تحقيق هدى زبيب
"لبنان بلد منتج للغاز". الامر لم يعد "مزحة"، ولا هو حلم يراود أبناء هذا البلد الذين لطالما شكوا افتقارهم الى الموارد الطبيعية. فقد دخل لبنان مرحلة جديدة، اذ ان كل شيء يدل على وجود مخزونات جوفية كبيرة من الغاز الطبيعي في مياهه الاقليمية والدولية، بما يؤمن تغطية حاجاته على مدى ربع قرن حدا أدنى، مع احتمال تحقيق فوائض تجارية قابلة للتصدير الى الاسواق المجاورة، وربما الى أبعد من ذلك في ضوء تنامي الحاجات الاستهلاكية في اوروبا.
واستنادا الى الدراسات العلمية المنجزة التي خلصت اليها شركة "بي.جي.اس" النروجية، اكتشفت مواقع عدة في محاذاة الساحل اللبناني تحتوي على كميات مؤكدة من الغاز و/او النفط، قد تبلغ بحسب الخبير النفطياللبناني ربيع ياغي نحو 25 تريليون قدم مكعب من الغاز على الأقل، و80 تريليون على الأكثر، ومليارا ونصف مليار برميل من النفط الخام إذا تأكد وجوده.
ماذا يعني ذلك؟ بحساب بسيط، فإن كل تريليون قدم مكعب تقدر قيمته بنحو 12 مليار دولار، وإذا كان نصيب لبنان من الغاز 25 تريليونا، فإن ثروته تقدر بنحو 300 مليار دولار، اما اذا كان 80 تريليونا، فالتقديرات تتجاوز ال 960 مليارا.
بالاضافة الى ذلك، فإن كل تريليون قدم مكعب من الغاز يغطي انتاج 5 آلاف ميغاواط من الكهرباء، وبالتالي فان لبنان بسبب موقعه على حوض البحر المتوسط، يمكنه ايضا ان يخطط لكي يصبح مصدرا للطاقة الكهربائية في المنطقة من خلال شبكات الربط التي ينتمي اليها.
لا شك في أن اكتشاف الغاز في المياه الاقليمية اللبنانية هو حدث في ذاته، ولكن اهمية هذا الاكتشاف تزداد بربطه بقطاعات أخرى واعدة، ويمكن ان تساهم في تحقيق التنمية المستدامة التي يتوق اليها اللبنانيون منذ زمن بعيد. فوزارة الطاقة والمياه على سبيل المثال وضعت خطة طموحة تقضي ببناء بنية تحتية حديثة لربط المصانع والمنازل بشبكة غاز داخلية، وهذا يؤمن عنصرا أساسيا من عناصر تحقيق القدرة على المنافسة في الاسواق الخارجية، عبر خفض أكلاف الانتاج، ولا سيما في الصناعات ذات الاستخدام الكثيف للطاقة. كما أن احلال الغاز تدريجا محل مصادر الطاقة الاخرى سيخفف التلوث ويعزز دور لبنان السياحي، ويخفض أكلافه الصحية التي تعد من الاعلى في العالم.
ولا تكتفي خطة وزارة الطاقة بهذه الجوانب، بل تسعى الى انشاء محطات للغاز مخصصة لتزويد وسائل النقل هذه المادة في إطار توجه يرمي الى خفض استخدام البنزين والمازوت اللذين يشكلان مصدرا اساسيا للتلوث في لبنان، فضلا عن انهما يستنزفان مبالغ طائلة من الاحتياطات بالعملات الاجنبية، بسبب عمليات الاستيراد المتنامية وفي ظل وجود أكثر من مليون و200 الف آلية في هذا البلد الصغير.
إذا، المسألة لا تنحصر في جوانب محددة، بل يمكن القول، بحسب الخبراء، ان اكتشاف الغاز سيغير وجه لبنان ويضعه على مسار مختلف لا يشبه ما مر به خلال قرن من الزمن. ولكن تأكيد وجود الغاز لا يعد سوى خطوة أولى على درب الألف خطوة.
فالسجالات الاخيرة التي تناولت مسألة قانون التنقيب عن النفط في البحر، تدفع الى شيء من الاحباط، ولا سيما أن هذه السجالات لم تكن تركز على المسائل الجوهرية، أو على الأقل هكذا بدت. فلبنان في حاجة الى تبني موقف موحد ليحفظ خطوات لاحقة قد تستمر سنوات قبل أن يبلغ مرحلة الاستخراج والاستهلاك والتصدير التجاري.
والواقع أن إيجاد البنية التشريعية أمر حيوي، إلا أن هناك خطوات أخرى قد تكون أكثر حساسية، منها ترسيم حدود لبنان الاقتصادية وتثبيت حقوقه في موارده الطبيعية وبناء منظومة متكاملة لحماية هذه الحقوق والدفاع عنها، ولا سيما أن العدو الاسرائيلي لم يتأخر كثيرا ليوجه تهديداته الى لبنان على خلفية سعيه الى الاستفادة من هذه الموارد.
لاعتماد الشفافية
واستنادا الى خبراء تحدثوا الى "الوكالة الوطنية للاعلام"، فإن الحكومة مطالبة بتحرك سريع لتحويل الحلم الى واقع، مع ما يقتضيه ذلك من اعتماد أقصى الشفافية في عمليات التلزيم والاستثمار وتحديد الاستخدامات المثلى للعائدات المالية التي يمكن أن تتأتى من استخراج الغاز.
الدليل العلمي ايجابي
يعرض المستشار في الشؤون النفطية المهندس الدكتور ربيع ياغي مراحل المسح الجيولوجي للشركة النروجية "بي.جي.سي" (بتروليوم جيو سرفيس)، فيشير الى أنها بدأته عام 2006 واستكملته عام 2008، بما يسمى عملية مسح جيوفيزيائي ثنائي وثلاثي الابعاد، باستعمالها أحدث الوسائل التقنية المتبعة دوليا في عمليات المسح البحري. وبعد ظهور التحاليل الناجمة عن هذا المسح، تبين بالدليل العلمي أن النتائج في المياه الاقليمية اللبنانية والمنطقة الاقتصادية الخالصة العائدة الى الولاية القضائية اللبنانية إيجابية جدا وواعدة، من حيث الوفرة في مادتي الغاز و/او النفط الخام او كليهما معا.
ويلفت ياغي الى أن هذه النتائج، إضافة الى ما تم اكتشافه علميا في شمال فلسطين، اكتسبت صدقية أعمق وأوجدت اهتماما دوليا واسعا من الشركات الكبرى بالمياه الاقليمية اللبنانية الواعدة.
ووفقا للنواحي التقنية لهذه النتائج، يؤكد ياغي "أن المناطق الواقعة خارج الحدود الاقليمية، أي معظم المناطق الواعدة، هي في المنطقة الاقتصادية الخالصة التي تصل بين لبنان وقبرص، وقد تم اتفاق مبدئي على تقسيم هذه المناطق، أي بمعنى 50 في المئة لكل بلد"، مشيرا الى "أن المسافة بين لبنان وقبرص كمعدل عام هي في حدود 125 ميلا بحريا، وفي المحصلة فإن للبنان الحق في التنقيب والاستكشاف بـ60 ميلا بحريا، كذلك لقبرص".
ويضيف: "إذا كان هناك من مكامن مشتركة على الخط الفاصل، تستثمر ويتم تقاسمها تبعا لنسبة وجودها في الداخل اللبناني أو في الداخل القبرصي، وهذه العملية يحكمها قانون البحار الذي أقرته الامم المتحدة عام 1982، بما يسمى compaction water seas، مما يعني أن المياه اللبنانية من الشمال الى الجنوب، هي مناطق واعدة جدا، حيث أن قعر البحر على امتداد الشاطئ اللبناني أو السواحل اللبنانية هو "plate salty"، أي طبقة مالحة، وعادة ما تخفي هذه الطبقات تحتها الHydrocarbons، وهي بسماكة تراوح بين 700 وألف متر، وهذه الطبقات تكون دائما مؤشرا الى وجود ما في باطنها".
النتائج مؤشر علمي
ويوضح "أن نتائج البحوث والتحاليل تعطينا مؤشرا علميا لحتمية وجود الHydrocarbons، ناهيك بالقيمة المضافة التي أعطتها الاكتشافات في شمال فلسطين، التي تتمتع بالجيولوجيا نفسها، فهي الاقرب الى جنوب لبنان، وبالتالي هذا الامتداد الجغرافي الذي يجمع بين فلسطين المحتلة وقبرص ولبنان، وهذا التطابق الجيولوجي والامتداد الجيولوجي الواحد، يؤكد أنه ما دام الHydrocarbons موجودا في شمال فلسطين، سيكون موجودا في لبنان وحتى في قبرص".
ويضيف ياغي: "نحن في مرحلة تأكيد علمي، لكن التثبيت، أي الانتاج التجاري، هو في حاجة الى عملية حفر، وتسمى عملية استكشاف لقاع البحر أو ما تحته. ونحن نتحدث عن 4 آلاف متر تحت سطح البحر، لأن معدل المناطق التي سيتم الحفر فيها هو بين 3 و5 آلاف متر".
ويشدد على "أن الحفر التجريبي هو الذي يعطينا نتائج عن الكميات المتوقع وجودها، وهل هي من حيث الحجم ذات جدوى اقتصادية أم لا؟ ونستطيع القول علميا إن النتائج مطمئنة مئة في المئة، لكن عمليات الحفر التجريبي ضرورية لندحض الشك باليقين، وذلك سيحصل بعد تقسيم المناطق البحرية اللبنانية الى قطع تطلق عليها تسميات كامتياز للشركات العالمية المتقدمة بعروض، بغرض الاستكشاف والانتاج، ثم إن نتائج بداية العمل لهذه الشركات هي التي تؤكد ذلك".
ويوضح ياغي "أن الشركات تأتي الى لبنان، بناء على الدورة الاولى من استدراج العروض التي يسبقها اعلان كامل لمدة ستة اشهر في الجرائد والمجلات المحلية والعالمية، وتكون معظم هذه الشركات قد قامت بشراء الداتا والمعلومات الجيولوجية التي أظهرها مسح الشركة النروجية".
ويشرح: "بحسب الاعراف، فإن الشركة عندما تكون لديها نتائج واعدة في منطقة معينة لكونها قامت بالعمل دون مقابل، فهي تسترد ما تكلفته من خلال بيعها لهذه المعلومات، التي هي واعدة جدا. وتتقاسم العائدات مع الدولة صاحبة الملكية لهذه الثروة".
ويشير الى "أن لبنان يقع ضمن حوض شبيه بحوض الدلتا في مصر، وهو واعد جدا، والتقديرات الاولية لحوض تقع ضمنه فلسطين المحتلة ولبنان وقبرص وجزء من سوريا كذلك، تشير الى إمكان احتوائه على الغاز أو النفط، وعلى 122 تريليون "كيوبيك فيلد" من الغاز الطبيعي، وما يقارب مليارا ونصف مليار برميل من النفط الخام".
ويلفت الى "أن الاستكشاف والحفر التجريبي يظهران حجم الكمية في كل بلد أو في كل منطقة. وأظهرت النتائج الاولية خلال الاستكشافات في شمال فلسطين المحتلة، وجود نحو 25 تريليون قدم مكعب من الغاز، وأصبح هناك احتياط ثابت، وبالتالي إذا كان عندهم هذه الكمية، فيمكن أن نجد في لبنان الكمية نفسها أو 70 أو 80 تريليونا"، مقدرا قيمة ال25 تريليونا ب300 مليار دولار.
حاجة لبنان
ويوضح ياغي أنه إذا أراد لبنان أن يؤمن كهرباء في حدود 5 آلاف ميغاواط، أي 3 أضعاف ما هو قائم حاليا، وذلك بحسب خطة الكهرباء، فإنه يحتاج سنويا الى حدود تريليون "كيوبيك فيلد". فإذا أنتجنا 25 تريليونا، تكفينا لمدة 25 سنة. وعليه، يتحول لبنان من بلد منتج الى بلد مصدر، وبعد تغطية الاستهلاك المطلوب، يمكن تصدير الفائض بكل سهولة، ويكون لبنان قد حصل على الاكتفاء الذاتي في خصوص انتاج الطاقة من مادة نظيفة كالغاز الطبيعي، لا تلوث فيها، والباقي للتصدير، وذلك من خلال إنشاءات وتجهيزات خاصة بعملية تسييل الغاز بغرض تصديره بواسطة البواخر أو بمد أنابيب لتصديره في حالته الطبيعية. لكن هذه العملية كلها تحتاج الى عمل دؤوب. وللقيام بعمليات التنقيب وبدء الانتاج التجاري، تلزمنا ست أو سبع سنوات".
وقياسا بالأسعار اليوم، فإن 25 تريليون قدم مكعب من الغاز يوازي 300 مليون دولار، وهنا يؤكد ياغي "أن العائدات المالية والمتوقعة من جراء استخراجه ستكون مرتفعة جدا وستغطي ديوننا وأكثر"، معتبرا "أن لبنان في طريقه الى أن يكون بلدا نفطيا بحسب النتائج العلمية للمسح الجيولوجي".
ولا يرى أي عوائق داخلية أمام استخراج النفط من البحر، مشيرا الى "أن القانون قيد الانجاز بالتكامل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ثم تأتي الاجراءات الادارية وعملية تنظيم استدراج العروض والاعلان عنها ومفاوضة الشركات واختيار أفضل الشروط حتى يتم التفاوض معها لاستكمال هذه الاجراءات، عندها على الشركة التي رسا الاتفاق عليها ووقع العقد معها (عقد الاستكشاف والانتاج)، ان تباشر عملها في أسرع وقت ممكن، علما أنه لا يمكن لشركة أن تضع استثمارا معينا، ثم تتباطأ بالعمل. كل الشركات الكبرى تريد المباشرة اليوم قبل الغد، وهناك شركات عالمية عدة تنتظر قانون النفط في لبنان حتى تجري اتصالاتها بالجهات المعنية، بهدف الحصول على حق امتياز التنقيب".
وعن تهديدات العدو الاسرائيلي، يقول ياغي "إن القانون الدولي وقانون الامم المتحدة لاقتسام الثروات البحرية واضح، ولكل دولة الحق في استكشاف ثرواتها الطبيعية واستثمارها داخل مياهها الاقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة العائدة اليها، والتي يضمنها القانون الدولي الصادر عام 1982".
على نار قوية
ويخلص ياغي الى القول إن الاهم "هو أن قانون النفط المرتقب في لبنان على نار قوية، وسيصدر خلال الاسابيع القليلة المقبلة في الجريدة الرسمية، بعد مناقشته في مجلس النواب. أما الخطوة التالية، فهي العملية التنظيمية التي ستقوم بها الوزارة المعنية والحكومة، حتى تتم عملية تثبيت الحدود اللبنانية البحرية من خلال الامم المتحدة، وتقسيمها الى قطع او "بلوكات" حتى يتم تلزيم كل "بلوك" لشركة معينة، وحينها تكون لكل شركة مساهمة محددة في عمليات الاستكشاف والتنقيب وما يقتضيه ذلك من بناء منصات ومد أنابيب وكابلات، أي أنه ستكون هناك ورشة حقيقية كما في أي بلد ينتج النفط".
شكوك
الاستاذ في الجامعة الاميركية، الخبير النفطي الدكتور عطا الياس الحائز دكتوراه في الجيوفيزياء، يعرض المراحل التي تؤشر لوجود النفط في لبنان، فيذكر بأن النفط كان يستخدم في تحنيط الاموات، وهو معروف منذ القدم في البحر الميت وفي منطقة البقاع في لبنان، حيث كانت هناك مقالع للاسفلت في العشرينات تستخرج منه زيوت نفطية".
ويلفت الى "أن بلادنا كانت محط انظار الاستعمار على مر الازمان، فثرواتها الطبيعية كانت مركز طمع ومن ضمنها النفط. وعلى الرغم من ذلك، ثمة شكوك في وجود نفط في البحر، مع أن هناك تأكيدا لذلك من بعض الدراسات. إلا أن الاحتمال كبير جدا بوجود الغاز الطبيعي".
ويشدد على "أن تقارير الدراسات عن وجود الغاز كانت أكثر إيجابية، ولا نستطيع أن نثبت وجود النفط الا عند الحفر، وهذا ما لم يتم بعد".
وفي شرحه للتقنية المستخدمة في استطلاع وجود النفط، يلفت الى انه "تم إجراء مسح زلزالي يعتمد على الموجات الزلزالية للطبقات الموجودة تحت البحر، واعتمدت تقنية التصوير بآلات متطورة عبر استخدام مراكب متخصصة، فالتقطت صور لقعر البحر وحتى للطبقات تحت قعره، وأظهرت مؤشرات لوجود غاز و/او نفط".
ويوضح الياس "أن الدراسات البحرية بدأت شمال لبنان قبالة طرابلس في التسعينات، ولم تصل الى مرحلة التنقيب"، رابطا هذا الامر ب"العوائق السياسية، ومنها وجود الاحتلال الاسرائيلي، علما أن الدراسات استمرت عام 2000، ولكن يبدو أن الظرف اليوم اصبح مؤاتيا سياسيا".
الفساد سيهدره
ومع أنه يرى أن إثارة موضوع النفط في هذا التوقيت تأتي لاسباب سياسية معينة، داخلية واقليمية، يتمنى "ألا يثار موضوع النفط نظرا الى الفساد المستشري في البلد"، بحسب رأيه. ويرد ذلك الى أن الثروة المائية في لبنان، "وهي مصدر غناه، ملوثة وآيلة الى النضوب"، محذرا من "أن عدم تنظيم عملية استخراج النفط وادارته وبالتالي تقاسم حصصه ستؤدي بهذا المورد الى مصير مشابه للثروة المائية، والمطلوب أن ينص القانون الخاص باستخراج الغاز والنفط على إنشاء جهاز رسمي مهمته المراقبة، إذ إن الفساد في لبنان قد يؤدي الى إهدار هذه الثروة خلال 50 عاما".
ولا يخفي الخبير "أن لبنان تنقصه الخبرات البشرية، إذ إن معظم الجيولوجيين وأصحاب هذا الاختصاص يعملون في الخارج لدى شركات أجنبية كبرى".
ويرى "أن على لبنان أن يبدأ بالتنقيب في أماكن لا خلاف عليها مع العدو، ويمكن أن تكون قبالة شواطئ بيروت، وعلى المسؤولين أن يتحركوا قانونيا للمحافظة على حق لبنان في التنقيب ضمن مياهه الاقليمية، وألا ينتظروا قانون التنقيب عن النفط لتحديد مياهنا الاقتصادية، بل يجب التلازم بين الامرين، وعندما يحدد لبنان مياهه الاقتصادية تسهل عليه المطالبة بحقه".
ويكشف أن ما قامت به اسرائيل في التنقيب، "يمكن أن يكون لمصلحة لبنان والاستفادة منه، بخاصة أن موقفه في هذا الجانب أقوى من موقف الدولة المحتلة، ولا سيما في موقع التفاوض مع الشركات العالمية، حيث أصبح لبحر لبنان قيمة اقتصادية تتنافس عليها الشركات الكبرى، وهذا ما لفتت اليه اسرائيل على لسان مسؤوليها، حين أشاروا الى أنهم أيقظوا قضية النفط من الاعماق، فأتى لبنان يجني ثمارها".
مقاضاة اسرائيل؟
وفي إطلالة على معطيات نشرت في صحف، أن المصارف الدولية ترفض تمويل الامتيازات التي تمنحها اسرائيل للتنقيب عن النفط والغاز، باعتبار أنها مخالفة للقانون الدولي، إذ إن هذا القانون الذي تعترف به كل دول العالم حدد لكل دولة منطقة بحرية تصل الى 12 ميلا بحريا أو 22 كيلومترا عن الشاطئ، وفي وسع كل دولة أن تضيف مسافة مماثلة.
وتسمح المعاهدة الدولية لقوانين البحار من العام 1982 بالاعلان عن مسافة اضافية تصل الى 200 ميل بحري كمنطقة اقتصادية خاصة.
ولان كل اكتشافات الغاز، استنادا الى تحليلات، تقع خارج المياه الاقليمية الاسرائيلية، يمكن للدول المتضررة أن تعترض على ذلك ويحسم الامر في مؤسسات الامم المتحدة، وتقاضي اسرائيل امام محاكم دولية، كالمحكمة في لاهاي التي لها صلاحية للبحث في هذه المسألة.
ولجني هذه الثمار، بدأ لبنان بالتحضير لملف قانوني عبر وزارة الخارجية امام مجلس الامن في الامم المتحدة، لاثبات حقه في مياهه الاقليمية او الاقتصادية. الا ان الامر لن يكون سهلا، لكون لبنان لا يعترف بوجود "دولة اسرائيل".
مع من نحكم؟
وبحسب الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني، غالبا ما تتفق الدول في ما بينها، وعند اختلافها على حدودها تتوجه الى محكمة العدل الدولية، المنوطة بحل الخلافات بين الدول وفق المادة 34 من نظام المحكمة.
ويسأل: "كيف يذهب لبنان الى طلب التحكيم مع دولة لا يعترف بوجودها؟" ويلفت الى كونها "إشكالية كبرى، اضافة الى ان مجلس الامن الدولي غير معني بترسيم الحدود بين الدول، ولم يسبق للامم المتحدة ان رسمت حدودا، وقد حصل ذلك أيضا لمرة واحدة في ما يتعلق بالحدود بين العراق والكويت، مما شكل سابقة خطيرة آنذاك".
وإذ يشير الى "أن ثمة خلافات حدود بين دول عدة، الا ان الاشكالات تحل اما باتفاق بين الدولتين، وإما بالذهاب الى التحكيم في محكمة العدل"، يلفت الى "أن أكثر القضايا المطروحة او تلك التي طرحت امام هذه المحكمة تتعلق بمسألة الحدود البحرية".
ودعا جوني لبنان الى رفع شكوى ضد "اسرائيل" امام مجلس الامن مشيرا الى ان انتهاك "اسرائيل" لهذه الحدود وتعديها عليها يعطي الحق للبنان بالدفاع عن نفسه ويردع العدوان ومنعه بالقوة وذلك من قبل الجيش اللبناني والمقاومة.
الجواب في قعر البحر
وتبقى الاشارة الى أن الموارد المكتشفة هي من منظار تنموي ووطني حق من حقوق أجيال اليوم والغد، وبالتالي لا يجوز استنزافها في تلبية حاجات ظرفية وراهنة، بل يجب ضمان توظيفها بشكل حاسم في إرساء أصول جديدة ومهمة للبنانيين تساهم في تطوير نوعية حياتهم ومستقبلهم.
فهل هناك إرادة حقيقية لنقل لبنان من بلد مديون الى بلد نفطي؟ سؤال برسم باللبنانيين وحدهم، والجواب في قعر البحر.