ان كبار السن بمعظمهم يتكلمون اللغة العربية ويأمل ان يعلموها لاولادهم. ولفت الى وجود موقع الكتروني ينقل صورا متبادلة بين ابناء البلدتين ويؤمن الاتصالات بالمناسبا. وقال وانه زار "كور ماجديتي" في آب الماضي مع وفد من ابناء البلدة قوامه 43 شخصا وأمضوا اياما مع أهلهم هناك آملا ان تتواصل الزيارات.
الراعي في خيمة كور
ابناء بلدة كور وجارتها كفرحتنا استقبلوا البطريرك الراعي خلال جولته الراعوية الاولى لبلاد البترون وفي طريقه الى الصرح الاول للبطاركة الموارنة في لبنان دير مار يوحنا مارون كفرحي، على مدخل البلدة ونصبوا له خيمة احتفاء به، بمشاركة رئيس البلدية لحود موسى واعضاء مجلسها والمختار الياس يوسف وكاهن البلدة مارون فرح، والقيت كلمات ترحيب بالبطريرك الراعي ورد غبطة البطريرك بكلمة شكر استهلها بوصف خيمة كور، بانها خيمة محبتهم وايمانهم وقلوبهم التي تظلل بمحبتها كل الناس. وقال: "انا سعيد أن احيي على رأس الوفد راعي الابرشية المطران بولس اميل سعادة، وأرحب بكل الذين أتوا الى خيمة كور، خيمة الشركة والمحبة خيمة المحبة والسلام حتى نعيش شعارنا".
وتوجه البطريرك الراعي الى ابناء كور الحاضرين والغائبين بالتحية وقال: "أحيي بلدة من لبنان قدمت شهداء وأستحضر ارواحهم معكم، ولولاهم لما كنا هنا ولما كنا في هذه الخيمة. وقال: "نحن مدعوون الى ان نكون على مستوى الدماء التي أزهقت وان نعيش مستواها الوطني والروحي والكنسي والاجتماعي. ان شهداءنا الذين وقعوا على مذبح الوطن هم الذين افتدونا جميعا".
وتابع: "توجد بيننا وبين أبناء كور روابط كبيرة واستحضر من خدمنا في حملايا في سنوات طويلة الخوري مارون وقد عرفنا بالبلدة وجئنا اليها قبل ان نصل الى ارضها، وآمل ان نلتقي اكثر من مرة وفي مناسبات خاصة".
وحيا البطريرك الراعي أبناء كور وكفرحتنا على برامجهما في التنشئة المسيحية ووصفهم بانهم جيران مار يوحنا مارون الحاوي ذخائر القديس مارون وانتم سياجه".
وقال: "كلما مررت من هنا أذكر خيمة كور، خيمة عناية الرب والابن وحلول الروح القدس ومار مخايل شفيع الرعية، ونسأله ان ينصرهم على كل شر روحي مادي ومعنوي وان تبقى كور المدينة المنورة تشع بمحبتها وايمانها على لبنان والكنيسة وهي التي أعطت للوطن دماء كريمة".
وقد دون الراعي على السجل الذهبي العبارة التالية: "يسعدني ان ألتقي على ارض كور تحت الخيمة، خيمة محبتها لله وللكنيسة، ألتقي كل شعبها، أحيي كل ابنائها وبناتها وكل شهدائها وألتمس من الله بشفاعة مار مخائيل شفيعها بأن يفيض على كل عائلاتها في لبنان وفي بلاد الانتشار كل خير ونعم وبركة. مع محبتي الكبيرة وصلاتي والبركة الرسولية باكورة خدمتي البطريركية".
كور القبرصية
كور ماجيتي القبرصية تتفرع من بلدة كور البترونية، معناها "جئنا نحن منها وهي لم تأت". ويذكر عن تاريخها، ان ملك فرنسا لويس التاسع حين جاء الى لبنان حوالي العام 1200م، اقيم له استقبال في البترون في كنيسة مار اسطفان القديمة مكان الكنيسة الحالية شارك فيه جمع من ابناء كور وتجندوا في جيشه الزاحف الى الاراضي المقدسة. ولما فشلت الحملة عاد الجنود معه الى قبرص حيث أوكل اليهم حماية حدود الجزيرة في وجه الاتراك بقيادة لوزينان.
يبلغ عدد سكان" كور ماجيتي" 5000 نسمة قبل الاجتياح التركي في العام 1973، بعد ذلك نزح منهم الى نيقوسيا اليونانية حوالى 3350 نسمة، اما الباقي فحوالى 1650 نسمة معظمهم من المسنين سكنوا المنازل القديمة واعتمدوا على الحمير لنقل محاصيلهم الزراعية.
موقعها
تتميز البلدة القبرصية بموقع سياحي وبمواسم زراعية كالتي في بلدتهم الام من كروم الزيتون واللوز والتين والكرمة والخرنوب الذي تم تشجيره من كور ويستخدم في المواد الاولية لصناعة الادوية. اعتمد اهاليها على زراعة القمح والعدس والحمص وعلى صناعة الخبز على الصاج والتنور، وعملوا في تربية الماشية والنحل. حافظوا على تقاليد وتراث بلدة كور الام، وعرف عنهم اذا فجعوا بموت احد من ابنائهم تراهم يزنرون كنيسة شفيع بلدتهم مار جرجس بالاشرطة البيضاء كما يرفعونها في احياء بلدتهم وعلى مداخلها حزنا على من فقدوا.
لابناء "كور ماجيتي" مميزات مشابهة لابناء كور البترونية ( كور الجندي) ببشرتهم وتعابيرهم ولباسهم. وقد اتخذوا القديس جرجس شفيعا لبلدتهم على غرار بلدتهم الام كور القديمة. وتوجد في داخل الكنيسة ثلاثة مذابح للقديس جرجس شفيعهم ومار يوسف ومار مخايل. كما توجد في البلدة كنيسة على اسم السيدة ولهذه البلدة القبرصية صلات بالبلدة الام، فالزيارات تتوالى وتتوطد بين هاتين البلدتين او القريتين.
عرفت البلدة القبرصية اللبنانية الاصل" كور ماجيتي" وجوها كنسية لبنانية قصدت ربوعها، منها المطران على قبرص البطريرك اسطفان الدويهي، المطران بولس الجميل وحاليا المطران يوسف سويف.
من ابرز رجالاتها الوكيل البطريركي على قبرص فورا داروس، النائب الرديف في مجلس العموم القبرصي تجو مغرديس، النائب الماروني في مجلس الشيوخ جوزف ياماكي، وذلك قبل ان يلغى نظام المجلسين (النواب والشيوخ)، النائب في المجلس النيابي والنائب الثاني انطونيو حاجي روسوس.
ويذكر انه اثناء الاجتياح التركي لشمالي جزيرة قبرص قتلت سكرتيرة السفير الاميركي وهي من "كور ماجيتي" ودفنت في البلدة في جو من الرهبة والحزن والخشوع .
كور المقيمة ورديفتها القبرصية بلدتان اعطتا للبنان وقبرص رجال دين ودنيا،
ابناؤهما قدموا الكثير في الماضي البعيد كما في الامس القريب.