تحقيق منى سكرية
لو كان متعاطو المخدرات يدركون أي مصير سيؤولون اليه بعد إدمانهم، لأصبح كل واحد منهم محاضرا في التوعية على أخطار هذه الآفة وناصحا لمن يهمه الأمر.
اسم على مسمى: مخدر. أي أن ما بعده أشد إيلاما مما قبله. إنه مسكن الى حين، ثم يفيق المدمن من التخدير الاصطناعي على وجع المأساة وهول الخسائر.
في اليوم العالمي لمكافحة المخدرات في 26 حزيران، صعد المعنيون في الاجهزة الامنية في احتفال أقيم في المديرية العامة لقوى الامن الداخلي صرختهم المتعددة الترددات والتي ركزت على "مكافحة إدمان المخدرات في لبنان".
فهل بتنا في حاجة الى إعلان حالة طوارىء لمكافحة إدمان المخدرات؟ وهل من ناقوس خطر يجب أن يقرع؟
أسئلة-هواجس حملناها الى رئيس مكتب مكافحة المخدرات المركزي العقيد عادل مشموشي، الذي طالب بوضع استراتيجية وطنية لمكافحة هذه الآفة.
يبادرنا: "لا ينبغي تضخيم الموضوع. لبنان مثل معظم دول العالم، يعاني آفة المخدرات التي أصبحت ظاهرة عالمية الطابع، ولكن أخطارها الاقتصادية والاجتماعية والصحية على المجتمع اللبناني تفوق الأخطار على مستوى الفرد من حيث المضار الصحية والنفسية التي يعانيها المتعاطي، إضافة الى الأخطار على مستوى الفساد، إذ يعمد الضالعون في قضايا المخدرات، وخصوصا في جناية المخدرات الى نشر حالة من الفساد لكي يشيعوا جوا مؤاتيا لمزاولة نشاطاتهم غير المشروعة، وهو الجو المؤاتي لتردي الأوضاع الأمنية وزيادة معدل الفساد في إدارات الدولة على المستوى السياسي والاداري.
وأقر بأني تعمدت إثارة هذا الموضوع وتسليط الأضواء عليه، وأعتقد اننا نجحنا في ذلك، لأنني أعتبر ان هذا هو أحد الأخطار التي تهدد المجتمع اللبناني، وربما إذا عرضنا الأخطار التي تهدد المجتمعات نستطيع ان نذكر أخطار الإرهاب والمخدرات، ولكن من حيث كم الضحايا، نجد أن أخطار المخدرات أكبر بكثير، فهي تتوجه صوب الناشئة وأفراد المجتمع لتقويضه برمته. من هنا سلطنا الأضواء على أخطار المخدرات لسببين:
أولا: لكي ننبه الأهالي وفئات المجتمع المستهدفة من مروجي المخدرات أو تجارها.
ثانيا: لكي ننبه المسؤولين الى ضرورة التدخل الفاعل وتكاثر الأضرار بين كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالتصدي لهذه الآفة لإيجاد مجتمع مناهض لتفشي المخدرات".
الموقوفون وأصناف المخدرات
* إذا تحدثنا بالأرقام، كم هو عدد متعاطي المخدرات في لبنان؟
أجاب: "نحن نقيس الظاهرة نسبة الى عدد الموقوفين، وقد صل الى ما يقارب ثلاثة آلاف موقوف بين مدمنين وتجار، ولكن حتى التجار أو المروجون غالبا ما يتعاطون المخدرات، ونادرا ما نجد تاجرا لا يتعاطى. وعلى قول المثل "طابخ السم آكله"، ويا للأسف، كل هؤلاء يقعون في اتون الإدمان بإفراط، لأن المادة متوافرة بكثرة لديهم، وبالتالي يصلون الى مرحلة استنشاق بخار هذه المادة بعد حرقها أي "فري بيز". وبالحديث عن عدد المتعاطين يمكن مضاعفة هذا الرقم الى خمسة أو ستة أضعاف، وربما أكثر".
- بلغ عدد الموقوفين عام 2010 لغاية تاريخ 31 / 7 / 2010 ( 2083 موقوفاً )
* ما هي المستويات العمرية لهؤلاء؟
- المتعاطون دون الـ18 سنة نسبتهم دون ال5 في المئة، والفئات ما بين 18 و25 سنة أكثر من 30 في المئة، وهناك ما بين 25 و35 سنة، وما فوق 35 سنة.
وليس جميع هؤلاء من الشباب الجامعي، في حين أن نسبة طلاب المدارس الذين يتعاطون المخدرات بين عدد المتعاطين لا يزيد على 6 في المئة من بين الموقوفين، وبالتالي النسبة ليست كما يقول البعض 30 في المئة من الشباب، وفي اعتقادي أن البعض يبالغ في إعطاء هذه النسب. في أي حال، من يبدأ في سن مبكرة بتعاطي بعض أنواع المخدرات ربما لن يعيش الى سن الـ36.
إن عدد الموقوفين من الإناث لا يتعدى الأربعة في المئة، لأنه يسهل في المجتمع المحافظ أن يبلغ الاهل عن الابن الذكر المتعاطي وليس عن الابنة المتعاطية.
* ما هي أنواع المخدرات الأكثر استهلاكا في لبنان؟
- هذا يخضع للعرض والطلب، علما أن لبنان كان دولة منتجة للحشيشة والهيرويين في فترة من الفترات. أما اليوم فإن زراعة الهيرويين أصبحت في مرحلة انقراض، بحيث زرعت كميات قليلة جدا لم تتجاوز مساحتها 40 دونما. ووصلت مساحة الأراضي المزروعة حشيشة الى حوالى عشرة آلاف وخمسمئة دونم أتلفناها الى الآن، حتى آخر شتلة.
إذا أكثر أنواع المخدرات الموجودة هي الحشيشة، يليها الهيرويين والكوكايين بنسبة متقاربة، الكوكايين نحو 19 في المئة والهيرويين 18,4 في المئة، ويليها الحبوب والمخدرات.
* أي نوع هو الأخطر من حيث عدم القدرة على المواجهة؟
- كل المخدرات خطيرة، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن الحشيشة من أخطر المخدرات على الدماغ، ولكن يبقى الهيرويين الاكثر خطورة لأنه يفتك بالخلايا الدماغية.
* ماذا عن الكلام على انتشار أنواع من العلكة والسكاكر تحتوي على مواد مخدرة؟
- هذا الأمر مبالغ فيه، ولكن عندنا في لبنان نوع آخر من الإدمان، هو إدمان الحبوب، أي الأدوية التي تحتوي على مكونات مخدرة، وبالتحديد هي الأدوية التي تتطلب وصفة طبية من الأطباء، ولكن من يتعاطى هذه الحبوب، نجد أنه لا يتقيد بالوصفة الطبية، بل يتناول أحيانا العبوة بكاملها. أما كيف يحصل هؤلاء على هذه الأدوية؟ فربما هذا المتعاطي يذهب الى أكثر من طبيب ويحصل على أكثر من وصفة طبية ويصرفها من أكثر من صيدلية.
من هنا اقترحنا في هذا الإطار اعتماد ما يسمى السجل الصحي لكل شخص يتعاطى هذا النوع من الأدوية التي تحتوي على مواد مخدرة لمنع هؤلاء الأشخاص من الإحتيال على الأطباء والصيادلة.
* ولكن كنتم قد تحدثتم عن مشروبات غازية ملصق عليها ورقة حشيشة، ما هي هذه المشروبات؟
- لقد حاول بعض الأشخاص قبل نحو سنة أو أكثر تسويق نوع من المشروبات المسماة "تشيلو" وعليها صورة الحشيشة، وقد سعينا بالتنسيق مع وزارة الصحة ومصلحة حماية المستهلك الى منع هذا المنتج من الأسواق، ومنع استيراده على الأقل. وحاول البعض أن ينشر بين اللبنانيين مسحوقا أبيض مع عدة لاستنشاقه، وهذا المسحوق لا يحتوي على مواد مخدرة، لكننا رفضنا استيراده لأنه قد يسهل ترويج المخدرات.
* ماذا عن النراجيل والحبوب التي توضع في مادة التنباك؟
- على الأهل أن يساعدوا أولادهم على الإقلاع عن التدخين، وبذلك يكونون قد قضوا على 30 في المئة من إمكان ضلوعهم في قضايا المخدرات. وإذا منعوهم عن النراجيل قد تصل هذه النسبة الى 60 في المئة، لأن من الصعب أن نرى شخصا يتعاطى الحشيشة ان لم يكن مدخنا سابقا. ومن هنا نعتبر أن هاتين المسألتين من الأسباب المسهلة لانتشار تعاطي المخدرات بين الشباب.
عقبات... وتهريب؟
* هل العقبات التي تواجهونها هي في عدم الانضباط أو عدم تطبيق القوانين أو عدم توافر الإمكانات المطلوبة؟
- لا يمكن الحديث عن معوق واحد أو سبب واحد، إذ ان هناك تداخلا في هذه المعوقات والعراقيل التي تحد من إمكانات أجهزة المكافحة بشكل عام، ان على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي. أما العقبات التي تواجهنا فمتداخلة، ومبدئيا نحاول تطوير إمكاناتنا المادية والبشرية، ولكن باختصار يمكن القول إن الامكانات البشرية واللوجيستية الموضوعة لمكافحة هذه الآفة غير متناسبة مع حجم الظاهرة في لبنان.
ومن أجل الحد من عرض المخدرات، يجب أولا أن نمنع إنتاجها، أي زراعتها وتصنيعها. والسؤال المطروح: لماذا يعاود البعض زرع المخدرات؟ لأنهم دائما يأملون أن تسوء الأوضاع الأمنية لكي يتمكنوا من جني المحصول الذي يوفر لهم كمية من المال. من هنا يحاولون دائما زراعة المخدرات، لكن هذا الموضوع في حاجة الى متابعة، وأعتبر انه بعد 10 أو 12 سنة من إتلاف المخدرات، يمكننا أن ننزع هذه العادة من نفوس الذين يزرعون المخدرات عندما يرون أننا نتلفها سنويا.
* هل ثمة معامل لتصنيع المخدرات في لبنان؟
- لا يمكن أن نعتبر أن هناك صناعة مخدرات في لبنان. ربما في الماضي كانوا يصنعون الهيرويين، ولكن الآن أصبحت هذه الصناعة شبه منقرضة، وتقتصر العملية على التحويل من بودرة الى باز، وهذا أمر بسيط جدا، ولكن لا معامل عندنا كما هي الحال في كولومبيا وفنزويلا وغيرهما.
* ماذا عن الحبوب؟ هل يتم استيرادها أم تصنع في لبنان؟
- الحبوب أيضا تستورد من الخارج لأن تصنيعها يستوجب خبرة.
* ماذا عن التهريب؟
- هذا يقود الى ضرورة تشديد المراقبة على الحدود البرية والشواطئ البحرية، والامر ليس سهلا في دولة مثل لبنان، رغم صغر حجمه، إذ تعتبر الحدود البرية طويلة نسبة الى مساحته، وتكمن الصعوبة في تداخل القرى مع سوريا، وبالتالي يسهل على الأشخاص الانتقال فورا بين القرى اللبنانية والقرى السورية، ومن هنا نرى أن التهريب رائج أكثر، خصوصا أن معظم تجار الهيرويين والكوكايين موجودون في مكان محاذ للحدود السورية في بعلبك-الهرمل، وبالتالي معظم الكميات تأتي مباشرة أما الى سوريا وإما الى الأردن وتهرب برا الى لبنان.
* هل هناك تعاون مع سوريا لمكافحة تهريب المخدرات؟
- هناك تعاون مع كل الدول، فكل أجهزة مكافحة المخدرات تتعاون بشكل جيد، لكن التهريب لا يتم فقط عبر الحدود المفتوحة، إنما يمكن أن يتم عبر منافذ العبور الجوية والبرية والبحرية. ففي ظل تنامي حركة التجارة العالمية، أصبح من الصعوبة بمكان التدقيق وتفتيش كل حركة التجارة أو المواد المنقولة تجاريا. ويكفي ان نعرف اليوم ان هناك بعض البواخر التي تحمل ثلاثة آلاف مستوعب، فكيف يمكن ان نفتش هذه البواخر التي تستمر في التفريغ أكثر من 24 ساعة، وتكون هناك أكثر من خمس بواخر تفرغ في الوقت نفسه؟ وبالتالي لا بد من البحث عن أطر أخرى. والامر نفسه ينطبق على الشاحنات وما الى هنالك، بمعنى أنه بدل أن نفتش المستوعب يدويا، لا بد من الإستعانة بأجهزة "اكس راي"، لكن هذه التجهيزات مكلفة، ونحن في السنوات الأخيرة تلقينا مساعدات ووضعنا أجهزة في المطار وفي المصنع وفي المرفأ، ونأمل أن تشمل هذه التجهيزات مستقبلا كل طرق العبور. ولكن رغم وجود هذه التجهيزات، يعمل مهربو المخدرات الى اعتماد بعض الوسائل التي تحول دون كشف هذه التجهيزات لأماكن تخبئة المخدرات، فلا بد من اللجوء الى وسائل أخرى مثل تحليل بيانات المعلومات. ونأمل تطوير هيكلية مكافحة المخدرات لكي تصبح متناغمة مع ما هو ملحوظ في قانون المخدرات، ويصار الى إنشاء مكاتب فرعية أو نقاط مراقبة لمكتب مكافحة المخدرات على جميع منافذ العبور الجوية، البحرية والبرية، فنتمكن من الإطلاع على البيانات الجمركية وبيانات المسافرين، وتتقاطع المعلومات المرافقة لهذه البيانات مع ما لدينا من معلومات ليصار الى كشف هذه العمليات، وإلا سنبقى كإنسان أعمى يحاول مكافحة المخدرات. ونلح أيضا على إنشاء المجلس الوطني لمكافحة المخدرات الذي يرأسه رئيس مجلس الوزراء، ويتألف من وزارات التربية والداخلية والاجتماعية والشباب والرياضة والصحة والخارجية، لوضع استراتيجية وطنية موحدة مبنية على التصدي لهذه الآفة.
ولفت الى "عدم وجود مؤسسة رسمية لعلاج المدمنين ورعايتهم، ومع احترامي لكل مؤسسات المجتمع المدني، فهي لا تفي بالغرض، وبعضها لا يتمتع بالمؤهلات الكافية. والمطلوب وضع معايير موضوعية لتقويم أي مؤسسة أو جمعية تطلب الترخيص لمزاولة هذا النشاط".
وإذ يرفض العقيد مشموشي إعطاء رقم لعدد مروجي المخدرات، يجزم بأن لبنان "أصبح خاليا من أي مروج معروف، باستثناء الذين في بعلبك-الهرمل".
ونبه الأهل الى أن يفكروا "مليون مرة قبل أن يرسلوا أولادهم الى الحفلات الموسيقية الصاخبة". وقال: "نحاول السعي الى وضع قيود أكثر لضبط هذه الحفلات خصوصا في ظل إمكان تفشي الحبوب، وليس هناك جهاز يكشف مخبأ هذه الحبوب، وليس من السهل الدخول بين آلاف الأشخاص في حفلة موسيقية للتفتيش عن المخدرات، وبالتالي نحن لا نريد إلحاق الأذى بالسياحة، وفي الوقت نفسه نريد مكافحة المخدرات".
ويختم العقيد مشموشي كلامه بتأكيد رفض التدخلات السياسية في عمله "لأنني أعتقد أن لدي من الجرأة ما لا يسمح لأي كان بأن يراجعني في ملف شخص ضالع في قضايا المخدرات، وأنا في هذا الإطار قاس جدا".
يبقى أن من يقارب موضوع المخدرات لا بد أن تحضره أسئلة "مزمنة" من عمر الملف، يتركها برسم المعنيين، ومنها:
- ألا يجدر البحث عن أطر إدارية لضبط عمل المؤسسات الترفيهية والنوادي الليلية والملاهي والحفلات الموسيقية؟
- لماذا لا تقفل مقاهي النرجيلة؟
- ألا يفترض الاسراع في اعتماد قانون ضبط بيع التبغ والتنباك لمن هم تحت سن ال18؟
- ألا ينبغي رفع سعر علبة السجائر ووضع قانون لبيع المشروبات الروحية ورفع اسعارها ومنع القاصرين من شرائها؟
- لماذا لا يصار الى التشدد في العقوبات الملحوظة في القانون؟
- متى يوضع المجلس الوطني لمكافحة المخدرات موضع التنفيذ؟