تحقيق منى سكرية
يحفر الأب منصور لبكي في صخور تعلو بلدات منطقة جبيل، ليبني منها قرية الغفران والسلام.
وعلى خط مواز، يحفر في نسيج العيش اللبناني ليبني منه سلوك غفران وعقيدة تجذر في الارض وفي تراب التلاقي.
فوق مئات الأمتار ترتفع تلة صغير تحرسها الاشجار الحرجية، مصبوبة بصخور ترقى طبقاتها الى آلاف السنين. هناك تقع القرية التي كانت افتراضية، وصارت بهمة متطوعين لبنانيين وفرنسيين مبنية بمنازل ستؤوي يتامى ومسنين، وعشاق الرياضة الروحية، وباتت مسرحا لألوان من الحفلات والأفراح، والندوات والحوارات.
إنها كفر سما، قطعة من السماء على الارض. قرية مبنية بتبرعات ضئيلة تفي بالغرض "منعا لسيطرة المتبرعين" كما يقول الأب لبكي ل"الوكالة الوطنية للاعلام. ويضيف: "إنها جزء من مجموعة مشاريع أنجزتها، ومنها:
دار سيدة الفرح لليتامى (1977)، وجوقة منشدي لبنان الصغار (1978)، وتمويل مركز للمعوقين "سيزوبيل"(1986)، ودار سيدة العذراء في فرنسا للايتام (1990-1998)، ودار سيدة البسمة لدمج اليتامى العائدين الى لبنان بتمويل من مؤسسة راوول فوليرو (1995)، ومركز بيت سيدة لبكي لاستقبال المحرومين في النبعة (1996). أما كفرسما فهي الحبة المتوهجة في مسبحة حياتي لينهض جيل على ثقافة السلام بالغفران، على أساس متين متعدد الطوائف".
مساء الثاني عشر من أيلول الجاري، وفي الهواء الطلق لقرية كفرسما، سيقدم سيد المسرح الفرنسي جان بيا فيلما موثقا بعنوان "جان بيا -مغامرة لبنانية"، يليه عشاء قروي وحفل توقيع لمؤلفات بيا والأب لبكي، وحوار مفتوح مع الحضور وممثلي وسائل الاعلام، علما أن بيا سيختتم أيام مهرجانات بعلبك الدولية العام المقبل كما علمنا من الأب لبكي.
ومع هذا النشاط، تكون الاطلالة العملية لكفرسما أو "بلد السما" كما يقول لبكي، "وهذا سيكون النموذج لأيام التعاون بين الجيران، ولفكرة العونة في المساعدة التي سادت قرانا في القديم، ولبث روح التنوع والاحترام المتبادل، إذ أنني ربيت أولاد مؤسساتي على فكرة أن لا فرق بين البسطرما والفلافل، وأن أجمل الحدائق تلك التي تغتني بأزهار متعددة الاسماء والاجناس والاشكال".
ويضيف: "بدأت عملي بتربية أبناء وبنات من كل الطوائف، ومن أولاد شهداء الجيش، وهم الآن كبروا وصار بعضهم أطباء ومحامين، وهؤلاء سيكونون نواة الفكرة التي عملت عليها".
ضيعة كفرسما المطلة على البحر، والشاهقة نحو السماء، ستستقبل من يرغب من الفرق الكشفية على حط الرحال فيها، وستكون قبلة العائلات القليلة اليسر، والشبان ممن يهوى المخيمات الصيفية، أو الاجتماع الشبابي حول ندوات ومؤتمرات، أو لحفلات الزجل وأعراس الفقراء، ولميسوري الحال بأجر مدفوع طبعا، شريطة أن تكلل المحبة رؤوس الجميع، وتكون هي المراس والممارسة، كما تبغي فكرة القرية.
والقرية التي تطوعت جرافات الجيش عام 2005 على حفر الجلول الصخرية فيها تهيئة لتربة البناء، تضم أيضا كنائس صغيرة للارمن، والروم الارثوذكس، إضاة الى حضور شيعي في القرى المجاورة "وأقلية من الموارنة رغم أنني ماروني"، يقول الأب لبكي ضاحكا. ويكمل: "هناك مساعدات تأتينا على شكل تبرعات صغيرة من أولاد أوروبيين، لكن هذه التبرعات القليلة ترفد الساقية الكبيرة. فالفكرة هي البناء حجرا فوق حجر ترصفها سواعد شبان متطوعين، دعما لقيمة المساعدة، وبناء الذات".
وسألناه هل عرف اليأس طريقا الى قلبه، فأجب: "اليأس خطيئة أكثر من القتل والزنى، لأنه يعني قتل الروح القدس في داخلك. اليأس سلاح الشيطان الاخير، وأنا اقول ان القديسين الكبار أخطأوا ولكن لم ييأسوا".
ولا يفوت الاب لبكي أن يشكو "فردية اللبناني، وسلوكه في طلب الخدمة وليس في تقديمها، إذ إن أحدا من المؤسسات الثقافية أو الأفراد الاغنياء قد بادر في اتجاهنا مع بعض الاستثناءات".
ويختم صاحب المؤلفات العشرة: "العمل الانساني والروحي والثقافي يعزز فينا الشعار الذي أرفعه "لا تخف"، وباللغة السريانية" لو تدحال"، فهو يبني فينا القدرة على زرع البسمة.
ولكن كم تلة من جبال لبنان تحتاج الى فكرة كفرسما؟
يجيب: "إن مهندسين لبنانيين هما ريشار مهنا ووليد معلولي قدما مجانا كل ما يفيد المشروع هندسيا".
واللبيب من الاشارة... يتطوع؟!