كتبت بهاء الرملي
"الوقت سينفذ. لدينا أقل من ثماني سنوات لتحقيق الاهداف المبينة في إطار عمل هيوغو، بينما هناك بعض التقدم المحرز. إلا أن الحقيقة القاسية التي تساعدها الممارسات والسياسات القصيرة النظر تؤدي الى الزيادة المستمرة في ضعف مجتمعاتنا، وإنني أحض جميع الحكومات وجميع السلطات الاقليمية والمحلية على أن يشكل الحد من مخاطر الكوارث أولوية حقيقية لها وان تتخذ خطوات عملية متسارعة لجعل المجتمعات أكثر أمانا من الكوارث، وهذا يعني الاستثمار في الموارد الانسانية والمالية، فالامان يأتي مقابل ثمن، وأي استثمار هو أفضل من الاستثمار في المستقبل؟".
هذا الكلام التحذيري أطلقه وكيل الامين العام للامم المتحدة للشؤون الانسانية ومنسق الاغاثة جون هولمز، لحض الدول ومخططي السياسات ومتخذي القرارات على بذل المزيد من الجهد للاستثمار في حماية المجتمعات من خطر الكوارث التي تهددها، من اي نوع كانت.
تتعرض المجتمعات البشرية لكوارث طبيعية مدمرة، وإن بتفاوت، مثل البراكين والزلازل والاعاصير والفيضانات وموجات الجفاف وحرائق الغابات، لكن بالتحضر لها والاستعداد لمواجهتها، يمكن تخفيف مخاطرها وآثارها على الانسان ومحيطه. وإذا كانت البراكين والزلازل خارجة كليا عن سيطرة الانسان، فإن نشاطه الاقتصادي بكل قطاعاته (النقل والصناعة والزراعة والتكنولوجية الخ...) واستغلاله الجائر للطبيعة، ممارسات ادت الى الاحتباس الحراري وتدهور النظم البيئية الى حد كارثي لا رجوع عنه في بعض المناطق في العالم، فازدادت الاعاصير والفيضانات حدة واستعرت حرائق الغابات على نطاق أوسع، وارتدت النتائج سلبا على الاقتصاد نفسه، كما على مقومات التنمية المستدامة والحد من الفقر المحددة في أهداف الالفية.
الامم المتحدة دقت ناقوس الخطر بعدما بينت إحصاءاتها أن "أكثر من 200 مليون شخص يتأثرون بالجفاف والفيضانات والاعاصير والزلازل والحرائق والمخاطر الطبيعية الاخرى"، مضيفة الى هذه العوامل الكثافة السكانية والفقر. وذكرت بأن "مئات الوف الاشخاص قتلوا وان الملايين خسروا اماكن معيشتهم بسبب تسونامي المحيط الهندي وزلزال جنوب آسيا والاعاصير والفيضانات في الولايات المتحدة الاميركية والكاريبي والهادي، بالاضافة الى الفيضانات الكثيفة في اوروبا واسيا"، وأخيرا زلزال هايتي وفيضانات باكستان وحرائق الغابات في روسيا.
ليس اهتمام الامم المتحدة طارئا او مستجدا في العمل على بناء قدرة الامم والمجتمعات على مواجهة الكوارث، وما ورد آنفا من منشوراتها يأتي في اطار متابعة عمرها عقود لقضايا تتعلق بأمن المجتمعات ومواجهة ما يهددها من مخاطر، أيا يكن مصدرها، وتحصين افرادها وتزويدهم المعرفة عن هذه المخاطر والتدريب على سبل مواجهتها والحد من خطرها والعمل على ارساء تعاون بناء بين الدول على المستويين الاقليمي والدولي على صعيد تبادل المعلومات والخبرات وتحفيز الجهات الممولة على الاستثمار في التنمية المستدامة والحد من اسباب وجود بؤر ضعف اقتصادية واجتماعية وبيئية كونها الاكثر تأثرا من الكوارث.
عام 2005 عقد مؤتمر هيوغو، عقب تسونامي المحيط الهندي، في منطقة هيوغو في اليابان (ومنها اسمه)، بقرار من الجمعية العمومية للامم المتحدة، بهدف الحد من الكوارث. حدد المؤتمر إطار عمل يمتد من 2005 الى 2015 وملخصه "بناء قدرة الامم والمجتمعات على مواجهة الكوارث"، اما النتائج المتوقعة في هذه الفترة فهي "الحد في شكل كبير من الخسائر الناجمة عن الكوارث، في الارواح والممتلكات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للمجتمعات المحلية والدول". كما حدد ثلاث أولويات عمل هي: "تعزيز الادماج الفعال لاعتبارات خطر الكوارث في سياسات التنمية المستدامة والتخطيط، استحداث وتعزيز المؤسسات والاليات والقدرات التي يمكنها ان تساهم على نحو منتظم في بناء القدرة على مواجهة الاخطار، والادراج المنتظم لنهج الحد من الاخطار في تصميم وتنفيذ برامج التأهب للطوراىء والتصدي لها والتعافي منها".
وللوصول الى هذه الاهداف الاستراتيجية رسم المؤتمر أولويات عمل تحت عناوين خمسة هي:
- "ضمان اعتبار الحد من خطر الكوارث اولوية وطنية ومحلية قائمة على قاعدة مؤسسية صلبة للتنفيذ.
- تحديد خطر الكوارث وتقييمها ورصدها وتعزيز الانذار المبكر.
- الافادة من المعرفة والابتكارات والتعليم لبناء ثقافة للسلامة والقدرة على مواجهة الكوراث على كل المستويات.
- الحد من عوامل الخطر.
- تعزيز التأهب للكوارث بغية التصدي لها بفاعلية على كل المستويات.
ومن بين مؤتمرات الامم المتحدة عن الحد من الكوارث، يتناول هذا التقرير مؤتمر هيوغو فقط، ذلك ان لبنان انضم اخيرا الى الحملة العالمية التي اطلقها المؤتمر للحد من مخاطر الكوارث، وهو انجز الاسبوع الماضي تقريره الوطني المرحلي الاول في هذا السياق للفترة 2009 - 2011، وتبين منه ان لبنان، رغم تركز اهتمامات مسؤوليه واولوياتهم على الشأنين السياسي والامني، تمكن من احراز تقدم، ولو ضئيلا وجزئيا على بعض المحاور، لكنه ما زال يحتاج الى جهود كبيرة ابرزها على صعيد تطوير اجهزة انذار مبكر والبحوث العلمية لتحديد المخاطر وتقويمها وتخفيف اضرارها، كما يحتاج الى تحديث القوانين الموجودة والتشدد في تطبيقها والى تعميم سياسة التعريف بالمخاطر ونشر ثقافة التوعية على سبل مواجهتها.
الى ذلك، بدأ لبنان الانخراط في كل الانشطة التي تنظمها الامم المتحدة في سياق حملتها العالمية لمواجهة خطر الكوارث، وفي هذا الاطار سيعقد في السرايا الحكومية الثلثاء المقبل مؤتمر "لبنان يستعد" لمناسبة "اليوم العالمي للحد من مخاطر الكوارث" الذي حددته الامم المتحدة في الاربعاء الثاني من تشرين الاول. يعقد المؤتمر برعاية رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري، وتشارك فيه الممثلة المقيمة لبرنامج الامم المتحدة الانمائي مارتا رويداس وسيتخلله عرض فيلم عناهمية التحضر لتخفيف مخاطر الكوارث، وسيشهد توقيع رؤساء بلديات على الحملة العالمية للحد من مخاطر الكوارث، بهدف الوصول الى مدن آمنة، وسيكون هذا التوقيع باكورة تواقيع لمدن أخرى تحدد تباعا.
أما المدينة القادرة على مواجهة الكوارث فيعرفها برنامج الامم المتحدة للمستوطنات البشرية كالآتي: "إنها المدينة التي يتميز اهلها بمرونتهم في المشاركة من اجل تخطيط مدينتهم واتخاذ القرارات الخاصة بها مع السلطات الحكومية المحلية، وهي المدينة التي تتمتع بحكومة محلية مختصة مسؤولة من شأنها دفعها نحو تحضر دائم، وتتميز بقدرتها على تجنب العديد من الكوارث نظرا الى ما ينعم به سكانها من حياة آمنة داخل منازل ذات بنية تحتية جيدة وخدمات، وهي مدينة تستوعب ما تتعرض له من أخطار وتعمل على قاعدة معلومات محلية قوية حول كل ما هو غير محصن، وهي مدينة تتخذ خطوات لتتوقع حدوث الكوارث وحماية الاصول، اي الافراد وممتلكاتهم ومنازلهم وتراثهم الثقافي ورأس المال الاقتصادي، وهي قادرة على تقليص حجم الخسائر المادية والاجتماعية الناتجة من الحوادث المناخية الشديدة الوطأة او الزلازل او غيرها من المخاطر، وتلتزم توفير الموارد الضرورية، وتكون قادرة على تنظيم نفسها قبل وقوع أي من الاخطار الطبيعية وفي أثنائها وبعدها، وقادرة على اعادة وضع الخدمات الاساسية الى حالها الاولى بسرعة، بالاضافة الى استئناف الانشطة الاجتماعية والمؤسسية والاقتصادية بعد وقوع مثل هذه الحوادث، وهي مدينة تستوعب اهمية ما سبق ذكره تجاه قدرة المباني على جبه تغيرات المناخ".
والى أن تخطو مدننا أولى خطواتها على هذه الدروب، وقانا الله شر الكوارث الطبيعية الأقل هولا بكثير من الدمار الذي تحدثه الزلازل، ومدن لبنان عانتها كثيرا عبر التاريخ.