تحقيق مفيد سرحال
في راشيا الاستقلال، راشيا حصن 22 تشرين الثاني، تنهد الوطن استقلالا يستظل نضالات رجال مزقوا القيد وخنقوا السجان، فراشيا والاستقلال توأمان لا ينفصمان ومرايا مجد على صدر الزمان.
ولعل من غرائب الصدف ان يكون 20 تشرين الثاني محطة متميزة في تاريخ قلعة راشيا، ففي مثل هذا اليوم بالذات اقتحم ثوار الثورة السورية الكبرى البرج الجنوبي للقلعة التي كانت خاضعة آنذاك للاحتلال الفرنسي، كما ان 22 تشرين الثاني شهد تحرر رئيس الجمهورية الشيخ بشارة الخوري ورئيس الحكومة رياض الصلح والوزراء: كميل شمعون، عادل عسيران، سليم تقلا وعبدالحميد كرامي من سجن القلعة بعد اعتقالهم من قبل السلطات الفرنسية على مدى 11 يوما. وأعلن يومها قبول فرنسا بالتعديل الدستوري فاطلق على قلعة راشيا لقب قلعة الاستقلال أو حصن 22 تشرين. يضاف الى سجلها الذهبي المجلل بالشمم وقفة العز للشهيد المقدم عادل ابو ربيعة وثلة من الجيش اللبناني الاباة عند مدخل القلعة الجنوبي في وجه ملالات العدو الاسرائيلي ابان اجتياح عام 82 ومنعهم من تدنيس ارض القلعة بعد ان خاطب ابو ربيعة احد الجنرالات اليهود قائلا: "ستمر آليات على اجسادنا لتعبر الى حرم القلعة وسنموت بشرف دون ان نراكم تدنسون رمزا من رموزنا الوطنية".
وفي لمحة تاريخية للقلعة التي أضحت معلما وطنيا بارزا فقد تضاربت الآراء حول تاريخ بنائها إلا أن الرأي الأرجح في هذا المجال هو أن بناء القلعة وبرجها الجنوبي يعود الى زمن الغزوة الصليبية التي اختارت هذا الموقع الاستراتيجي.
وخلال الاحتلال العثماني كانت قلعة راشيا ملكا للعائلة الشهابية التي اقامت فيها وزادت على بنيانها، وأثناء الاحتلال الفرنسي دخلتها القوات الفرنسية وشيدت سورها الشرقي وفي عام 1946 بعد جلاء الفرنسيين تمركز فيها الدرك اللبناني وبعض ادارات الدولة الرسمية واعتبارا من 1/9/1964 اصبحت القلعة في عهدة الجيش اللبناني ولا تزال.
في العام 1997 صنفتها وزارة السياحة مركزا سياحيا يقصده المواطنون من مختلف المناطق اللبنانية، هذا وقد رممت مؤسسة الوليد بن طلال الانسانية بإشراف الوزيرة السابقة ليلى الصلح حماده جناح الاستقلال الذي تحول الى مقر سياحي تاريخي نموذجي تسلمته بلدية راشيا للافادة منه واستخدامه في أنشطة متعددة كما حول الجيش اللبناني أحد مدرجات القلعة بعد ترميمه الى مسرح دائم يتسع للآلاف وتقام فيه سنويا مهرجانات الصيف.
هذا ودرجت العادة ان يزور القلعة وفق تقليد سنوي ممثلو الرؤساء الثلاثة حيث يتفقدون الغرف التي اعتقل فيها رجال الاستقلال ويدونون كلمات في السجل الذهبي في قاعة الشرف.
ومن معالم القلعة النادرة ايوان القناطر في الجهة الجنوبية الشبيه بقناطر قصر بيت الدين اضافة إلى السراديب التي يبلغ طولها نحو 1500 متر وتقود الى نقاط بعيدة عن اسوارها كان يستخدمها الصليبيون لجلب المؤن والمياه في حال اطالة الحصار على الحصن الذي يزيد ارتفاعه عن 1400 متر. وقد حول الجيش اللبناني بعض الاقبية والسراديب الى معارض وقاعات استقبال.
وعن معالم قلعة راشيا لوحتان رخاميتان الاولى تحمل اسماء مئة وتسعة وخمسين فرنسيا قتلوا خلال معركة 22 تشرين الثاني عام 1925 والثانية تحمل أسماء مئة شهيد من راشيا وجوارها سقطوا خلال تلك المعركة في مواجهة الغزاة الفرنسيين.
وبالعودة الى ذكرى الاستقلال نستذكر بعض احداث المرحلة التي اعتقل فيها رجالات الوطن في سجن القلعة فما ان شاع خبر الاعتقال حتى عم الغضب الشارع اللبناني واشتعلت النخوة في صدور ابناء راشيا وحاصبيا والذين انتظروا اشارة المغفور له عطوفة الامير مجيد ارسلان الذي اعد خطة مع احرار البلاد لتحرير القادة المعتقلين في القلعة وحدوث ساعة الصفر بعد ان ابلغ الرئيسان الخوري والصلح تباعا بالتحركات الميدانية بواسطة حلاق من راشيا ادخل الرسائل بواسطة "موس الحلاقة"، غير ان الرئيسين الخوري والصلح أبلغا الامير مجيد إرسلان بضرورة الاحجام عن هذه الخطوة حقنا للدماء ولقناعتهما أن المحتل الفرنسي لن يستطيع تجاهل التحركات الشعبية الرافضة لحماقته وصلفه واعتدائه على الكرامة الوطنية.
ويوم أفرجت سلطات الاحتلال الفرنسي عن رجالات الاستقلال تلقفهم المواطنون عند مدخل القلعة حيث حملوا على الاكتاف وسط الزغاريد والحداء واخترق موكب التحرير سوق راشيا الاثري وسط حشود شعبية تقاطرت من مختلف المناطق اللبنانية، وغادر رجالات الاستقلال وخلفهم ظلال قامات تشع عندا ومروءة كلما عادت الذكرى واستذكر الرجال.