تحقيق نظيرة فرنسيس
من أكثر العناوين تداولا في لبنان، الحقوق والمطالب. ومن أكثر الملفات دقة، حقوق ذوي الحاجات الخاصة. من يتولاها؟ وما هو دور الجمعيات والمؤسسات والمشاريع الإنسانية في هذا الاطار؟ لعل أكثر ما تحتاج اليه الجمعيات الاهلية والمدارس التي تعنى بذوي الحاجات الخاصة هو الثقة والعمل بروح المسؤولية لمساعدة المحتاجين والمرضى، وكل بحسب إمكاناته وطاقاته ومواهبه. فالحاجات كبيرة وملحة، والباب مفتوح أمام أصحاب الارادات الطيبة والقلوب المحبة.
في قضاء بعبدا، وعلى تلة جميلة مطلة على البحر، تقع المدرسة اللبنانية للضرير والاصم التي أسست عام 1957، وتعد من أفضل المؤسسات التي تعنى بشؤون المكفوفين والصم في المنطقة كلها، واقتصر عدد تلاميذها على 20 في مطلع الستيات وأصبحت اليوم تستوعب نحو 150 في أقسامها الداخلية.
وتؤكد مديرة المدرسة وداد بارودي لحود أن خبرتها الطويلة مع التلاميذ المكفوفين في المدرسة أثبتت "أن القلب يبصر ما لا تبصره العين، وان الغاية من انشاء المدرسة هي خدمة كل كفيف أو أصم أو كفيف أصم، من خلال تثقيفهم وتربيتهم تربية صالحة ليتكيفوا مع الآخر ويتوصلوا الى تحقيق استقلالية ذاتية والانخراط في المجتمع أعضاء فاعلين منتجين".
وتذكر بأن اللبنانية الاولى الراحلة زلفا كميل شمعون "كان لها الفضل في انشاء اول مدرسة للصم في لبنان عام 1956، وبناء على طلبها بدأ العمل مع خمسة أولاد صم بإدارتي وبالتعاون مع مدير معهد الموسيقى الاستاذ سامي صليبي الذي قدم غرفة في مدرسته لهذا الغرض، ولم يوفر جهدا لانجاح هذه المبادرة. وبعدما وصل عدد التلاميذ الى 17، قدم السيد ميشال ضومط مبنى جديدا الى أن انتهى العمل بالمدرسة الحالية في بعبدا".
وتوضح أن جمعية الضرير والأصم باشرت عملها "بمساعدة الحكومة اللبنانية آنذاك التي قدمت الارض الفسيحة في الوروار في ضواحي بعبدا على بعد بضع دقائق من بيروت بمساعدة المغتربين اللبنانيين في المهجر ونخبة من الاصدقاء والاحباء، وتولى رئاسة الجمعية لدى تأسيسها الدكتور فيليب توما، وبقي في هذا المنصب حتى وفاته عام 1983. وتعاقب بعده على رئاستها الدكتور اسكندر حتي من 1983 الى وفاته عام 1985، والدكتور جوزف أشقر من 1985 الى 1989، والسيد غابي توما عام 1989، ثم بيدرو غنام وحاليا السيدة لور ضومط. وتهتم الجمعية برعاية شؤون المدرسة وبتوسيع الخدمات لاستيعاب أكبر عدد ممكن من المكفوفين والمحتاجين. وتسعى دائما الى تأمين التمويل اللازم لسير العمل واستمراره وتطوره، بحيث يتلاءم مع متطلبات العصر الحديث".
وتضيف: "يطابق برنامج المدرسة التعليمي من مرحلة الحضانة الى المرحلة الثانوية، مع مناهج المدارس العادية، مع إضافة بعض المواضيع الخاصة لمساعدة الطلاب في التكيف مع واقعهم. ومن هذه المواضيع تمرين الحواس على قراءة الحرف البارز وكتابته، الكومبيوتر، والتدريب على الحركة والتنقل. وتدير المدرسة برنامجا لدمج الطلاب المكفوفين كليا وجزئيا في المدارس العادية الرسمية والخاصة لمشاركة المبصرين في كل مراحل التعليم، كما أن التلامذة يتقدمون الى الامتحانات الرسمية ويحققون نتائج باهرة".
وتعتبر لحود "أن مادة الموسيقى بالغة الاهمية في برنامج المدرسة، وتقود الكفيف الى عالم الجمال والمتعة، وقد تشكل له على مدى حياته مصدرا للفائدة الروحية والمعنوية والمادية، وتتيح المدرسة لجميع تلامذتها فرص التعلم وممارسة العزف على كل الآلات، والمشاركة في جوقتها وفرقتها الموسيقية في المناسبات داخل المدرسة وخارجها، وخصوصا عندما يزور تلامذتنا مأوى للعجزة أو سجونا اعتدنا زيارتها سنويا في المناسبات، فيزرعون الفرح والسلام في قلب سجين أو مسن فارقت البسمة وجهه أو فقد الامل في الحياة. فالمكفوف يصبح مقتنعا وواثقا بواجبه حيال فئات المجتمع التي تحتاج هي ايضا الى من يسأل عنها ويحضنها ويعطيها مثلما نال هو. وقد حاز التلامذة المكفوفون على الميدالية الذهبية بين الجوقات الموسيقية لهذا العام".
وتتحدث عن برنامج "صف الزهور" الذي أضافته إدارة المدرسة، "وهو تعليمي تأهيلي يعنى بالتلامذة الذين يعانون صعوبات حركية أو ذهنية أو فكرية، إضافة الى الاعاقة البصرية، ويرتكز على وضع مناهج خاصة لتنمية القدرات الفردية للتلميذ المعوق من الناحية الاكاديمية والسلوكية والمهارات الحياتية اليومية".
أما برنامج "كفيف أصم" لتعليم التلميذ الكفيف الأصم، فهو وفق لحود "الأحدث في المدرسة اللبنانية للضرير والاصم، ويتضمن برنامجا فرديا لكل شخص في هذه الحالة وفق إمكاناته وحاجاته والغاية الرئيسية منه، للتوصل الى تحقيق الاستقلالية والاعتماد على الذات والانخراط في العمل والمجتمع. أما الخدمات التي يؤديها البرنامج فهي تطوير اللغة والتواصل، وتطوير الذهن بالالعاب التثقيفية والخدمة الذاتية، فضلا عن التدريب على النطق والاشارة الملموسة والتدريب على النفس الحركي".
فكرة خاطئة
وعرضت لحود أربعة مستويات للعمل الاجتماعي الذي يتضمن خدمة متخصصة: الفردي، العائلي، الجماعي، والمجتمعي، "وذلك بغية تنمية مشروع حياة الفرد في عائلته ومحيطه التربوي والاجتماعي".
وعن الغاية من متابعة الشخص المعوق وعائلته تقول: "باكتشاف الوضع العائلي نحدد خطة عمل ومتابعة صحية واجتماعية مع تقويم مستمر لها. من هنا جاء برنامج التدخل المبكر لتزويد الاهل المفاهيم والاساليب التي تدعم حاجات الطفل المعوق ومهاراته وتطورها، وتوجه العائلة الى الموارد المتوافرة التي يمكنها الافادة منها.
وتستقطب المدرسة أعدادا كبيرة من المتطوعين ولا سيما من النساء، وهن من مختلف الاختصاصات، ويقدم هؤلاء المتطوعون دعما فعالا للعمل من خلال خبراتهم، كل بحسب اختصاصه وإمكاناته".
ورغم الجهود التي تبذلها المدرسة حيال تلامذتها الذين تابعوا ويتابعون تحصيلهم العلمي في كل الجامعات وفي اختصاصات عدة، لا تخفي لحود "أن ثمة مشكلة تكمن في عدم تمكن المكفوف من العثور على وظيفة سريعا رغم كفاءاته وشهادته الجامعية، لأن نظرة المجتمع الى المكفوف خاطئة، بدليل أن كثيرين لا يعرفون أنه يستطيع العمل في الطب الفيزيائي مثلا، وفي مجال الكومبيوتر بمساعدة برامج خاصة، وفي مجال الصحافة المكتوبة والترجمة".
وإذ ترفض "الفكرة الخاطئة أن الكفيف لا يعمل إلا في مجال توزيع المخابرات الهاتفية"، تقول: "لا يقلق بعد اليوم من يعيش الظلمة في بصره، فالنيات الصادقة موجودة وهي كفيلة بجعل تلك الشعلة الخافتة داخل الكفيف والاصم نورا يضيء به مستقبله الواعد"، آملة "أن تفتح مجالات العمل أمام الكفيف مثل أي إنسان آخر، لأنه يتمتع بقدرة عجيبة على الابتكار والابداع".
جمعية ومدارس "أفانس"
وفي منطقة بعبدا أيضا جمعية ومدرسة "أفانس" التي تعنى بالاطفال المصابين بداء الصرع وذوي الحاجات الخاصة، وهي مدرسة مرخصة منذ عام 1997.
مؤسسة الجمعية ومديرتها السيدة أرليت حنين نعيم تروي معاناتها مع ابنتها التي كانت مصابة بداء الصرع، وتؤكد أن فكرة تأسيسها للمدرسة انطلقت من معاناتها الشخصية، وان رعايتها للاطفال المصابين في المدرسة تنطلق من وعي كامل وتصميم قوي على إخضاع التلامذة ذوي الحاجات الخاصة لتربية مسؤولة وجيدة تخولهم مواجهة الحياة في ما بعد".
وتقول "إن العديد من تلامذة "أفانس" لا مكان لهم في المدارس الاكاديمية العادية، وهذا ما دعانا الى إيجاد حلقات وأماكن خاصة لاحتضان حالات مماثلة، ونحن نتعاون في هذا الشأن مع الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية، ولا سيما لجهة إيجاد شراكة مع أشخاص متخصصين يتمتعون بخبرة عالية من أجل متابعة أمور التلامذة، مشيرة الى "أن الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية تدعم مؤسسات كهذه وستعمل على توفيرها في كل المناطق، وهي تشجع المبادرة الفردية وتدخل معها في شراكة ليعود النفع على الجميع".
وتشير الى "أن التلاميذ يخضعون، إضافة الى التعليم الاكاديمي العادي، لدورات تدريبية تشمل التصوير الفوتوغرافي ونشاطات فنية غنائية ومسرحية وتمارين رياضية مختلفة".
وتؤكد نعيم "أن مرض الصرع يصيب الطفل والبالغ في آن واحد، وينجم عن صدور شحنات كهربائية زائدة في منطقة معينة من الدماغ، ومن أسبابه تعرض المولود ساعة الولادة لنقص في الاوكسيجين، فعندما تتأخر صرخة المولد لحظة ولادته، هذا يعني عدم مرور الاوكسيجين الى الدفاع بالسرعة المطلوبة، اضافة الى أسباب أخرى منها الامراض التي تؤثر على الدماغ مثل التهاب السحايا أو التعرض لمواد سامة كالمخدرات أو الكحول، أو بسبب ورم في المخ".
وتلفت الى "أن مريض الصرع يعيش حياته بشكل عادي، ولا يتأثر ذكاؤه، ويتمتع بقوة عقلية ونفسية كبيرة، لكن سلوكياته تصبح أكثر حدة لحظة تعرضه للنوبة. ومن الأعراض المعروفة ارتفاع حاد في درجات الحرارة وانخفاض السكر في الدم".
وعن أنواع الصرع وطريقة العلاج تقول نعيم "إن الصرع الأكثر شيوعا هو فقدان الوعي لدى المصاب لدقائق، وأحيانا لوقت طويل، ويتصرف المريض بطريقة لا واعية لا تربطه بالواقع. أما طريقة العلاج فتختصر بالأدوية الكيميائية، على أن الصرع يلازم المريض طيلة حياته، وتراه معرضا للنوبة في أي وقت، ومعرضا للخطر هو ومن حوله".
وتختم: "تحتضن المدرسة 183 تلميذا و36 موظفا، إضافة الى طبيب مختص وممرضة، وآمل أن تتوسع أكثر وتتبدل النظرة الى مريض الصرع، وخصوصا أنه إنسان عادي".