تحقيق رحاب أبو الحسن
يتفق المعنيون في قطاع الاعلام على الحاجة الماسة الى إصلاح القوانين التي ترعى الاعلام اللبناني على مختلف مستوياته، المكتوب منها والمسموع والمرئي والالكتروني، لمواجهة التحديات الإعلامية المتسارعة، إن لجهة التطور المتسارع لتقنيات الاعلام أو لجهة أنه لم يبق سوى 6 سنوات ليلحق لبنان بالتطور العالمي في ما يتعلق بصناعة الإعلام، عملا باتفاقية جنيف التي وقعها لبنان عام 2006، والتي تشير إلى إلزامية الانتقال من البث التلفزيوني التماثلي (أنالوغ) إلى البث التلفزيوني الرقمي (ديجيتال) في موعد أقصاه شهر حزيران 2015، أو لناحية تطور الاعلام الالكتروني الذي ينتقل بدوره الى مرحلة جديدة تستوجب المواكبة بقوانين وتشريعات تجعل من لبنان منطقة استثمار للاعلام الحر في الشرق الأوسط كما يتمنى كثر من الإعلاميين.
متري: مشروع شامل
وزير الاعلام الدكتور طارق متري، المعني الأول بتطوير قوانين الاعلام، أطلق سلسلة مشاورات مع المعنيين من أهل القطاع لإعداد مشروع قانون شامل وحديث "لأن قوانيننا الحاضرة متفرقة ومفتقرة إلى الانسجام، بل إنها لا تخلو من التناقض في ما بينها، وهي ناقصة، والفراغات التشريعية فيها كثيرة، كتنظيم المهن الإعلامية، والإعلام الإلكتروني، ووكالات الأنباء اللبنانية والأجنبية العاملة في لبنان، والبث المرمز والتقاط المحطات الفضائية بواسطة الكابل. وهي لا توائم بين الأدوار والصلاحيات كما في حالة المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع، الذي يعتبر أقرب إلى الهيئة الاستشارية".
ويشير الى "أن قوانيننا لا تأخذ بقدر كاف من الحسبان المشتركات بين قطاعات الإعلام المختلفة، ولا سيما في المسائل المتعلقة بحرية الإعلام وبالقوانين الخاصة بالرقابة وبتحديد المخالفات والجرائم والعقوبات، وبالرخص وغيرها، ولذلك هناك ضرورة لإعداد مشروع قانون شامل يرعى عمل كل وسائل الاعلام".
يقول متري كلمته وينتظر كلمة أهل القطاع الذين يعتبر بعضهم أن الحاجة اليوم ليست الى تعديل القوانين وإنما في تطبيقها، في حين أن آخرين يعتبرون أن المطلوب آلية واضحة من وزارة الاعلام لورشة تحديث القوانين، بدلا من عمليات النقاش "بالمفرق"، إن في مجلس النواب أو في "مهارات" أو غيرها.
وردة: إعادة نظر كاملة
الزميلة وردة الزامل (صوت لبنان) تختصر المسألة بالدعوة إلى تطبيق قانون تنظيم الإعلام المرئي والمسموع المعمول به منذ العام 1994.
وتقول: "بالنسبة الينا، العبرة في التطبيق، ونتساءل عن معنى وضع قانون جديد لا يوجد من يطبقه"، داعية إلى إبعاد السياسة عن الإعلام والوسائل الإعلامية".
وإذ تشير إلى أن قانون الإعلام المرئي والمسموع للعام 1994 "يحتاج إلى إعادة نظر لأنه لم يطبق كما يجب، سواء لجهة صلاحيات المجلس الوطني للاعلام أو لناحية تطبيق بنوده على وسائل الإعلام"، ترى "أن الحاجة باتت ملحة الى إعادة النظر في كل التركيبة الإعلامية الحالية، لأن الإعلام وسام على صدر لبنان يجب ألا يتعاملوا معه بالطريقة السائدة حاليا".
وتشيد بتحرك متري لناحية التشاور حول قوانين الإعلام، معتبرة "أن المشكلة الأساسية تكمن في تطبيق هذه القوانين، وهذا ما يجب العمل عليه، ونتمنى وضع قانون قابل للتطبيق". وتلفت في هذا الإطار إلى أنها سلمت وزير الإعلام ملفا كاملا عن رؤيتها لحل مشكلة الإعلام في لبنان.
دعيبس لآلية واضحة
ويطالب الزميل طانيوس دعيبس (تلفزيون أم.تي.في) بوضع "آلية واضحة لإعادة النظر بصورة شاملة في قوانين قطاع الإعلام المرئي والمسموع والمكتوب والقوانين الناقصة التي لها علاقة بالبث الالكتروني والانترنت ولا سيما أنها جميعها شهدت تطورات كبيرة في مجالها وتحتاج إلى إعادة نظر شاملة يشترك فيها كل المعنيين من أهل القطاع للبحث في إعادة النظر في القوانين، إنما بعيدا عن ورش العمل المنفردة القائمة في أكثر من مكان واتجاه لأنها لا توصل إلى النتيجة المرجوة".
ولا يمكن في رأيه أن تقوم لجنة الإدارة والعدل النيابية بالعمل منفردة على تعديل بعض قضايا قانون المطبوعات، "فالتعديلات المقترحة متخلفة وتشبه كل البحث الجاري، وكذلك الأمر بالنسبة الى لجنة الاتصالات النيابية، والمجلس الوطني والنقابات والمرئي والمسموع غير المعروفة مرجعيته أو أين تبحث هذه المرجعية"، معتبرا "أن الواقع لا يترجم فكرة إعادة النظر الشاملة في وضع الإعلام في لبنان، وأن هذه الورشة كبيرة ويجب أن تكون وزارة الإعلام المرجعية الأساسية لها".
وعن الآلية المقترحة للمعالجة يقول دعيبس "إن الخطوة الأولى تنطلق من وضع وزارة الإعلام آلية تحديث لهذه القوانين مع العاملين في القطاع، "ولكن حتى الساعة لم توضع أي آلية، وإنما هناك تلمس لهذا الموضوع".
ويؤيد دعيبس موقف وزير الإعلام لناحية وضع قانون شامل "تتفرع منه مجموعة قوانين خاصة بكل قطاع إعلامي تحفظ خصوصية كل منها وفقا لمهماته ودوره، على أن يكون القانون حاضنا لهذه القطاعات وضامنا للحرية"، مقترحا جملة أفكار مواكبة تنطلق من تعديل مهمات المجلس الوطني للاعلام "الذي يجب أن يكون مجلسا قادرا على اتخاذ القرار ويمنحه صلاحيات أوسع تخرجه من واقع أنه مجلس استشاري مع إعادة النظر في تركيبته، ووقف منح التراخيص للمطبوعات، وتحديث الوضع النقابي للقطاع لأنه لم يعد مقبولا استمرار الوضع كما هو"، داعيا إلى مقاربة هذه الأفكار "بانفتاح وباستيعاب لتجارب الآخرين ومواكبة روح العصر".
إلا أن دعيبس لا يبدي تفاؤلا كبيرا بإمكان مقاربة هذه الأفكار بصورة جيدة، "فكل قطاع يدافع عن مصالحه المكتسبة حتى الآن خوفا من خسارته لها، إضافة إلى عدم تحلي المؤسسات الرسمية بالجرأة للتعامل مع هذا القطاع من منظور تحديثه وتطويره".
ويستبعد إمكان أن يستطيع أهل قطاع المرئي والمسموع وضع تصور واضح لواقع قطاعهم، "لكونه قطاعا متناحرا ويخضع للتأثيرات السياسية في معظم أدائه ولديه مشاكل كبيرة غير قابلة للاستيعاب من الدولة المعنية بضرورة وجوده وتطوره، ولذلك فهو يتعامل مع هذه المشاكل بشكل إفرادي وفئوي".
فرحات: قانون موحد
ويوافق مدير العلاقات العامة والإعلان في تلفزيون "المنار" إبراهيم فرحات على رأي زميله طانيوس دعيبس في وجود قانون موحد للاعلام ذي فروع، يرعى الإعلام في لبنان، مستدركا بـ"لكن" ليعلن "استحالة التوصل إلى قانون موحد حاليا في ظل القطاعات الموجودة بفعل المعوقات الكثيرة، ومنها قانون المطبوعات الذي يحتاج الى تعديلات كثيرة ومهن منظمة لديها نقابات وحاصلة على امتيازات معينة، ولا تريد إشراك الآخرين معها، كنقابتي الصحافة والمحررين اللتين يصعب أساسا ضم كل العاملين في قطاع الاعلام إليهما، إضافة الى أن النظرة الى قانون الاعلام والى العملية الإعلامية بكليتها في لبنان تختلف بين المرئي والمسموع والصحافة".
ويتحدث في هذا الإطار عن اتجاهين: "إما توحيد كل العاملين ضمن نقابة موحدة كنقابتي الصحافة والمحررين، وإما أن يكون هناك نقابة خاصة للمرئي والمسموع، والنقاش مستمر".
ويرى "أن الواقع القانوني للاعلام في لبنان متخلف كثيرا قياسا بالتطور المهني للعاملين في القطاع"، مؤكدا "أن المشكلة في القانون وفي تطبيقه أيضا".
ويتحدث عن "تعقيدات كثيرة تشوب قانون المرئي والمسموع الذي يعتبر استثمارا مهما وأساسيا في لبنان"، متسائلا عن "أسباب عدم النظر الى الاعلام كاستثمار يفيد الاقتصاد الوطني من خلال إنشاء بنية تحتية لمدينة حرة إعلامية يستفيد فيها لبنان من كل الفضائيات الموجودة على الأرض اللبنانية".
فرحات الذي ينتقد "المحاصصة السياسية والطائفية التي حكمت قطاع الاعلام اللبناني وجعلته يدور في حلقة ضيقة وليس ضمن مجال رحب يستقطب محطات وقنوات إعلامية ليستفيد لبنان من هذه الصناعة العالمية المهمة"، يدعو الى "تحرير الاعلام من الحصرية والتراخيص والامتيازات، ولا سيما أن لبنان موئل للحريات وطاقاته التقنية والبشرية عالية ولا يحتاج سوى الى مقاربة أخرى غير التي يعمل فيها حاليا".
ويشكك في أن تؤدي الحركة الجارية اليوم الى تعديل القوانين، "بدليل ما يحصل في قانون المطبوعات الذي لم تعدل فيه سوى الغرامات، فيما يغيب النقاش في الأمور الأساسية، وأبرزها تصنيف الإعلامي في قطاعات الاعلام وقوننة الاعلام الالكتروني وتنظيم نقاباته، وغيرها الكثير من المسائل التي تهم الاعلام اللبناني".
وعن إمكان التغيير والتعديل في القوانين في ظل استملاك المحطات الإعلامية من الأحزاب السياسية، يقول فرحات "إن المشكلة ليست في أن الإعلام اللبناني مسيس أو أن تمتلك الأحزاب مؤسسات، وهذا يجب أن يكون متاحا، وإنما الأساس في هذا الأمر هو حدود المسؤولية التي يجب أن يتحملها كل من يتعاطى الشأن الوطني العام، سواء على المستوى السياسي أو الإعلامي والنظر إلى المساهمة الايجابية للمحطات الإعلامية".
وإذ يلفت إلى وجود ضوابط تحكم الإعلام المرئي والمسموع نص عليها القانون ولها علاقة برسالة المؤسسة الإعلامية، يتحدث عن "ضرورة مناقشة مسألة التراخيص والتشدد المفروض في منحها وفي الشروط الموضوعة للكوتا والحصص والموضوع الطائفي، اضافة إلى ضرورة فتح المجال لاستيعاب محطات جديدة".
ويشير فرحات إلى "أن النقاش يركز على خطين: الأول يتعلق بالأمور المشتركة بين القطاعات الإعلامية، وهو الأمر الذي نوافق وزير الإعلام في شأنه، أما الثاني فيتصل بالنقاشات الخاصة بالمرئي والمسموع، وذلك لضمان أن يكون هناك قانون لهذا القطاع إذا لم نتمكن من وضع قانون موحد يرعى كل المهن وينظمها، نظرا الى العوائق الكثيرة التي لمسناها من خلال النقاش مع القطاعات الأخرى".
ويوضح أن اللجنة التي تشكلت من المرئي والمسموع والمجلس الوطني للاعلام و"مهارات" تعكف على مناقشة كل الأمور المتعلقة بالإعلام، "وقد أنجز حتى الآن بعض المقترحات المتعلقة بتعديل المرئي والمسموع، إضافة إلى نظرة عامة الى قانون الإعلام الموحد.
ونعمل جميعا من أجل تطوير قوانين الإعلام في لبنان، فإذا تيسر التوصل إلى قانون موحد فليكن، أما إذا كان ذلك صعبا، وهو ما نعتقده، فلنذهب إلى تعديل قانون الإعلام المرئي والمسموع، وليعدل الإعلام المكتوب القوانين التي ترعاه".
ويؤكد فرحات أن إنشاء نقابة خاصة بالإعلام المرئي والمسموع أمر قيد النقاش، متحدثا عن رأيين في هذا الشأن، الأول يقول بأن يلتحق العاملون في المحطات التلفزيونية بالنقابات العائدة اليهم، "فالمهندس يذهب إلى نقابة المهندسين والمحرر والمذيع والمعد إلى نقابة المحررين، والمخرج إلى نقابة الفنانين...الخ. وأصحاب هذا الرأي يسعون الى تعزيز النقابات الموجودة في لبنان، ولا سيما أن بعضها يحظى بامتيازات.
أما الرأي الآخر فيقول بإنشاء نقابة خاصة للمرئي والمسموع، ونحن ما زلنا في خضم هذا النقاش، وفي انتظار المقترحات المكتوبة لمناقشتها وإقرارها، ونتوقع الانتهاء من هذه الورشة خلال فترة وجيزة".
مراد: المشكلة في التطبيق
أما رئيس مجلس إدارة إذاعة "لبنان الحر" أنطوان مراد فيوافق زميلته وردة على أن المشكلة هي في عدم تطبيق القانون، "وإذا أردنا أن نلجأ الى تعديلات جذرية كما يتردد بالنسبة الى قانون المرئي والمسموع، فينبغي أن نتأكد من أن القانون الجديد سيطبق".
ويتحدث عن مندرجات كثيرة في القانون القائم حاليا لا تطبق، "إما لأسباب سياسية وإما إجرائية وإما لتقصير من المعنيين في ذلك، كالشروط والإنتاج الموضوعة لجهة البرامج على اختلافها، المحلي والفني والثقافي، إضافة الى عدم وجود التزام فعلي بما نص عليه قانون الاعلام لجهة احترام الموجات والترددات، وبالتالي هناك فوضى على هذا المستوى، وهو ما برز من خلال إصدار مجلس الوزراء تراخيص إعلام جديدة لا تتوافر لها موجات للبث". ويستغرب هذا الأمر "الذي يشكل خرقا للقانون من أهله والمعنيين بتطبيقه".
ويشير الى "أن المطلوب في هذه المرحلة تحديث مواد قانون الاعلام ولا سيما تلك المتعلقة بتقنيات البث الحديثة لتواكب تطور تكنولوجيا البث الإعلامي، وتغيير جذري في كيفية تطبيق قانون الاعلام"، معتبرا "أن أي قانون سيطبق بشروط تقنيات حديثة لن يتم التزامه".
ويضيف إلى ذلك غياب الرقابة كليا أو بشكل شبه كلي عما ينبغي للاعلام أن يقدمه للبنانيين، "فهناك تفاوت كبير بين إعلام يحترم نفسه ويحترم المتلقي بالحد الأدنى، وإعلام ينبري للتحريض الطائفي واستحضار لغة الحرب والتحريض المذهبي والسياسي وحتى ألعنفي، فيما المجلس الوطني للاعلام ووزارة الاعلام غائبان عن متابعة هذه الأمور. وعوض أن يعكس الاعلام توجها راقيا وتقدميا لمقاربة القضايا الوطنية، نراه ينزلق كما ينزلق السياسيون أو يخضع لرغبة هؤلاء لخدمة مصالح فئوية ومذهبية وسياسية تخالف ميثاق العيش المشترك والدستور والقوانين اللبنانية".
مراد الذي يوافق على أن الاعلام اللبناني نسخة من الواقع السياسي "لأنه مملوك من هؤلاء"، يؤكد "أن هناك فارقا بين الاعلام المسيس وذلك الذي يتخطى كل الحدود المقبولة".
ويقول: "من الطبيعي أن يكون الاعلام مسيسا في هذا الاتجاه أو ذاك، وخصوصا في ظل وجود محاصصة، إنما المشكلة هي في الإعلام الفضائحي الغرائزي التحريضي الذي يساعد على بث روح الفتنة في البلاد".
ويلاحظ "أن المشكلة في الاعلام هي نتيجة ضعف الدولة في لبنان، فعندما يكون لدينا دولة بواجهة حكومية وبواجهة مؤسسات متماسكة وصاحبة قرار وتحرص على تطبيق القانون، فمعظم المشاكل الناجمة عن الانحراف الإعلامي تحل بسهولة، وإلا يترك للقضاء أن يتصرف بحرية وضمير".
ولا يوافق على قانون موحد للاعلام "لأن الاعلام المكتوب يتجه نحو الانقراض التدريجي، وبالتالي لا أعرف ما هي الفائدة من دمج قانون خاص بالصحافة المكتوبة بقانون خاص بالمرئي والمسموع، فلكل خصوصياته وحيثياته وتقنياته، فضلا عن أن الصحافة المكتوبة تتحول تدريجا إلى الصحافة الالكترونية. وعلى الرغم من وجود مواصفات مشتركة في العمل الصحافي أو ف الحريات أو خصائص الصحافة وتطبيق القانون بالنسبة الى القدح والذم والتحريض وغير ذلك، يبقى الشق التقني هو الأوسع والأكثر تعقيدا، وينعكس على أداء وسائل الاعلام".
ويؤكد أنه "مع قانون عصري للاعلام قابل للتحديث ومواكبة تطورات المرئي والمسموع، على أن يتم تحديث قانون المطبوعات بما يتلاءم والإعلام المكتوب، شرط أن يبقى مفصولا عن قطاع المرئي والمسموع".
ويعتقد مراد، على عكس فرحات، أن ثمة احتمالا كبيرا لإنجاز قانون للاعلام، "فالمسألة ليست معقدة كما يسود الاعتقاد، وإنما المشكلة في المماطلة وعدم الاهتمام الجدي بهذا الموضوع، والمطلوب السرعة في إعداد قانون عصري للاعلام وتحديث قانون المطبوعات".