تحقيق قاسم صفا
الغجر قرية لبنانية، واضحة الهوية، ملتبسة الانتماء منذ عام 1967. تقع على الحدود المشتركة للبنان وسوريا في المنطقة الشرقية اللبنانية، على مقربة من الجولان السوري المحتل. عدد سكانها نحو 2700 نسمة، ومساحتها المأهولة حوالى 500 دونم. أما الأراضي التابعة لها فتزيد على 12 ألف دونم، وهي إحدى المزارع في منطقة شبعا.
بعض سكانها يحمل الجنسية السورية، وبعضهم الآخر حصل بعد عام 1982 على الجنسية الاسرائيلية، واعترفت إسرائيل بالقرية معتبرة إياها مجتمعا سكانيا إسرائيليا في محافظة الشمال التابعة لها عام 1981.
وسنة 2000، بعد اندحار الاحتلال الاسرائيلي من الجنوب، رسم ممثلو هيئة الامم المتحدة والجيش اللبناني "الخط الازرق" في قلب القرية، مما أدى إلى تقسيمها فعلا بين الاحتلال الإسرائيلي ولبنان. فشمال القرية تحت سلطة اسرائيل وجنوبها تحت السلطة اللبنانية، وقد انتشرت قوات "اليونيفيل" وعناصر من الجيش اللبناني في الجزء الجنوبي تنفيذا للقرار الدولي 1701.
وبات الوصول إلى الغجر صعبا منذ تقسيمها، إذ أقامت إسرائيل الحواجز الحدودية ونقاط المراقبة خارج القرية.
ولم يجنب تدبير القوات الدولية والجيش هذه المنطقة الخروق الاسرائيلية، إذ سجل أكثر من خرق للسيادة اللبنانية منذ عام 2000، علما أن السكان لا تزال تربطهم بإسرائيل مصالح معيشية واقتصادية زراعية وصناعية وتجارية.
والمكانة السياسية لقرية الغجر وسكانها هي من أكثر المشاكل تعقيدا ضمن حالة التوتر التي تسود الجبهة اللبنانية-السورية في مواجهة اسرائيل، حيث يتوزع السكان بين لبنان وسوريا واسرائيل، وثمة أهال لا يزالون يحملون البطاقة الشخصية السورية.
والواقع أن هذه البلدة عاشت منذ عام 1967 أزمة انتماء، وخصوصا بعد حرب الايام الستة في ذلك العام، عندما احتلت اسرائيل هضبة الجولان وترك البلدة نصف سكانها وبقي الآخرون تحت سلطة الاحتلال الاسرائيلي.
ويروي أحد أبناء المنطقة من آل النميري أن الاحتلال الاسرائيلي لم يدخل قرية الغجر عام 1967، لكنه وقف على تخومها لاعتبارها لبنانية. ويبرر الموطن اللبناني علاقة الاهالي باسرائيل بأن من بقي من الأهالي بقي بلا سلطة لبنانية ولا سورية، مذكرا بأن "اسرائيل احتلت في حزيران 1967 منطقة الجولان السورية، لكن جيشها لم يدخل قرية الغجر لاعتبارها لبنانية، استنادا الى الوثائق التي كانت لديه".
وفي 1978، اجتاح العدو الإسرائيلي الحدود اللبنانية حتى الليطاني، أي بعمق حوالى أربعين كيلومترا من حدود فلسطين، ومنذ ذلك الحين الى أيار 2000 سيطر جيشه على جانبي الحدود، وتوسعت الغجر شمالا داخل الأراضي اللبنانية.
وقررت اسرائيل عام 1981 ضم الجزء المحتل من الجولان الخاضع للسيطرة الإسرائيلية، إلى ما يسمى دولة إسرائيل، بمقتضى "قانون الجولان". وتبعا لهذا القانون، انتهى الحكم العسكري في الجولان واعترفت بها إسرائيل كمحافظة إسرائيلية. وعقب القرار، تسلم سكان الغجر الجنسية الإسرائيلية.
في نيسان 2000، وبعد اشتداد عمليات المقاومة وانهيار جيش العملاء (جيش انطوان لحد)، قررت حكومة العدو الاسرائيلي سحب قواتها من الجنوب اللبناني. ولهذه الغاية طلبت إسرائيل من هيئة الأمم المتحدة رسم الحدود بين أراضيها والأراضي اللبنانية، بما في ذلك الحدود بين الجولان ولبنان. ورغم أن الأمم المتحدة رفضت الاعتراف بضم الجولان إلى إسرائيل، فإن القرار 425 لا علاقة له بالنزاع بين إسرائيل وسوريا، ولذلك طالبت الأمم المتحدة بسحب القوات الإسرائيلية إلى الحدود اللبنانية الجنوبية أيا تكن السيادة المعترفة بها في الإراضي الجنوبية، وأنشئ "الخط الازرق" (خط الانسحاب).
واستنادا الى تعليمات الأمم المتحدة ورسم "الخط الازرق"، تعبر الحدود اللبنانية مركز قرية الغجر وتقسمها إلى قسمين. بين 2000 و2006 إنتشرت قوات "اليونيفيل" والجيش اللبناني في القسم الشمالي من القرية، بينما سيطرت إسرائيل على القسم الجنوبي.
وفي عدوان تموز 2006، احتل الجيش الإسرائيلي الجزء الشمالي من القرية، ولا يزال يراقب جزءها الشمالي رغم انسحابه من بقية الأراضي اللبنانية بعد نهاية الحرب. وكان مقترحا نقل المسؤولية عن مراقبة شمال القرية إلى قوات "اليونيفيل"، ولكن تطبيق هذا الاقتراح ليس كاملا بعد، ولا تزال المفاوضات بين قيادة "اليونيفيل" وكل من إسرائيل ولبنان في هذا الموضوع مستمرة. وقررت حكومة العدو في 30-6-2010 الانسحاب من الجزء المحتل من قرية الغجر وتسليم السلطة الى "اليونيفيل" في إطار القرار الدولي 1701.
ويقول الناطق الرسمي باسم "اليونيفيل" نيراج سينغ ل"الوكالة الوطنية للاعلام": "ما نعرفه هو أن الجزء الشمالي من قرية الغجر والمنطقة المتاخمة الواقعة الى الشمال من الخط الازرق لا يزالان تحت الاحتلال الاسرائيلي. وقد اعترف جميع الاطراف، وأقروا بأن هذه المنطقة هي أرض لبنانية".
ويشير الى أن اسرائيل "ملزمة الانسحاب من تلك المنطقة، وان هذا الانسحاب مسألة ذات أولوية، وقوات اليونيفيل ستسعى الى تسهيله".
ويرى "أن حل هذه القضية قد طال انتظاره، والمهم الآن أن يتحقق انسحاب اسرائيل وفقا لالتزامها قرار مجلس الامن الدولي رقم 1701، وهذا لن يساعد فقط في تخفيف حدة التوتر، لكنه ايضا سيسهم إسهاما كبيرا في بناء الثقة في المنطقة".