تحقيق لميا شديد
شكلت تربية النحل في منطقة البترون منذ القدم، مصدر رزق وموردا أساسيا اعتمد عليه أبناء القرى والبلدات، وخصوصا في الوسط البتروني لملاءمة الطبيعة والمناخ وحاجة السكان، حيث لم يخل منزل من جرتين أو ثلاث تؤمن لهم مؤنتهم. ولكن تحولا ملحوظا حصل بعد العام 1984 عندما اصاب مرض الفاروا (varroa jacobsoni) قفران النحل، وقضى على 95% من مجموع قفران النحل يومها، ولا يزال مربو النحل حتى اليوم، يعيشون حربا شرسة ضد الامراض التي تجتاح القفران وتقضي على المواسم.
ويوضح الخبير المهندس فادي أبو سليمان أن "مشكلة عنكبوت الvarroa الذي وصل الى لبنان واجتاح النحل في العام 1986، ويومها خسر لبنان 80% من عديد خلايا النحل، وهي مشكلة دائمة تهدد قطاع النحل، ووجود الvarroa له أضرار مباشرة وغير مباشرة. الاضرار المباشرة عندما يتضاعف عدد العناكب عن مستوى معين عندها يضرب الخلية ويقضي عليها بشكل تام. أما الاضرار غير المباشرة، وهي أن العنكبوت هو مدخل ووسيلة لعدد من الفيروسات الى خلايا النحل ويسبب هجر النحل. وحتى اليوم لم يتم تحديد أسباب هذه الحشرة التي تتسبب بضعف الخلايا وخسارتها".
ولما لم يكن للنحال مقومات الاستمرار من علم أو وعي أو حتى وجود جمعيات تعاونية تسعى لمساعدته ومؤازرته، دفع به ذلك الى ترك هذا القطاع الخاسر.
وحيال هذا الوضع، أطلقت الجمعية البترونية للانماء المتوازن في العام 2008، مشروعا يعيد تشجيع تربية النحل ويساهم في تأمين مداخيل اضافية ثابتة للمزارعين، ما يشجعهم على البقاء في قراهم والتثبت في ارضهم. ووزعت الجمعية قفران النحل على المزارعين الذين يخضعون لدورات تدريبية عن تربية النحل. وتواصل متابعة العمل بإشراف اخصائيين في علم النحل، بإشراف من مجلس الانماء والاعمار وبمساهمة من البنك الدولي.
ورحب المزراعون باستعادتهم لمورد اساسي يساعدهم على العيش في قراهم، والتثبت بأرضهم، مما يشكل دعما لهم في ظل الاوضاع المعيشية الصعبة. وهذا ما يجدد الامل بتحسين الوضع المعيشي لعدد كبير من المزارعين.
ويقول مختار بلدة عبدللي حنا بركات: "هذا المشروع هو بالنسبة الي وظيفة سهلة ذات مردود مادي استفيد منه وأنا في منزلي، أبقى في ضيعتي واحصل منه على انتاج اضافي يوفر لي مصدرا جديدا لتأمين حاجياتي ومعيشة عائلتي واقساط المدارس عن أولادي، وخصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الصعب".
وأكد أنه سيعمل على توسيع هذا العمل وتربية أكبر عدد ممكن من القفران وبذلك يصبح عندي موسما استطيع منه تسديد مدفوعات كبيرة متوجبة علي".
تشجيع تربية النحل
ويشير رئيس الجمعية البترونية للانماء المتوازن جورج عبد المسيح الى "أن هذا المشروع هو بمثابة رأسمال لمدخول اضافي للعائلة"، وقال: "من خلال هذا المشروع نسعى الى اعادة تشجيع تربية النحل في المنطقة بشكل واسع، وبالتالي تأمين مداخيل اضافية ثابتة لهم، فضلا عن الاسباب التالية التي تشجع على التوسع في هذا القطاع. خطتنا تهدف الى رفع الدخل الفردي العام وخلق فرص عمل جديدة وتنمية مهارات وقدرات المزارعين عن طريق تشجيع السكان على تربية النحل، وعبر دعم المربين الحاليين وتحفيز الشباب على التربية الواضحة الاهداف، لذلك كان لا بد من انشاء مركز التدريب والتوضيب ومساعدتهم في الانتاج ومكافحة الامراض والتسويق، وعن طريق القيام بزراعات بديلة وخاصة تنمية الزراعات الرحيقية والعسلية مثل الزعتر والقصعين التي لديها مردودها الخاص، فضلا عن زيادة انتاج العسل، لذلك وضعنا خطة طويلة مقسمة على مراحل عدة".
وتحدث عن "الدورات التدريبية التي نظمت للمستفيدين من المشروع، وشارك فيها اخصائيون في هذا القطاع"، واعلن عن "التزام الجمعية بشراء كل المحصول من العسل، على أن يصار لاحقا الى انشاء ثلاثة معامل لتحويل العسل الى مواد صناعية، عن طريق انشاء مؤسسات صناعية صغيرة، تصنع من العسل المنتجات التالية: مواد تجميلية وصابون للعسل، مواد أولية مستخرجة من النباتات الطبية العطرية تستعمل ضمن مستحضرات التجميل المصنعة من العسل، بالاضافة الى معمل لصناعة صفائح شمع النحل. وهذه الوحدات الصناعية ستقدم للمستهلك مادة مستخرجة من العسل والنباتات ويمكن تسويقها تجاريا بما يضمن استقرارا في أسعار العسل لدى المزارع واستمرارية للمشروع".
وأعلن عن وضع مركز الجمعية الكائن في بلدة آسيا، بتصرف المزارعين كما أن الجمعية ستتولى الاشراف الدائم على عمل المزارعين ومتابعتهم استشاريا من قبل فريق من المتخصصين.
وتوقع زيادة قدرات ومهارات النحالين في القرى وزيادة عدد النحالين الجدد، وخاصة من فئة الشباب، وزيادة الانتاج ورفع المستوى الاقتصادي والاجتماعي من خلال زيادة الدخل الفردي، بالاضافة الى تسويق الانتاج وتصريفه في مهلة قصيرة وتفعيل عمل مركز التدريب.
وكانت الجمعية قد جهزت 100 قفير نحل العام الماضي، لتوزيعها على مربيي النحل، ولكن الأمراض اجتاحت النحل ما حال دون عملية التوزيع لعدم جدواها ولعدم وجود خبرة عالية جدا لتفادي الأمراض المستعصية.
وهذه السنة بدأت الجمعية بتوزيع 100 قفير على مراحل. وأكد عبد المسيح أن "القفران والنحل توزع مجانا، على أن تستوفي الجمعية نسبة 10% من الانتاج، ونظرا للصعوبات التي واجهها مربو النحل منذ بدء توزيع القفران عليهم في 2008، لم نستوف ال10% دعما منا لهم، همنا مساعدة المزارع لتفادي الأمراض، وال10% التي حددناها هي لحث المزارع على الالتزام بما يدفعه تجاه الجمعية، فيكون حافزا له للاهتمام بالنحل الذي وزعناه عليه، وكي نوفر لهم فرص عمل لتعزيز مشاريعهم".
التسويق
ويعتمد مربو النحل في تسويق وتصريف انتاجهم على السوق المحلي الذي يستهلك الانتاج المحلي ويستورد من الخارج، وفي الوقت نفسه وفي حين يعتمد النحال على انتاج النحل من العسل، يغفل المنتجات الاخرى مثل الغذاء الملكي والطرود التي اذا عرف كيف يستفيد منها تمكن من تأمين الحد الأدنى من المدخول لتغطية كلفة التربية".
وهذا ما يشدد عليه الخبير أبي سليمان، الذي دعا النحالين الى تنويع انتاجهم والافادة من المنتجات المختلفة، لافتا الى "امكانية ادخال منتوج النحل من عسل وغذاء ملكي وشمع ودنج (propolis) في مواد تجميلية طبيعية، يحاول هو شخصيا الافادة منها حيث أصبح لديه حتى الآن 15 مستحضر من عالم النحل والنباتات الطبية والعطرية. وأكد "أن البعد التصنيعي عندما ينطلق بشكل واسع في السوق المحلي والعربي يؤمن استهلاك نصف انتاج العسل".