الخميس 31 تشرين الأول 2024

02:13 pm

الزوار:
متصل:

التكية المولوية استعادت رونقها وأضفت على كنوز الفيحاء تألقا وسحرا

 

عادت التكية المولوية في طرابلس إلى مكانتها السابقة، وأصبح حلم الطرابلسيين حقيقة، بعد نحو عامين من إطلاق ورشة الترميم والتأهيل والصيانة وإعادة الاعمار. التكية عادت مع القرميد الأحمر وشرفاتها التي تطل على نهر أبو علي والقلعة، ويمكنها استقبال الزائرين بعد أن يفتتحها رسميا أحد المسؤولين الأتراك في الصيف المقبل، ويجري الحديث عن حضور الرئيس التركي عبد الله غول شخصيا لافتتاحها، وكان تم تحديد موعد زيارة غول لطرابلس مطلع هذه السنة إلا أن تأخير العمال والإنشاءات حال دون ذلك، وفي حال تعذر على غول الحضور فسيحضر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يتوقع حضوره إلى تكية طرابلس خلال زيارته لبنان في تشرين الثاني العام الماضي. 
 
والتكية في طرابلس هي أعظم وأكبر التكايا المولوية السبع الموجودة حاليا في بعض الدول العربية والأوروبية والتي تجسد الفن المعماري العثماني التركي، والموزعة على القاهرة والقدس ودمشق وحلب وقبرص والبوسنة. 
 
بعد فيضان نهر أبو علي عام 1955، تعرضت للتشويه والدمار، إلا أن الخراب المخيف لحق بها خلال الثمانينات، إذ دمرت قاعاتها وفجرت قذائف الحرب الأهلية قبتها، وهجرها آل المولوي قسرا ليحتلها المهجرون وتجار الآثار الذين عاثوا فيها تدميرا وتشويها، إلى أن بلغت حالا يرثى لها، ولم تدرج مديرية الآثار في وزارة الثقافة هذا المعلم الأثري في لائحة الجرد العام للمباني الأثرية في طرابلس إلا بعدما تقدم الدكتور عمر تدمري بكتاب عام 1990 يطلب فيه إدراج نحو 133 معلما أثريا إضافيا في طرابلس لحمايتها من الاندثار والزوال، حيث كان عدد المعالم الأثرية 30 معلما فقط لغاية عام 1970، وأضحى بموجب هذا الكتاب 163 معلما داخل طرابلس القديمة، وهذا العدد لا يشمل معالم منطقة التل والميناء. وقد تم ذلك في عهد وزير الثقافة السابق ميشال إده. 
 
ومن خلال ترؤسه لجنة التراث والآثار في بلدية طرابلس، سعى المهندس خالد تدمري (نجل الدكتور عمر تدمري) عبر صداقاته مع المسؤولين الأتراك إلى بذل الجهود لحضهم على ترميم أحد أبرز آثارهم في المدينة. وقد نجحت مساعيه بعدما رصدت الدولة التركية ما يزيد على نصف مليون دولار لهذه الغاية. وقد تم تنظيم بروتوكول الترميم بين بلدية طرابلس ومؤسسة تيكا التابعة لرئاسة مجلس الوزراء التركية وآل المولوي وإحالته على دائرة التعاون والتنمية، علما أن تيكا هي التي كلفت تدمري إعداد الدراسات والخرائط اللازمة للترميم وآليات تنفيذ المشروع، ثم أضافت اقتراحات جديدة تقضي بتنظيم محيط التكية وتحويله حدائق منسقة وشلالات على امتداد التلة الواقعة بين التكية والقلعة مما سيجعلها موقعا سياحيا مميزا. وحظيت التكية المولوية بإعجاب الرحالة الذين زاروها عربا وأجانب. ويعتبر ابن محاسن الدمشقي أول من زارها، وأرخ لبنائها سنة 1048 للهجرة الموافق 1639 للميلاد. وزارها الشيخ عبد الغني النابلسي أواخر القرن السابع عشر، وشبهها بالجنة. وفي الثلث الأول من القرن التاسع عشر زارها البريطاني جون كارن ووصفها بالسحر. وفي صيف 1919 قصدها المستشرق الهولندي فدي يونغ ليفيد منها في أبحاث.
 
 
 
ويقول المؤرخ الدكتور عمر تدمري: شكلت التكية صرحا دينيا وتعليميا وخيريا في آن واحد، واحتلت مكانة بارزة في تاريخ المدينة على امتداد نحو 400 سنة، بعدما بناها مندوب السلطنة العثمانية في طرابلس صامصونجي علي سنة 1619. ولقد اعتمدت التكية مركزا لأتباع الطريقة المولوية التي أسسها جلال الدين الرومي قبل 800 سنة في مدينة قونية التركية، وانتشرت في طرابلس كبقية الطرق الصوفية: القادرية والجيلانية والنقشبندية والخلوتية وغيرها. وتحرص الطريقة المولوية على رياضة النفس وصقلها، وتطهير القلب، وتهذيب الأخلاق وتربية الوجدان، وصولا إلى التكامل الإنساني والروحي، ومعرفة الله، والدعوة الصادقة إلى التفاني في عبادته ومراقبة الخواطر والتحلي بالفضائل.
 
 
 
ويؤكد تدمري أن المولوية أنتجت في طرابلس ثروة غنية في علوم الدين من فقه وتوحيد، وفي الأدب من نثر وشعر، وكذلك في الفلسفة، وتركت تراثا كبيرا من الأدعية والوصايا، وقام بإتباع هذه الطريقة لإقامة حلقات ذكر تعرف بـالفتلة أي الدوران بلباس طويل فضفاض يترأسها شيخ التكية التي انحصر أقطابها في آل المولوي نسبة إلى جلال الدين الرومي. واستمرت في أداء رسالتها حتى 1963 حيث توفي أنور المولوي (والد الأمين العام السابق للجماعة الإسلامية فيصل المولوي)، فأغلق الجامع والمنزول. ونظرا إلى هذا الدور المهم الذي كانت تؤديه التكية على المستويات الدينية والخيرية والاجتماعية وقف لها والي طرابلس يوسف باشا سيفا خان العسكر بكامل عائداته للانفاق على شيوخ المولوية والمريدين والأتباع والفقراء والدراويش الذين يمرون بالفيحاء ولا يجدون مأوى أو معيلا، فيستقبلهم فيها موفرا لهم المسكن والمأكل والملبس. 
 
تتألف التكية من ثلاث طبقات هي عبارة عن مجمع متكامل يضم قاعة للتعليم والتدريب، ومسجدا، وقاعة للاجتماعات، وأخرى مخصصة للحلقات المولوية الفتلة ومساكن للدراويش ومطبخا ومطعما للزوار والفقراء وحوض ماء للوضوء، وشرفا عدة تطل على نهر أبو علي وقلعة طرابلس.
 
 
 
ويقول الدكتور خالد تدمري: تم توقيع بروتوكول بين البلدية وآل المولوي تنازل فيه آل المولوي عن إدارة المبنى بعد ترميمه على عاتق البلدية. وهناك نية في تحويل جزء من هذا المبنى إلى مركز ثقافي تركي، بالإضافة إلى توقيع بروتوكول بين تيكا (وكالة التنمية والتعاون التركية، وهي تابعة لرئاسة الوزارة التركية) وبلدية طرابلس وآل المولوي تتعهد فيه البلدية بإخلاء مبنى التكية من القاطنين فيه، وتنظيف وتنظيم محيط التكية، وإزالة سوق الأحد ونقله من المنطقة نهائيا. وقد جرى إخلاء مبنى التكية من سكانها وهم بحدود 24 عائلة، وتم تأمين مساكن لهم في مشروع مهجري القبة. أما الخطوة الثانية، فتمثلت بنقل سوق الأحد إلى محطة التسفير الشمالية الواقعة على رأس نهر أبو علي. وتم إدخال مشروع تنظيم محيط القلعة والتكية المولوية ضمن خطة مشروع إحياء الإرث الثقافي، بحيث يصبح لدينا مسرح مكشوف يطل على التكية والنهر وعلى القلعة، فتتحول المنطقة الخضراء المحيطة بالقلعة والتكية إلى متنزهات مشجرة مع مطاعم ومقاه وكافيتريات على ضفاف النهر، ويحول النهر في هذا الجزء إلى شلالات مائية. لقد اطلعنا على المشروع الأولي من الفريق العامل في مجلس الإنماء والإعمار ضمن مشروع الإرث الثقافي ووضعنا ملاحظاتنا. نأمل في نهاية العام 2011 أن نرى بوادر تحسين في هذه المنطقة. 
 
ويستذكر تدمري الجهود الحثيثة التي بذلها لإتمام هذا المشروع، فيقول: قمنا أثناء متابعتنا لدراسة الدكتوراه في اسطنبول عام 2000 بإطلاق حملة إعلامية واسعة في الصحف والتلفزيونات التركية تدعو إلى إنقاذ التكية المولوية، تكللت بالنجاح بعد متابعة شخصية مع مختلف الأوساط المعنية هناك، وأثمرت حصول ملف مشروع الترميم الذي اعددناه على موافقة وزارة الثقافة التركية وبعد انتهاء العدوان في تموز 2006، سافرنا مجددا إلى تركيا التي، ولحسن حظنا، أعلنت بالتعاون مع منظمة الاونيسكو أن عام 2007 سيكون للاحتفال بمرور 800 سنة على ولادة مؤسس الطريقة المولوية جلال الدين الرومي، فساهم هذا الحدث في دعم موضوع التكية المولوية في طرابلس وأحيائها لدى الأوساط الرسمية التركية مجددا، وإدراجها في لائحة المشاريع التي تنوي الدولة التركية أقامتها في هذه المناسبة، ورصد ما يزيد على نصف مليون دولار لهذه الغاية، وتقرر أيضا، إضافة إلى ترميم التكية تحويل عدد من قاعاتها متاحف ومعارض دائمة تعرف بالطرق الصوفية وبتاريخ التكية وآل المولوي، كما تقرر تجهيز مكتبة التكية وتزويدها الكتب، وإرسال فرقة المولوية التركية إلى طرابلس لإحياء حفل ديني عند الافتتاح.
 
 
 
 قد تم تنظيم بروتوكول الترميم بين بلدية طرابلس وتيكا وآل المولوي، وإحالته على دائرة التعاون والتنمية التي تبنته عام 2004، علما أن تيكا كلفتنا إعداد الدراسات والخرائط اللازمة للترميم وآليات تنفيذ المشروع. ثم أضافت مقترحات جديدة تقضي بتنظيم محيط التكية وتحويله حدائق منسقة وشلالات دافقة على امتداد التلة الواقعة بين التكية والقلعة بما يضفي على الموقع رونقا خاصا، وقد بدأت مرحلتان جديدتان تقضيان بتحويل جزء من التكية متحفا تعرض فيه آثار مولوية يفترض أن تعمل الكترونيا، إضافة إلى مكتبة تخصص للكتب التي تشرح الطريقة المولوية، والآثار المتعلقة بتلك الحقبة، وفي المرحلة المقبلة، يفترض العمل على تنظيف محيط التكية وتركيب الإضاءة والشلالات، وستحضر قريبا إلى طرابلس مندوبة تيكا لتوقيع عقد حول هذه الإضافات المقترحة معها، ونأمل انتهاء الأشغال مطلع الصيف المقبل لافتتاحها رسميا أمام اللبنانيين والسياح العرب والأجانب. 
 
التكية المولوية اليوم في أبهى حلتها، وبات الطرابلسيون ينتظرون افتتاحها بفارغ الصبر، لكونها المشروع التنموي الوحيد الذي تشهده عاصمة الشمال ويصل العمل فيه الى خواتيمه، ولم تستطع السياسة اللبنانية على مستوى الآداء الحكومي والتجاذبات داخل المدينة التأثير فيه أو اعاقة العمل الذي انطلق قبل نحو سنتين. 
هذا المعلم التراثي أضحى أمانة بأيدي كل الغيورين الطرابلسيين واللبنانيين والأشقاء الأتراك، وعلى الجميع تقع مسؤولية المحافظة عليه وادارته بما يتوافق مع الغاية المرجوة من إنشائه قبل نحو 400 عام، ويأمل أبناء الفيحاء في أن تسهم التكية المولوية في تنشيط السياحة الطرابلسية واللبنانية وتحريك العجلة الاقتصادية الراكدة في المدينة. 
 
أصل التسمية 
 
التكية هي الكلمة التركية المسايرة للخانقاه وللزاوية. وكلمة تكية نفسها غامضة الأصل وفيها اجتهادات. فبعضهم يرجعها إلى الفعل العربي اتكأ بمعنى استند أو اعتمد، وخصوصا أن معاني كلمة تكية بالتركية تعني الاتكاء أو الاستناد إلى شيء للراحة والاسترخاء. ومن هنا تكون التكية بمعنى مكان الراحة والاعتكاف. ويعتقد المستشرق الفرنسي كليمان هوار أن الكلمة أتت من تكية الفارسية بمعنى جلد، ويعيد إلى الأذهان، أن شيوخ الزوايا الصوفية كانوا يجعلون جلد الخاروف أو غيره من الحيوانات شعارا لهم. ومن الأسماء التي أطلقت عليها: خان الملولية (مولويخانة بالتركي) وزوايا المولوية والسمخانة أي قاعة السمع. 
 
 
 
 
 
هندسة التكية المعمارية
 
 
 
 
 
وكان معظم التكايا مبنى يتألف من الأقسام التالية: قاعة داخلية واسعة، السمخانة وهي قاعة تستخدم للذكر والصلاة والرقص الصوفي الدائري، غرف للمريدين وهي الغرق الذي ينام فيها الدراويش، غرفة استقبال لاستقبال العامة، قسم الحريم وهو مخصص لعائلات الدراويش، وقاعة طعام جماعية ومطبخ.

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب