تحقيق بشرى راضي
صناعة المراكب الشراعية والخشبية حرفة قديمة على طريق الانقراض، لكن مدينة الميناء التي تشتهر منذ عهود قديمة بصناعة المراكب على أنواعها وبصورة خاصة الخشبية منها ما زالت تعمل بدرجة عالية من الانتاجية، باعتبار ان هذه المراكب تتمتع بكفاءة كبيرة اذا ما قورنت مع مثيلاتها المصنعة من مواد اخرى. فعمر المركب قد يستمر الى ما يزيد عن الثلاثين عاما اذا ما احسنت صيانته السنوية الدائمة، وطلي بالمواد الحافظة من اعتداء الكائنات البحرية الصغيرة، لذلك يعمل الصيادون على طلي القسم الغاطس في المياه بمادة "لانتي فاولن" الحاملة للمضادات الحيوية.
ويستخدم صانعو المراكب في ميناء طرابلس اليوم الخشب البلدي عوضا عن الاخشاب المستوردة كالسويدي والافريقي مثل "الموغانو" و "التك" و"الايروكو". اما الاخشاب البلدية المستخدمة اليوم فهي التوت والدلب للاضلاع الخاصة بالمركب، والكينا والسنديان للجسور الاساسية، والصنوبر والسرو للالواح. ويمكن الحصول على هذه الانواع من الاخشاب من الاراضي والمرتفعات اللبنانية، علما ان الخشب البلدي غير متوفر حسب طلب أصحاب المهنة لذلك يلجأون الى تقطيعه وفق متطلبات المركب، ووفق التصاميم الموضوعة والالتواءات والانحناءات المرسومة.
ومع التطور ومجاراة لعصر السرعة باتت صناعة المراكب الخشبية تتعرض لمنافسة من قبل الصناعات الاجنبية المستوردة وخصوصا المراكب السياحية (السكينوتيك ) المصنوعة من "الفيبرغلاس" ذات المحركات السريعة والوزن الخفيف، رغم انها لا تتمتع بالمتانة الكافية فسرعان ما تتعرض للكسر والتلف خلافا لمثيلاتها المصنوعة من الخشب.
تراجع الصناعة
محمد الحمرا احد اصحاب الورش المخصصة لصناعة المراكب قال ل"الوكالة الوطنية للاعلام": "لقد ورثت هذه المهنة أبا عن جد، ففي السابق ومنذ خمسينات القرن الماضي كان والدي يصنع المراكب الشراعية والتي استبدلت لاحقا بالمحرك، وكانت تستخدم حينها لنقل البضائع ولا سيما الحمضيات من لبنان الى مختلف موانىء البحر المتوسط وتجلب معها المنتجات الزراعية مثل البصل والثوم والارز. أما الان، فقد طورت أشكال الزوارق الشراعية وأصبحت للنزهات فقط وباتت علامة للرفاهية، وقد عملت مختلف الجمعيات واتحادات الموانىء وبلديات الدول الاوروبية على تحويل قطاع المراكب الشراعية الى مشروع سياحي بامتياز حيث اصبحت تقام المعارض والمسابقات والاحتفالات كل عام لانتخاب أجمل مركب شراعي في اكثر من ميناء بحري لما في ذلك من تنشيط للعجلة السياحية والاقتصادية كون هذه الاحتفالات تشهد مشاركة واقبالا كثيفا عليها".
وأضاف: "حبذا لو يقام مهرجان مماثل في ميناء طرابلس ولا سيما ان الميناء بمساحته الواسعه مجهز لهكذا احتفالات ومسابقات، اذا ما تمت، من شأنها ان تنشط هذه الصناعة وتعيد لها عافيتها وتحول دون انقراضها فضلا عن انها تساهم في تنشيط الحركة الاقتصادية والسياحية في المدينة".
أما بالنسبة لصناعة المراكب الخشبية والتي غالبا ما تستعمل للصيد، أكد الحمرا ان هذه الصناعة "تراجعت بشكل كبير بسبب الاقبال الضعيف عليها، والسبب الاساسي يعود الى ارتفاع أثمان المواد الخام وعدم قدرة الصيادين على توفير المبالغ المطلوبة لشراء مركب مصنوع في ميناء طرابلس"، مشيرا الى ان المركب الذي يبلغ طوله 10 امتار تستغرق صناعته نحو ستة اشهر ويباع بسعر 15000 دولار عدا المحرك، هذا المبلغ يعتبر كبيرا على الصيادين الذين يعانون من ضائقة اقتصادية خانقة، ومنذ مدة لم يتم بيع ما يكفي من الزوارق الخشبية الصنع. من هنا نجد التراجع في مجال هذه المهنة التي يشتغل أربابها في الصيانة أكثر مما يعملون في تشييد مراكب جديدة".
تنظيم المعارض
يحيى جابر صياد وصاحب مركب خشبي، دعا وزير السياحة والمسؤولين عن المدينة والقيمين على بلدية الميناء والجمعيات السياحية الى العمل معا بشكل جدي لتنظيم معارض سنوية للمراكب الشراعية والخشبية في جزر الميناء المميزة، لان هذا الامر من شأنه اعادة احياء الدور التاريخي للمدينة في هذه الصناعة والحؤول دون انقراض هذه الحرفة العتيقة، مؤكدا ان هذه المعارض تساهم في تحريك العجلة السياحية في المدينة التي هي بأمس الحاجة الى هكذا مشروع. وقال: "أتمنى ان تأخذ هذه الدعوة بعين الاعتبار من قبل المعنيين ولا سيما أن اسس هذا المشروع متوفرة وهي جزر الميناء الخلابة، وهذا الامر يميزنا عن معظم الدول التي تقيم هكذا معارض".