تحقيق: ديالا حنا
8 تشرين الثاني 2010: انطلاق التدابير الجديدة لتحديد سرعة القيادة على الطرق اللبنانية بعد زيادة دراماتيكية في حوادث السير المميتة. بدءا من هذا التاريخ، على السائقين التنبه لاشارة تحديد السرعة على الطرق، وفي الوقت نفسه، التنبه للعداد واحترام السرعة وتفادي الرادار.
استقبل اللبنانيون هذه التدابير بارتياح بعد انتظار طويل لقانون السير المرتقب، رغم ان بعض محبي السرعة لم يرقهم الأمر، والبعض الآخر اعتبرها خدعة جديدة لدر الاموال على خزينة الدولة.
وبعد العدد الهائل من محاضر السرعة التي بلغت اكثر من 46 الفا حتى 15 كانون الاول 2010 وتراجع حوادث السير، اصبح المواطنون على يقين أن الامر جدي، رغم تصريح وزير الداخلية زياد بارود لجريدة "الاخبار" في 26 تشرين الثاني بأن الرادارات الثابتة لم يبدأ العمل بها بعد.
أثار تصريح الوزير بارود، اضافة الى الاخطاء المرتكبة في وضع لوحات السرعةوالتي اصبحت واضحة للعيان، التساؤلات عن صدقية هذه التدابير. فعلى اوتوستراد جونية مثلا وضعت لوحة تحدد السرعة بـ40 كيلومترا، وعند المنعطف الاول وضعت لوحة تحددها بـ70. فيما تشير احدى اللوحات على طريق الناعمة الى سرعة 100 كيلومتر، تليها مباشرة إشارة الى 30 كيلومترا، ومن ثم 80. وهنا، من المستحيل ان يطبق السائق هذه التعليمات من دون ان يتعرض لحادث سير، وفقا لقواعد الفيزياء. ولا ننسى اللوحات المغطاة بالشجر في مناطق كثيرة مثل طريق جزين - البقاع وطريق الصياد - المديرج حيث السرعة القصوى هي 80 كيلومترا.
الايوبي
رئيس مفرزة السير العقيد محمد الايوبي، أكد وجود أخطاء في تمركز اللوحات وتحديد السرعة، وقال: "هذه الامور هي من مسؤولية وزارة الاشغال والبلديات والسلطات المحلية، وتحديد السرعة القصوى يتم بعد دراسة مفصلة للبنى التحتية للطرق وأوقات الازدحام وعدد المفترقات".
وأوضح العقيد الايوبي "أن وزارة الاشغال هي التي تحدد في البدء نوع الطريق (اوتوستراد، طريق دولي، طريق داخلي) كما السرعة على الاوتوستراد، فيما تحدد السلطات المحلية (المحافظ، المجلس البلدي، القائمقام) السرعة على الطرق الداخلية والفرعية".
وأشار الى أن القاعدة العامة تحدد السرعة القصوى على الاوتوستراد ب100 كيلومتر، أما على الطرق الداخلية فهي 50 كيلومترا في حال غياب اللوحات، وان نسبة السماح بالخطأ لا تتجاوز 10 في المئة.
وبالعودة الى الاخطاء، أكد العقيد الايوبي وجود نقص في اللوحات، "مما يسبب حالة من الضياع عند السائقين، خصوصا عند مداخل البلدات والمفترقات، اضافة الى تركيز لوحات في المكان الخاطئ او تحديد السرعة بشكل غير صحيح". وأعطى مثالا على ذلك، لوحات على الاوتوستراد بسرعة 80 كيلومترا تليها مباشرة لوحة ب40 كيلومترا، مما يدل على وجود مفترق يؤدي الى طريق داخلي، لافتا الى "ضرورة اختلاف اللون بين هاتين اللوحتين للتمييز بين السرعة على الاوتوستراد وعلى الطريق الداخلية، وان اللوحة يجب ان تكون داخل هذا الطريق وليس عند المفترق".
وأعلن عن اجتماعات عقدت بين ممثلين لوزارة الاشغال والبلديات لاعادة درس هذا الموضوع وتصحيح الأخطاء، مؤكدا "أن لا محاضر للمخالفين عند وجود أخطاء كهذه". وقال: "نحن لا ننتظر المواطنين على "الكوع"، وليس من رادارات على الطرق التي تشهد عادة ازدحاما، وهي في غالبيتها رادارات متحركة داخل سيارات للشرطة أو سيارات مدنية، وموجودة خصوصا عند الطرق الخطرة التي تشهد حوادث متكررة".
وأكد "أن هدفنا ليس جمع المخالفات لملء الخزينة، انما تخفيف حوادث السير والضحايا، وان المواطنين يتجاوبون خوفا من المحاضر، ومع الوقت سيعتادون التزام السرعة المحددة". وأشار الى أن 5800 محضر حررت في 8 تشرين الثاني، وقد انخفض هذا الرقم بعد عشرة أيام الى 1600 محضر".
وعن شعور البعض بالانزعاج من تحديد السرعة القصوى على الاوتستراد ب100 كيلومتر فقط، قال: "ليس لدينا في لبنان اوتوسترادات بكل معنى الكلمة، فهي ليست مغلقة، وعلى جانبيها ابنية ومساكن، وتتخللها مفترقات، ولا حل لهذا الامر. لذا على الجميع ان يتفهموا هذا الامر ويعلموا ان السرعة لا يمكن ان تكون اكثر من ذلك".
ما من أحد فوق القانون
ولفت الايوبي الى "ان الرادارات كانت تعمل فعليا قبل 8 تشرين الثاني، مع فارق واحد انها كانت تتبع بحواجز ثابتة لعناصر قوى الامن، فيتم توقيف السائقين الذين تخطوا السرعة المسموحة وتسحب رخصهم الى حين دفع الجزية. الا ان هذه الرادارات لم تكن فعالة بنسبة كبيرة، فقد كان السائقون في كثير من الاحيان يرون ازدحام السير الذي يسببه الرادار ويعمدون الى تخفيف السرعة عند الاقتراب منه، اضافة الى الوسائل الاخرى التي تم ابتكارها للتهرب من دفع الجزية".
وأكد "ان الرادارات الجديدة متطورة، وبحسب توجيهات الوزير بارود فان كل السيارات المدنية والسياسية والعسكرية التي تتجاوز السرعة المسموح بها، تلتقط لها الصور"، مضيفا "ان الصورة الملتقطة ومحضر المخالفة يرسلان الى مالكي السيارات، والى وزارة الخارجية وقوى الامن الداخلي اذا كانت السيارة المخالفة ملكا للهيئات الديبلوماسية والعسكرية والسياسية". وقال: "من الآن فصاعدا، ما من أحد فوق القانون، ومن المستحيل التلاعب بالنظام، والانذارات الخطية سوف يتم ارسالها في مراحل اخرى عبر البريد".
وأعلن "ان كل الوسائل المبتكرة للتهرب من الرادار غير مفيدة، مثل طلاء لوحة السيارة بطلاء الاظافر او بمثبت الشعر وغيرها"، وقال: "راداراتنا متطورة جدا، الى درجة انها تلتقط السيارات المسرعة خلال الليل وعلى الطرق المظلمة".
ولفت الى بعض الاجهزة التي يمكن ان تعلم السائقين عن أماكن وجود الرادارات من خلال الاشارات التي ترسلها، "لكننا رغم ذلك نستطيع ان نقول بان الامر ايجابي، لان السائقين يصبحون حذرين على الاقل". وأعلن "أن الجزية المرتفعة من جراء استعمال هذه التقنية لم يتم العمل بها بعد".
وأكد "أن عمل هذه الاجهزة لن يدوم طويلا، لأن مشروع الوزير بارود يقضي بزيادة عدد الرادارات، بين 5 و10 كيلومترات، خصوصا على الاوتوسترادات، لذا فإن القيادة بترو هي عملية أكثر"، معلنا "أن الجزية المرتقبة لزيادة السرعة ستتزايد عندما يرى قانون السير الجديد النور".
وعما إذا كانت الاجراءات الجديدة تكفي لتخفيف حوادث السير، وخصوصا أن العوامل التي تسبب الحوادث في لبنان كثيرة، كالطرق المظلمة، والاشغال، والنقص في اشارات السير، واشارات المرور التي تنطفئ مع انقطاع التيار الكهربائي، رأى الايوبي "أن هذه التدابير ليست كافية، ولكن يجب أن نجد نقطة انطلاق". وقال: "ان السير ليس فقط من مسؤولية قوى الامن الداخلي، انما ايضا من مسؤولية البلديات. ولكي نحقق نتائج ايجابية، فذلك يتطلب تأهيل الطرق، تثقيف المواطنين على احترام قانون السير وتثقيف العناصر المولجة تنظيم السير، كي يتصرفوا بطريقة مسؤولة مع السائقين، اضافة الى ضرورة وضع اشارات السير في مكانها المناسب، وتأمين ممرات للمشاة الذين يشكلون 40% من القتلى على الطرق، واصدار قانون سير جديد مناسب".
وختم: "مع الوقت والالتزام الدائم بهذه القواعد، فإن السائقين سيعتادون التحكم في سرعة سياراتهم واحترام اشارات السير".
"اليازا"
رئيس "اليازا" في لبنان زياد عقل رأى "ان التأخير في اتخاذ الاجراءات الحالية أفضل من عدم اتخاذها ابدا"، مذكرا بأن اليازا "قادت حملات عدة لتوعية السائقين في الاعوام 2001، 2003 و2004، وقد أعطت هذه الحملات نتائج ايجابية ولكن لفترات قصيرة".
عقل لم يعلق على مدى فاعلية اجراءات وزارة الداخلية، معتبرا أنه "يجب أن ننتظر لكي يأخذ هذا المشروع حقه قبل ان نحكم عليه. هناك الكثير للقيام به وهذه ليست سوى البداية".
وقال: "لقد اتخذت هذه التدابير الجديدة بعد سلسلة من حوادث السير القاتلة في البلاد، ونحن نفضل ان ننتظر لنرى اذا كان تطبيقها سيدوم رغم كل الاستحقاقات والازمات التي يشهدها البلد".
وتمنى ان يرافق هذه التدابير "تأهيل الطرق واشارات السير، ووضع حزام الامان، وعدم استعمال الخليوي خلال القيادة واعتمار الخوذة لسائقي الدراجات".
إشارات لا تلتزم معايير "ليبنور"
وبالنسبة الى لوحات اشارات السير، من المفيد أن نعرف أنها لا تحترم معايير "ليبنور" لجهة مدى وضوحها في الليل. وهناك ايضا بعض الاخطاء في وضع هذه الاشارات التي بدأ الناس يلاحظونها، بعدما كانوا يتجاهلونها في الماضي.
وهنا يلح السؤال: هل يضع قانون السير الجديد حدا لحوادث السير، أم أنه يخففها تدريجا؟
وفي الختام، يشدد الايوبي على "ضرورة التأكد عند بيع السيارة من أن المشتري سيسجلها فورا باسمه، لانه في حال المخالفة، فان مالك السيارة هو الذي يلاحق وليس سائقها. كما ان السرعة المسموح بها لسير الشاحنات تختلف عن سرعة السيارات، ولا يحق لهذه الشاحنات السير على المسلك اليساري وتجاوز السرعة المسموح بها".