تحقيق منى سكرية
لو كان للماضي لسان، لنطق بأخبار كبار السن وألف منها روايات لا تنتهي. ولو كان للذاكرة أن تتكلم لما نطقت إلا بسيرهم. كبار السن هم أرث الماضي وغنى الحاضر، فهل نكرمهم كما يستحقون؟
أطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية أمس تقريرا أعدته عن الخدمات المتوافرة لكبار السن في لبنان، وعن دليل المؤسسات التي تعنى بهم، سواء المقيم منها أو النهاري. وستنظم في السادس والعشرين من الجاري ورشة عمل لمناقشة التقرير المذكور. ويشار الى أن الاحتفال بيوم المسن العالمي كان في الاول من تشرين الاول الجاري، كما أن الاحتفال بيوم المسن العربي كان قد جرى في الخامس والعشرين من أيلول الفائت. وقد شارك لبنان في الاحتفال الاخير في تونس ممثلا بالسيدة أنيسة النجار.
هذه السيدة صرفت ما يقارب ستين عاما من سنيها ال97 في خدمة العمل الاجتماعي. وأنشأت لهذه الغاية ثلاث مؤسسات: واحدة تعنى بالاطفال ساكني الملاجئ، وثانية لإنعاش المرأة في القرية اللبنانية، وثالثة لإدخال المرأة اللبنانية في مؤسسات المرأة العالمية للتعريف بمشاكلها وإيجاد الحلول.
النجار التي تلقت اتصالا هاتفيا ذات يوم من أيلول الماضي من اللبنانية الاولى السيدة وفاء سليمان تبلغها فيه باختيارها السيدة الرائدة التي ستمثل لبنان في اليوم العربي لتكريم المسنين في تونس (في 26 ايلول الفائت)، لا تزال تنتظر اتصالا جديدا من السيدة سليمان بناء على وعدها لتحديد موعد في الاسابيع المقبلة للتشاور والتهنئة بالدرع التي حازتها في تونس من رئيسة منظمة المرأة العربية التونسية الاولى ليلى بن علي وباشراف جامعة الدول العربية.
والى جانب 14 امرأة عربية تم اختيارهن من بلدانهن ممثلات رائدات مسنات، شارك الاستاذ في كلية العلوم الاجتماعية والباحث الاكاديمي في ميادين الاسرة والمرأة والشباب الدكتور زهير حطب مقدما بحثا متميزا وعميقا تناول فيه مسألة كبار السن في الوطن العربي من جوانبها كافة.
رئيسة منظمة المرأة العربية التونسية الاولى ليلى بن علي
وفي حديثه الى "الوكالة الوطنية للاعلام" قال "إن اليوم التكريمي الذي جرى في تونس كان تحت مظلة جامعة الدول العربية، وهو أول احتفال يجري فيه تكريم عدد كبير من السيدات من الوطن العربي، وان بقي في إطار المهرجان الاحتفالي والدعائي، في حين كان يجب أن يأخذ طابعا تطبيقيا وإجرائيا، بحيث تتحول الشعارات التي رفعت الى خطة عمل". في هذا المجال قدم الدكتور حطب اقتراحا الى اللبنانية الاولى بأن تلتفت الى تكريم كبار السن في الطبقات الاجتماعية، "أي أولئك الذين هم في أسفل السلم الاجتماعي".
وإذ يعتبر "أن المناسبة أعادت بشكل عام تسليط الضوء على حق الوفاء تجاه كبار السن العرب"، يلفت الى "أن كل دولة عربية عندها من كبار السن من السيدات اللواتي تفخر بهن، وهن صاحبات أعمال وإنجازات في حياتهن المديدة. في يوم التكريم كن أربع عشرة سيدة، وكانت كل واحدة منهن جديرة بما قدمته لبلدها، وهذا يعطي دفعا لضرورة الاهتمام بكبار السن وجعلهن نماذج في الوفاء بين الاجيال".
وأسف "لأن أبرز ظاهرة حديثة نراها تتجسد في قلة الوفاء ومحاولة الخروج من مسؤولية كبار السن وجعل هذه المسؤولية مسؤولية مجتمعية". ويشدد الدكتور حطب على ضرورة أن يتذكر الشباب قيمهم الانسانية، وهذا ليس بكلام إنشائي".
وعن الواقع الاجتماعي والقانوني لكبار السن في لبنان، يقول: "هناك استفاقة متأخرة على هذا الموضوع، لأن تركيبة مجتمعنا تحفظ للمسنين كرامتهم، ولكن على الدولة الاهتمام بكبار السن ممن لا معيل لهم ولا أقرباء يهتمون بهم. لا بد من جعل الباب مفتوحا لهؤلاء كي يكون كبير السن شخصا كاسبا، أي أن نفتح له مجال العمل والارتزاق. وكثر من كبار السن يبقون يعملون رغم تقدمهم في السن. ولكن لا يجوز أن يبقى المسن في بلادنا كمن يستحق الصدقة وعمل الخير، أو أن ينظر اليه كفئة ضعيفة وكائن ناقص، أو أن نحشره مع الفئات المهمشة".
ويطالب حطب بإعادة التصنيف لكل مسن قادر على العمل، "وأن تعطي الدولة عملا لهذاالمسن ثم تشتري نتاجه منه"، ولا يمكن أن يبقى ضمان الشيخوخة قانونا من دون ترجمة عملية. وأنا أريد أن أسلط الضوء على مناسبة جوهرية جدا، اذ ان كل العاملين في القطاع الخاص تنهى خدماتهم ويعطون تعويض صرف خدمة، أي أنهم يحصلون على الرعاية الصحية اثناء شبابهم، وبعد التقاعد عليهم ان يصرفوا تعويضهم على ترميم وضعهم الصحي. إذا، لا ضرورة قصوى للمبالغة في الضمانات الصحية في فترة الشباب وغيابها بعد ذلك".
ويرى "أن قضية المسنين في لبنان ليست قضية كبرى، إذ إنها تبلغ 7 في المئة، في حين أن النسبة في الدول العربية تراوح بين 3 و7 في المئة ممن هم فوق 64 سنة. لم نصل الى 20 في المئة مثل أوروبا، ولكن سنة 2050 سنبلغ هذه النسبة. إن تفاقم مسألة كبار السن ظاهرة ديموغرافية في الوطن العربي لا نزال نجهل أسرارها".
"كثر من السيدات يستحققن التكريم في الوطن العربي"، يقول حطب، "ولكن لا بد من وجود واحدة تمثلهن، وما لفتني أن معظم اللواتي كن في حفل التكريم تجاوزن الثمانين من العمر، ومنهن السيدة أنيسة النجار، وهي حاضرة الذهن سريعة البديهة تستذكر محطات من حياتها، وكذلك الدكتورة وحيدة العظمة من سوريا، وهي أول طبيبة عملت في المجال العسكري، ولها كتب في مجال الصحة، وكانت مميزة بحضورها في حفل التكريم لسرعة بديهتها ولغتها السليمة ونشاطها (الدكتورة العظمة أرملة الطبيب اللبناني المرحوم عبد الكريم سكرية، وهي أول طبيبة متخرجة من جامعة دمشق عام 1949، وحائزة اختصاص في طب الاطفال من جامعة باريس عام 1953، وهي أول امرأة عملت في القوات المسلحة السورية، وساهمت في تأسيس العديد من الجمعيات التي تعنى بشؤون المرأة والطفل والاسرة، وعضو في اللجنة التنفيذية لتنظيم الاسرة العالمي، وعضو تحرير في "المجلة الطبية العربية" التي تصدر في دمشق وفي مجلة "الطبيب" التي صدرت في باريس في ثمانينات القرن الماضي، الى جانب مشاركتها في مؤتمرات عالمية، وفي التعاون مع منظمات الامم المتحدة، وتأليف الكتب في مجال اختصاصها، فضلا عن الكتب التي عملت على ترجمتها من الفرنسية الى العربية، وقد حازت أوسمة تقدير لعطاءاتها. وكان هناك سيدات من اليمن وتونس ومن بقية الدول.
أنيسة النجار التي حازت العديد من أوسمة التكريم في حياتها، تكريما لدورها كامرأة متطوعة، لا تريد للمرأة دورا يتجاوز إنجاب الاولاد وتربيتهم الصالحة، والعمل ضمن المنزل"، كما قالت ل"الوكالة الوطنية للاعلام". وأبدت عتبا على غياب خبر تكريمها عن وسائل الاعلام اللبنانية، وحسرة على تكريمها خارج لبنان وليس في وطنها، "مع أنني أول من تخرج في الجامعة الاميركية ولم أتوقف عن العطاء الى اليوم الذي بلغت فيه سبعة وتسعين عاما". وتستنكر مطالبة المرأة اللبنانية بقبول الكوتا النسائية لدخول البرلمان، "في حين أنهن لم يقمن بأي خدمة للمرأة الريفية"، معتبرة "أن المرأة اللبنانية مقصرة".
والمرأة التسعينية مقتنعة بأن سبب نجاحها يكمن في عدم تعصبها، والاستمرار في العمل والعطاء والاتكال على النفس، وفي عدم التنازل عما تؤمن به". أما النجاح الذي تتمناه لأبناء وطنها "ولم يحصل، فهو أن نصبح مواطنين وليس كما نحن اليوم مجرد سكان لهذه الارض".
وستحتفل النجار بذكرى مرور مئة عام على ولادة زوجها الراحل الوزير فؤاد النجار، عبر إصدار كتاب عنه ستوزعه في احتفال 27 من الجاري في معهد متخرجي الجامعة الاميركية- بيروت.
110 أعوام
وإذا كانت النجار بلغت 97 عاما، فإن حلوم الاكومي، أكبر معمرة في عكار، بلغت 110 أعوام، وسيكرمها وزير الشؤون الاجتماعية سليم الصايغ في 27 من الجاري.
وأفاد مندوبنا في عكار منذر المرعبي أن أبناء بلدتها الحويش، يقولون إن سنها نحو 122 عاما، ولكن هويتها تعترف فقط ب110. ويشير رئيس بلدية الحويش على الاكومي الى "ان الحاجة حلوم عندما تزوجت وكانت في عمر 12 عاما لم يكن لديها بطاقة هوية". وحلوم خفيفة الظل، طيبة المعشر صلبة البنية، وجدة لنحو 325 حفيدا. اشتهرت بصنع دواء للعقم. لم تدخن في حياتها ولم تذهب الي الطبيب إلا أخيرا بعد وقوعها منذ شهرين وتعرضها لكسر في وركها. لا تفرط في الطعام، تأكل الحشائش وتبتعد عن الشحوم والدهون وتركز في وجباتها على العسل والبيض والدجاج ووجبة واحدة في اليوم، وكانت تمشي كثيرا، وقد شاركت في لعب الدبكة قبل أسابيع في أحد الاحتفالات. ولا تزال تتمتع بذاكرة فتية، ولديها الكثير من المعلومات عن تاريخ لبنان.
=====================