تحقيق جوزف فرح
هل يبصر النور مشروع قانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية، بعدما أخذ وزير العمل بطرس حرب على عاتقه إنجازه قبيل انتهاء فصل الصيف، في ظل الحوار بين أفرقاء العقد الاجتماعي، أي العمال وأصحاب العمال والدولة؟
الاجتماعات متواصلة تمهيدا للتوصل الى الحل النهائي، وكل فريق يستعمل مختلف أنواع أسلحته من أجل أن يكون المشروع لمصلحته مع من يمثل، رغم أن المنتصر الأكبر سيكون العامل، وخصوصا عندما يصبح في خريف العمر. الاتحاد العمالي العام عقد اجتماعات متواصلة رفض فيها الدراسة الاكتوارية التي قدمتها شركة مهنا الى وزارة العمل وإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. ويعزو رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن الاسباب الى أن إقرار نسب مساهمات الدولة والاجير والمؤسسات غير مبني على معطيات عملية، معتبرا أن مشروع قانون نظام التقاعد والحماية الاجتماعية "مطلب مزمن للاتحاد العمالي العام والحركة النقابية منذ إنشاء الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي عام 1964، خصوصا أن القانون لحظ الانتقال من نظام تعويض نهاية الخدمة الى نظام التقاعد، لأنه كان يدرك أنه لا يؤدي غرضه بالنسبة الى المتقاعدين".
ويضيف غصن: "هذا القانون لا يلبي طموحاتنا خصوصا في ظل ارتفاع مؤشرات الاسعار ونسب التضخم 7 و8 في المئة في كثير من الاحيان. جرت محاولات عدة لاستبداله لكنها لم تنجح في تأمين الحماية الاجتماعية للعمال المضمونين ورفع الغطاء الصحي عنهم عندما يبلغون 64 عاما ويصبحون في أشد الحاجة اليه. منذ فترة طرح مشروع آخر، وبدل أن يعزز وضع المضمون كان هناك تحوير في مضمونه، واعتبر هجينا وعاجزا عن أن يؤدي غرضه خصوصا لجهة المعاش التقاعدي، لذلك سحبه رئيس مجلس النواب نبيه بري بعدما أقرته اللجان النيابية المشتركة رغم ملاحظات الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام عليه، وقد أعيد المشروع الى اللجنة النيابية الفرعية لإعادة درسه، وشكل وزير العمل الشيخ بطرس حرب لجنة خاصة برئاسته أشرك فيها الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية وإدارة الضمان ومتخصصين لمناقشة التعديلات الواجب إدخالها على المشروع".
ويشير الى "أن الاتحاد العمالي العام قدم ملاحظاته بعدما رأى أن المشروع مبني على الاستنساب في معظم بنوده، وأن العودة الى دراسات اقتصادية اكتوارية مالية متكاملة تؤمن نتائج متماسكة لا تعرض عملالصندوق للأخطار. ثم إن المراسيم التنفيذية المرتبطة بمجلس الوزراء يتطلب إقرارها مجتمعة ومنفردة سنوات، في غياب دراسة اكتوارية مفصلة تأخذ في الاعتبار المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والمالية وتطرح بدائل منذ الآن في حال حصول خلل في أي من النتائج والخدمات المتوقعة من هذا القانون".
ومن الملاحظات أيضا أن إقرار نسب مساهمة المؤسسة والاجير والدولة جاءت عشوائية ولم تبنى على دراسات علمية، ولم تشمل الدراسة الاكتوارية معطيات تفصيلية لكلفة الزيادة من 8,5 في المئة الى 12,25 في المئة على المؤسسات الصغيرة التي تمثل ما يزيد على 90 في المئة من المؤسسات العاملة، بل اكتفت بعرض تأثير هذه الزيادة باعتماد متوسط نسب الاجور لمختلف القطاعات ولمختلف المؤسسات. كما أن الدراسة لم تعط أي توصية في شأن وجود نحو 60 ألف موظف في القطاع الخاص حاليا لا يمنكهم الاستفادة من الراتب التقاعدي.
هذه الدراسة التي قدمتها مؤسسة مهنا ورفضتها أكثر من جهة، أعادت النقاش بين أطراف الانتاج وأدخلت تعديلات كثيرة عليها، وطرح أكثر من سيناريو. وقدمت مؤسسة مهنا دراسة اكتوارية جديدة قبل يومين تراعي بعض الملاحظات المتداولة.
ويؤكد غصن "أن الاتحاد بدأ الإعداد لدراسة تتناول مشروع القانون نفسه، بحيث يأتي ليلبي حاجات المضمونين عبر مؤسسة هي "غلوبل ستادي" للاستثمارات برئاسة بشارة حنا لإنجاح هذا المشروع، وهدفنا أن يكون مستندا الى مبدأ التوزيع وليس الى مبدأ الرسملة، لأن المشروع المقدم قائم على الرسملة بشكل شامل، وهو الخلاف الاساسي مع واضعي مشروع القانون نفسه".
ويشدد على "أن المشروع يجب أن يكون قائما على ركيزتين: ركن توزيعي وركن ثان يعنى بالتوزيع والرسملة"، موضحا أن نقطة الخلاف الحالية هي على نسب المساهمة، 12,25 في المئة لاصحاب العمل و5 في المئة للعمال، مما يعني أن هذه النسب ستؤدي الى معاش تقاعدي أقل من الحد الادنى للاجور، لا يتجاوز 60 في المئة من هذه الاجور، بينما الاتحاد العمالي العام يستند الى مبدأ التوزيع واحتساب متوسط آخر ثلاث سنوات ونسبة لا تقل عن 70 في المئة من المعاش الاخير".
ويضيف غصن "أن الاتحاد العمالي العام لا يقبل بمشروع ستلعنه الاجيال المقبلة، لأننا نريد هذا المشروع معتمدا على رعاية الدولة اسوة بأنظمة العالم وادارة مالية كفوءة".
شقير
وفي ما خص الهيئات الاقتصادية، يرى رئيس اتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية محمد شقير ضرورة تفعيل ضمان الشيخوخة وضمان نهاية الخدمة، "ولكن ضمن صندوق مستقل يديره القطاع الخاص تحت إدارة مصرف لبنان أو الحكومة ومراقبتهما، لأنه ليس لدينا ثقة بالادارة الحالية للضمان لإدارة مثل هذا الصندوق الذي يمكن أن تصل موارده الى 20 مليار دولار بعد عشر سنوات".
حرب
ويجزم وزير العمل بطرس حرب من جهته أن مشروع القانون سيبصر النور قريبا. وعن تنفيذ ورشة العمل لإصلاح الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يقول: "المشروع الذي هو حاليا قيد البحث كبير جدا ومهم جدا ودقيق جدا، وبقدر ما فيه حسنات إذا أحسنا إقراره وفق الاصول، ينطوي على أخطار إذا أنجزناه بتسرع وفي شكل غير علمي. ومن حسن الحظ أن وزارتنا تشكلت فيما كان هذا المشروع مصدر خلاف وعلى مشارف عرضه في الهيئة العامة لمجلس النواب".
ويضيف: "عندما عينت وزيرا للعمل كان هذا المشروع أول اهتماماتي. وبعد استشارة الاختصاصيين ومراجعة الاسس التي بني عليها المشروع ودرس محتواه، حمدنا الله أنه لم يقر كما كان مطروحا، لانه في حال اقراره كان سيكون موضع جدل كبير ولن ينجح، وهذا ما دفعني الى اطلاق الحوار حوله، لكي أوفق بين أطراف العقد الاجتماعي، أي العمال من جهة وأصحاب العمل والدولة من جهة ثانية، ولكي نجري حوارا علميا حول مضامين هذا المشروع وافضل ما يمكن أن يطرح لتنفيذه، والشروط التي يجب أن يبنى عليها والقواعد القانونية وإدارته ومؤسساته.
الحوار كان ناجحا جدا، وأثبت أنه أفضل وسيلة لحل المشاكل عوض السجالات الاعلامية، واتفق أصحاب العلاقة بعد الحوار، على الكثير من الامور التي كانوا يعتقدون أنهم مختلفون عليها، بالاضافة الى وجود قضايا أخرى يلزمها مزيد من الحوار. نحن لا نزال نعمل لبت هذا المشروع، ولكن دون تسرع، وكنت قد التزمت مع رئيس مجلس النواب نبيه بري أن أقدم مشروع القانون الى مجلس النواب، ومن أجل ذلك عدت واجتمعت به وشرحت له العقبات، ولا سيما أنه شارك معي في الاجتماعات رئيس اللجنة الصحية النائب الدكتور عاطف مجدلاني. وبالتالي يمكنني أن أقول للبنانيين إنني بلغت مرحلة متقدمة جدا في مشروع الضمان الذي يتضمن جزأين: الاول هو المعاش التقاعدي عندما يبلغ الموظف سن ال64 ويصبح في إمكانه أن يقبض المعاش التقاعدي حتى وفاته وحتى بلوغ أبنائه سن الرشد وحتى وفاة زوجته. وهناك بعض الصياغات والتقنيات بعدما ذللنا عقبات كثيرة".
ويلفت الى "أن الجزء الثاني الذي لا يقل أهمية عن الاول، هو الرعاية الصحية بعد التقاعد، لأنه بحسب القانون الحالي من يبلغ سن ال64 يفقد هذه الرعاية ويكون تدبيره على الله. والمشروع الذي يدرس يتضمن الاستفادة من التقديمات الصحية للموظف وعائلته بعد التقاعد، ولا يزال قيد الدرس لأننا لم نتفق الى الآن على كل شيء، بل اتفقنا على التوجه والمبادىء، وتبقى قضية النسب والاشراكات لتأمين الاعتمادات اللازمة. وسنعقد اجتماعا قريبا لبت هذا الموضوع، وآمل أن يكون الاخير للبحث في المبادىء. وهناك لجان تعمل وتحضر لهذا الاجتماع، ونأمل أن نتمكن قبل نهاية الصيف من العودة الى مجلس النواب لدرس هذا المشروع، بعد اطلاع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيرة المال عليه، وأنا ميال الى طلب جلسة في مجلس الوزراء لكي أشرع المشروع ويكون المجلس على بينة مما نقوم به، خصوصا على صعيد الالتزامات المالية التي تترتب على الدولة والحصانات والضمانات لكي لا يفشل المشروع".
وهل ثمة مشكلة تمويل تعترض إقراره، خصوصا أن القطاع الخاص متريث في زيادة نسب الاشتراكات، يجيب حرب: "من الطبيعي في ظل وجود مثل هذه المشاريع الجديدة أن يفكر كل فريق في الاعباء التي قد تترتب عليه، خصوصا أن بعض المؤسسات، ومنها الصناعية، ليست في حال جيدة جدا، وبالتالي أي التزامات جديدة ستزيد كلفة الانتاج وستجعل البضاعة اللبنانية المنتجة في لبنان غير قادرة على التنافس مع بضاعة سعر كلفتها أقل. ومعلوم أن العمال يحاولون الاستفادة بأكبر نسبة ممكنة من الخدمات التي يقدمها الضمان، وألا يتحملوا نفقات كبيرة، كذلك الدولة بالنسبة الى موازنتها والعجز، بحيث تكون قادرة على القيام بالتزاماتها خصوصا ان هذا المشروع كبير جدا".
ويلاحظ أن الموضوع يقارب "بروح مسؤولة رغم الملاحظات والمواقف غير الملتقية بين أطراف العقد الاجتماعي، وهذا ما يشجعني على القول انه متى تولى المسؤول رعاية نقاش او حوار بين اللبنانيين، الى أي فئة انتموا في السياسية وغير السياسية، يكون احتمال نجاح هذا الحوار كبيرا، خصوصا أن الدافع الى هذا الحوار هو المصلحة الوطنية، ومن مصلحة الجميع إقرار هذا المشروع".
ويرفض حرب أن يقدم أرقاما عن كلفة المشروع، "لكنها ليست صغيرة ومن المفروض أن نتعاون جميعا في هذا الاطار".
ولا يتردد في القول إن المشروع "سينجح بالتأكيد، اولا للحاجة اليه من جميع الاطراف، وثانيا لوجود نيات طيبة، وثالثا لانه حاجة اجتماعية، والاهم من كل ذلك اقتناع كل الاطراف بوجوب إنجاحه. لبنان قد يكون من الدول القليلة جدا التي ليس فيها هذه التغطية الاجتماعية، وأنا أخجل في المؤتمرات العربية والدولية بأن لبنان ليس لديه هذه التغطية، في حين أنها متوافرة في الدول العربية حيث هناك معاش تقاعدي ورعاية صحية".
وبسؤاله عن قول رئيس اتحاد الغرف اللبنانية إن القطاع الخاص ليس مستعدا لإنشاء صندوق للضمان تديره الادارة الحالية، يجيب: "هذا المشروع ينشئ مؤسسة أكبر من مؤسسة الضمان الاجتماعي، وهناك أفكار عدة مطروحة، ولا سيما أن هذا المشروع سيكون كتلة نقدية أو وديعة مالية بعشرات مليارات الدولارات، وبالتالي يجب أن يديره اختصاصيون وان يتمتع باستقلالية، فلا يسمح للسلطة السياسية بأن تغامر بأموال العمال. وإذا لم نكن قادرين على إنشاء إدارة حديثة قادرة على إدارة هذا المشروع فأعتقد أننا نرتكب جريمة في حق الشعب اللبناني".
وفي موضوع إعطاء القطاع الخاص مهلة لرفع الحد الاقصى للاشتراكات، يأمل حرب أن يكون الجواب إيجابا، "خصوصا أن هناك حالات تذمر كثيرة من نقابة المستشفيات سببها الاستمرار بالسعر القديم المطبق من الضمان. نحن نعمل على معالجة العجز المالي لكي يستمر الضمان، وفي الوقت نفسه نعمل على مشروع اصلاحي لكي تتحسن ادارة الضمان وتخف الشكاوى عليه".