كتبت جوزيان سعادة
نفرح بقدومهم ، نهلل لمجيئهم ! للوهلة الأولى نذرف دموعا لا ندري سببها: أدموع فرح هي أم دموع حزن؟ نسمع من حولنا: "مبروك إنه صبي" أو "مبروك إنها بنت"، "توأم"، "ثلاثة توائم"... نرى الجميع فرحين ونسمعهم يتهامسون: يشبه أباه... أو تشبه أمها... في النتيجة الكل فرح.
نفرح صحيح، لكن في قلبنا دائما خوفا وقلقا، الخوف على مصير أطفالنا والقلق من عدم إمكان توفير كل متطلباتهم ومستلزماتهم لأنها حق لهم وواجب علينا.
نعم، إنها بهجة ممزوجة بالرهبة فالطفل مشروع بحد ذاته، إنه مشروع تعليم، مشروع صحة، مشروع تربية وثقافة. نرى الأهل منهمكين بالتخطيط لهذا المشروع قلقين من كيفية تنفيذه في ظل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة.
للطفل حقوق على الجميع تأمينها له، والدولة هي المسؤولة الأولى بعد الأهل، لان كل سياساتها الاجتماعية والاقتصادية تنعكس سلبا أو إيجابا على وضعهم، وإذا قصرت هناك مؤسسات المجتمع المدني لكن دور العائلة ضروري جدا ويعول عليه كثيرا في تربيتهم وجعلهم أهلا لخوض غمار الحياة في مجتمع لا يرحم. من هنا التكامل ضروري بين الجميع لنجاح "الطفل المشروع ".
إن الدولة في لبنان سارعت مشكورة عام 1990 إلى توقيع اتفاقية حقوق الطفل، هذه الاتفاقية الدولية المعتمدة من الأمم المتحدة والتي لاقت استجابة واسعة في عدد كبير من الدول. وكان لبنان من بين البلدان التي التزمت مبادئ الوثيقة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948، لذا نجده ملزما احترام هذه المبادئ في قوانينه.
صدقت دولتنا على معاهدات دولية لحماية الأطفال وتعهدت بملاءمة تشريعاتها معها.إن أحكام هذه الاتفاقيات ملزمة للبنان، لكنه بحاجة إلى مزيد من التطور وخصوصا إلى آليات تنفيذية ومتابعة.
فالواقع يشير إلى أن الوضع التطبيقي الراهن لحقوق الطفل وخصوصا حق التعليم مأساوي رغم العمل المضني الذي تقوم به عشرات المؤسسات التي تعنى بحقوق الطفل. فالإحصاءات تشير مثلا إلى أن آلاف الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و13 عاما يعملون ولا يتعلمون، مع أن لبنان أقر مبدأ إلزامية التعليم منذ الاستقلال. وكذلك نص اتفاق الطائف على إلزاميته في المرحلة الابتدائية على الأقل، لكن العلم غير مؤمن للجميع في وطننا، مع العلم أن شرعة حقوق الإنسان نصت على حق الطفل في تلقي التعليم بشكل مجاني وإلزامي في مراحله الابتدائية أقله، أين نحن من ذلك اليوم؟
إن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة التي يتأثر بها ميزاننا الاقتصادي أنتجت مزيدا من الفقر الذي هو سبب رئيسي لترك المدرسة زد على ذلك أن كلفة التعليم في لبنان أضحت باهظة جدا إضافة إلى التفكك الأسري والمشاكل الاجتماعية التي تصيب عائلاتنا والفساد الذي هو علة العلل.
وإذا استندنا إلى بعض التقارير فإن غالبية الأطفال في لبنان يتركون المدارس ويعملون بدافع الفقر والحاجة وخصوصا بعد الحرب. وتبلغ نسبة الأطفال الذين يعملون بسبب الفقر 60 في المئة تقريبا.
أما في ما يتعلق بتعنيف الأطفال، فتشير الإحصاءات إلى نسب متفاوتة في سوء معاملة الأطفال بين المحافظات : من 34% في الشمال إلى 26% في جبل لبنان، 17% في البقاع، 8% في بيروت و5% في الجنوب.
وهناك نسبة 58% من فئة الاعتداء الجنسي و41% من فئة الاعتداء الجسدي .
وإزاء هذه الأرقام الواردة في المجلة الصادرة عن وزارة العدل بالتعاون مع مكتب الامم المتحدة يقشعر البدن، يتلعثم اللسان ويتوقف القلم عن الكتابة.
نستنتج أن القوانين والاتفاقيات كثيرة لكن ينقصنا الكثير للتطبيق. نحن بحاجة إلى توعية اجتماعية وتربوية وحماية الأطفال بكل الوسائل على الرغم من أن لبنان حقق عددا من الانجازات المتعلقة بحقوق الطفل كإنشاء المجلس الأعلى للطفولة عام 1994، صدور مرسوم عام 1999 يتعلق بحظر استخدام الأحداث قبل إكمالهم سن ال 16 او 17 في الإعمال الخطرة، صدور مرسوم ينص على اعتماد نصف تعرفة للأولاد في سن ال18 وما دون وللمعوقين في الأماكن الأثرية والسياحية والمتاحف والمعارض ووسائل النقل المشترك، استفادة أولاد المضمون حتى سن ال 25 عاما من تقديمات الضمان وغيرها من القوانين المشكورة عليها دولتنا العزيزة.
ولكن هناك قرارات وبنودا لم تنفذ كالتي تنص على مجانية التعليم والزاميته، إضافة إلى ضرورة إنشاء حدائق عامة ومتاحف ومكتبات عامة في المناطق كافة لنشر العلم والثقافة وإبعاد الأطفال عن الانحراف والجرائم. فللطفل اللبناني حقوق كثيرة عند مسؤولية ذوي الأذان الصماء!
أي دولة تدفع مثلا 800 ألف دولار أميركي ليستطيع هواة كرة القدم فيها مشاهدة بطولة كاس العالم وكثر من أطفالها فقراء مشردون؟ لماذا لا تضع الدولة خطة وطنية شاملة تشرف على التشريعات المتعلقة بالأطفال والعائلة واستحداث القوانين وإيجاد أطر للتنفيذ؟ إن العبرة يا حضرات ليست في توقيع اتفاقيات انما في التنفيذ.
كل ذلك لا يلغي برأيي دور الأهل الذي هو أولوي بامتياز.الطفل في بيته يجب أن تتوافر له الرعاية والاهتمام من أم عانت أثناء الحمل به وتألمت عند إنجابه، لا من خادمة يكون إحضارها إلى المنزل شرطا للإنجاب، فتأخذ دور الأم، إلا والحمد لله، عند الرضاعة.
والاهتمام يجب أن يأتي من والد حريص على تأمين جو عائلي مريح، لا من أب غير مبال يتذرع بالتعب طوال النهار ليختلي بنفسه في غرفته بعيدا عن هموم البيت وأهله.
فالعناية والاهتمام والإرشاد عناصر أساسية لنمو الطفل وجعله عنصرا فعالا في المجتمع في المستقبل لا بل هي من حقوقه الأساسية.
إن الفقر ليس سببا للامية إذا كانت الدولة عاجزة عن تأمين العلم المجاني كما أن التسول ليس سببا للجهل. فإذا كان الأهل واعين تمام الوعي لإنجاح مشروعهم الزوجي عليهم بالتالي إدراك السبل الآيلة إلى الارتقاء بأولادهم نحو الأفضل. فما كل الدول تعطي أطفالها كامل حقوقهم وما كل الأطفال حائزون على حقوقهم في كل الدول. الإنسان دائما يخلق الأعذار ليغطي فشله.
إن الأسرة هي الأهم، ثم يأتي دور الدولة ليكمل ما بدأت به العائلة. فإذا عجزت الدولة أو المؤسسة وفشلت العائلة، خسرنا أطفالنا لكن إذا عجزت الدولة وكافحت الأسرة خلص أولادنا. وكم نهلل إذا نجحت الدولة والعائلة معا! والسؤال هنا: هل توصلت إحدى الدول إلى هذا الاندماج المتكامل؟
لا بأس هنا من بعض المشاهدات التي تهز ضمائرنا يوميا: أطفال حفاة شبه عراة ينتشرون على الطرق وخصوصا في المدن الكبرى وعلى الاوتوسترادات يرون في الإشارة الحمراء خلاصا لهم، فينقضون على السيارات المتوقفة ليحصلوا على أي شيء يعطونه في آخر النهار لمن وزعهم على الأرصفة مع شروق الشمس ليجنوا له ما هو عاجز عن تأمينه لهم.
ربيع في الحادية عشرة من عمره غيرت الشمس لون شعره وسمرت جسده، لا ينتعل حذاء لان طبقة كثيفة من الجلد الميت جعلته يستغني عن أي حذاء !! رأيته يقف وراء زجاج أحد المطاعم المشهورة التي يقصدها الأطفال مع أهلهم، كان يوجه إلي نظرات اعتاد أن يوجهها إلى كل من التقاه! رمى بنفسه على زجاج المطعم وأخذ يتوسلني من ورائه، أن أعطيه أي قطعة من الطبق الذي كان أمامي على الطاولة. جمعت له بعضا من المأكولات وخرجت لأعطيه ما يريد. سألته عن اسمه وعمره، أجاب : ربيع، 11 سنة. قلت له: لماذا أنت لست كأترابك في المدرسة؟ أجاب بصوت مبهم: لا أعرف. ألححت عليه بالسؤال، قال: أبي يريد مالا، يرسلنا كل صباح الى هنا لنحصل على المال، وإذا لم نجلب له ما يريد في آخر النهار ضربنا أنا وإخوتي وأمي. ثم سمع زمور سيارة، رجفت يداه، أخذ مني كيس الطعام وهرع نحو سيارة قديمة فيها ستة أولاد وامرأة. والسائق رجل.
فكرت للحظة أن ألحق بهم، لكن سألت نفسي ما النفع من ذلك؟ كل ما استطعت فعله ان مسحت دموعا كرجت على خدي ..
هذا ال"ربيع " تجده في كل مكان وحاله تتكرر مع كل الأطفال الذين نراهم يوميا على الطرق، وقصتهم شبيهة بقصته.من المسؤول عن وضع هؤلاء الأبرياء؟ حرام وألف حرام أن نجد في القرن ال 21 أطفالا مثل "أطفال الإشارة"، ومثل "ربيع"!
أختم لأقول:الويل لأمة لا تعطي أطفالها حقوقهم لأنها ستذهب إلى الهلاك!
الويل لأهل لا يعتبرون حياة أطفالهم أولوية لأنهم سيحصدون بالنتيجة ما زرعوا!
أطفالنا هم رجال الغد ولا غد من دون رجال! فلنحافظ على براءتهم ولنجعلهم يعيشون عمرهم من دون تحميلهم أي مسؤولية هي من واجبنا، فيكبرون ويكونون مثالا يحتذى ...