تحقيق ماغي عيسى
مناجم الملح في انفه، أو ملاحات "الكريستال الابيض" كما يحلو للمنتجين تسميتها، مهددة بالزوال. هذا ما يؤكده أصحابها.
يعود تاريخ إنتاج الملاحات في الشمال الى عهد الاتراك، أما في عهد الانتداب الفرنسي فكان يمنع استخراج الملح، لكن في الاربعينات تطور الانتاج وأنشئت المصانع الخاصة لتكريره.
مساحة الملاحات في بلدة انفه التي كانت تبلغ في اوائل السبعينات نحو مليوني متر مكعب، انخفضت اليوم الى أقل من مليون متر مكعب بسبب هجمة المنتجعات السياحية التي تنشأ على طول الشاطئ الشمالي، وخصوصا في مناطق الملاحات الصخرية، الى جانب الكلفة المرتفعة لصيانتها وتزفيت شقوقها وارتفاع أجور الايدي العاملة، كما أن الملاحات المجاورة لشركات الترابة تعاني رداءة انتاجها بسبب تلوثها بدخان الشركات.
يبدأ موسم العمل بالملاحات مطلع نيسان، فتملأ بمياه البحر بعد إصلاح الشقوق فيها وتزفيتها، وبعد خمسة عشر يوما يجمع الملح المترسب في قعر البركة في أكياس، لينقل الى المستودعات، وتعتبر "زهرة الملح" التي تطفو على سطح المياه بين شهري آب وأواسط أيلول مع هبوب الهواء الشرقي، الأجود والأغلى سعرا، فتستعمل على الموائد من دون أي تكرير، وقد سميت بذلك لأنها تظهر بأشكال تشبه الزهرة.
ويؤكد المنتج فايز نعمة أن الملح اللبناني يتميز بجودته، إلا أن غلاء اليد العاملة وارتفاع تكاليف صيانتها وعدم اهتمام الدولة بحماية هذا الانتاج ومزاحمة المنتجات المستوردة له، تضعف رغبة المنتجين في الاهتمام به، كما ان الغبار والدخان المتصاعد من شراكات الترابة المجاورة للملاحات يؤثر على جودة ونوعية الملح المنتج، رغم المراجعات المستمرة لمعالجة هذه المشكلة".
ويقول المنتج ميشال سليمان "أن من أهم أسباب اندثار الملاحات في انفه تعرضها لغزو المشاريع السياحية التي تجتاح طول الشاطئ في تلك البلدة، حيث ان بيع الاراضي يعود بمردود مالي مرتفع ومربح ومن دون تكاليف ومجهود شخصي أو مادي، اضافة الى ان معظم ابناء البلدة يتابعون دراستهم وتحصيلهم الجامعي، فيتوجهون الى اختصاصات ومهن جديدة بعيدا عن عمل آبائهم، أو يهاجرون ويتركون البلدة".
ويستنكر جاك عازار، المسؤول عن "جمعية اصدقاء البحر" في انفه "العجز عن المحافظة على هذا التراث الذي هو من تاريخ البلدة، فجيل الشباب ابتعد عن هذه المهنة وجيل الآباء قل عدد المالكين والعاملين منهم في الملاحات، ودواليب الهواء التقليدية التي كانت تساعد في تكرير المياه زالت هي أيضا".
ويوضح "أن ارتفاع تكاليف الصيانة وكلفة اليد العاملة المحلية هو من الاسباب، اضافة الى الملح المستورد من مصر وسوريا، والذي يستخرج من جبالهم التي يجرفونها ويحضرونها بأقل تكاليف تؤدي الى إغراق الاسواق بمنتجاتهم، رغم أن الملح المحلي خال من اليود الذي يضر بأمراض القلب".
ويشير عازار الى "أن ما تبقى من الملاحات في جوار دير سيدة الناطور ومنطقة الحريشة في طريقها للزوال بسبب الاقاويل والاحاديث المتداولة عن بناء مشروع سياحي وتجاري ضخم سيبنى في تلك المنطقة، ومكان الملاحات التي ما زال بعضها قائما".
وتمنى كريم مغازلي دعم ما تبقى من الملاحات "لأنها من تراث البلدة، وأجدادنا يعون أهمية وجودها، فهي رمز انفه، لكنها اليوم تتعرض للمحاربة من الملح المستورد من الخارج بأرخص الاسعار. وفي المقابل، فإن تكاليف إنتاج الملح والصيانة وتكاليف اليد العاملة وغياب الدعم من الدولة تدفع بالاهالي الى بيعها والاستفادة من المردود المالي لتعليم التلاميذ".
ويؤكد "أن البيع يكون لمصلحة مشاريع البناء، وهذا ما يسبب الهجوم العمراني على حساب زوال الملاحات". ويوضح "ان جيل الشباب اصبح بعيدا كليا عن هذه المهنة بسبب متابعته للدراسة والاختصاص العلمي ولهجرة معظمهم للدراسة او للعمل، بسب افتقار هذه المهنة الى المردود المالي الذي يجعلهم يعيشون بكرامة".
ويطالب مغازلي بالحفاظ على الملاحات "كتراث خاص بالبلدة والاستفادة من ذلك كرمز وشعار لها على الاقل".