تحقيق- لميا شديد وغسان عازار
وطنية - 2/7/2010 ها هو مستشفى البترون، بعامليه وموظفيه ومستخدميه، يدخل مرحلة المجهول بعد قرار إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي التوقف عن استثماره قبل انتهاء مدة العقد الموقع بينها وبين وزارة الصحة. ويا للاسف، لم تجر رياح المستشفى بما اشتهت إدارة صندوق الضمان التي أرادت التجربة نموذجية رائدة، إلا أنها لم تحقق مبتغاها، فاستثمرها الضمان من وزارة الصحة العامة وأراد تعميمها على كل المناطق، لكنها بقيت يتيمة بسبب الظروف العامة في البلد التي حالت دون نجاحها وتعميمها في الوقت نفسه.
مستشفى البترون هو الوحيد في لبنان للضمان الاجتماعي، أي أن الضمان هو رب العمل، بخلاف المستشفيات الاخرى التي تتعاقد مع الضمان. استثمره الضمان عامي 1973 - 1974 لاستيعاب المضمونين، بموجب عقود سنوية، باستثناء العقد الحالي الذي تنتهي مدته سنة 2015.
50 طبيبا من مختلف الاختصاصات وبكفاءات عالية يزاولون العمل من أصل أكثر من 100 طبيب مسجلين في لوائح المستشفى، يؤمنون الخدمات الطبية بمستوى عال، ولكن منذ بنائه لم يشهد هذا الصرح أي أعمال تأهيل أو صيانة، وعمله لا يؤمن تكاليف الحاجات الاساسية المطلوبة، والعجز متواصل بسبب تدني نسبة الاشغال. ولم يحظ يوما بأي دعم أو مساعدة من أي مؤسسة إنسانية عالمية أو أي دولة، أسوة ببقية المستشفيات، باستثناء مساهمات من بعض الشركات العاملة في المنطقة والبلديات والمؤسسات الانسانية وأفراد، بلغت قيمتها نحو 350 ألف دولار.
ولهذا العجز في الموازنة أسبابه ونتائجه، ولكن العزم معقود للمحافظة على هذا الصرح الاستشفائي الذي هو الملجا الوحيد لابناء منطقة البترون وللعديد من أبناء الشمال، إلا أن الحذر شديد من فقدان الثقة به إذا لم تتضافر الجهود، خصوصا من المؤسسات الضامنة، وتحديدا وزارة الصحة.
يقدم المستشفى حاليا الخدمات الطبية والاستشفائية لجميع المرضى، ويستقبل كل الحالات الطارئة والعمليات الجراحية ويؤمن كل الخدمات بشكل جيد وكامل. ويضم 104 أسرة، علما أن نسبة الإشغال حاليا تسجل 45 في المئة، وهو رقم متدن يدل على أن هناك عجزا حاصلا في موازنته".
ومعلوم أنه بحسب القانون الداخلي والانظمة الداخلية للمستشفى، يسدد الضمان العجز في حال حصوله في موازنته، وإذا أثمر العمل وفرا فيتولى المستشفى دفع مبلغ من المال المتوافر للضمان.
لكن التدني الحاصل اليوم في مستوى الاشغال يؤثر سلبا على مدخول المستشفى وعلى الاطباء أيضا، ومرده الى وضع الفندقية والاثاث والبنى التحتية التي أصبحت قديمة ولم يدخل عليها أي تطور منذ عام 1973. وفي حين أن التجهيزات الاساسية متوافرة، يلاحظ أن الأسرة القديمة ما زالت تعمل على "المانيفيل"، ومنها ما هو معطل، والمراحيض في حاجة الى تأهيل وتجديد وصيانة. أما الانظمة الداخلية فأصبحت بدورها مهترئة أيضا، كيف لا وقد وضعت عام 1973؟ كل ذلك يؤثر على مسيرة المستشفى لجهة الاشغال، بحيث يفتش المرضى عن مستشفيات حديثة ومؤهلة وجديدة الأثاث.
هذه التراكمات كلها حالت دون تأمين التوازن المالي للمستشفى الذي يتطلب نسبة إشغال 60 في المئة، وهو ما لم يتحقق منذ سنوات رغم إجراء بعض التحسينات في التجهيزات الداخلية، إذ تم تأمين غرفة أشعة مع التجهيزات الجديدة، وتغيير جهاز التعقيم في غرفة العمليات، وبناء براد لعلاج النفايات الطبية، الامر الذي يجعل هذا المرفق بمستوى الصروح المهمة في لبنان".
ومن العوائق في العمل، الديون المترتبة على وزارة الصحة والمؤسسات الضامنة لمستشفى البترون الذي له نحو مليار ليرة مع وزارة الصحة، منها 300 مليون للاطباء، وهو ما يسمى عقود المصالحة لسنة 2000-2001، وهذا رقم يمكن ان يصنع العجائب في المستشفى، لأن المداخيل المؤمنة من عمله حاليا لا تسد تكاليف الحاجات اللازمة لتحسين التجهيزات وتطوير اداء العمل.
ولعل المفارقة المؤلمة هنا أن المريض يدخل بأقل كلفة من كل المؤسسات الاستشفائية، ويحصل على أفضل الخدمات والادوية، لكن الحاجة ماسة الى موارد مالية هي حق للمستشفى، وعليه، المطلوب لفتة جدية من المؤسسات الضامنة.
هذا الواقع يضع المستشفى حاليا أمام ثلاثة خيارات، إما الاستمرار باستثماره من إدارة الضمان، وإما إعادته الى وزارة الصحة، وإما إشراكه في القطاع الخاص لاستثماره.
وأمام هذه الخيارات، يرى المهتمون والمتابعون والمعنيون بوضع المستشفى أن أي قرار يصدر في هذا الشأن يجب أن يلاقي الدعم ليبقى المستشفى صرحا طبيا يؤمن الخدمات الطبية والاستشفائية والعلاجات للمرضى.
باسيل
رئيس نقابة الموظفين والمستخدمين في المستشفى سعد باسيل يؤكد أن "استمرارية العمل فيه من الأولويات، وهي شرط اساسي إذا تحول الى اي من الخيارات الثلاثة، وان استمرار الوضع على ما هو ليس مقبولا على كل المستويات، ومن الضروري ايجاد الحل الجذري للوضع القائم في أسرع وقت. والمطلوب إعادة تأهيل الاقسام بما تضم من تجهيزات وبنى تحتية، وصرف الأموال لتجهيز المستشفى بالمعدات الطبية المتطورة واعادة هيكلة الجهاز البشري".
فاضل
ويشير رئيس اللجنة الطبية في المستشفى الدكتور غسان فاضل الى "أن المستشفى يكاد يدخل مرحلة الموت السريري، وفي حال بلغنا هذه المرحلة لن يتمكن أحد من التكهن في كيفية المصير الذي سنؤول اليه". ويؤكد "أننا نعيش أسوأ المراحل والفترات في تاريخ الصرح، والكل يتحمل المسؤولية دون استثناء. فالمواطن البتروني وخصوصا القريب من هنا والذي كان يتم إنقاذه من الموت بثوان سيفقد هذا الرهان. إن المرضى في القرى المجاورة الذين أنقذوا مرات عدة من الموت، سيلامس الخطر حياتهم اذا أقفل هذا المستشفى، بالاضافة الى الخدمات الطبية التي نقدمها لأعداد كبيرة من المرضى من مختلف مناطق الشمال. ونحن اليوم نحمل الجميع المسؤولية، من دون استثناء، حتى الهيئات المدنية والأحزاب السياسية التي حشدت بالملايين في ساحات بيروت في السنوات الأخيرة هي الآن عاجزة عن اصدار بيان يوضح موقفها من وضع المستشفى. والأدهى أن هناك ثلاثة نواب ووزيرين يديرون شؤون منطقة البترون، وهي للمرة الأولى تاريخيا تشهد هذا الرقم. لهذا نطرح الصوت، وبالتحديد على الذين يتحملون المسؤولية، ونطلب الاجابة ونريد وجهة نظرهم حول مستشفى البترون، ونحن نستنهض همم أهالي البلدة الجارة عمشيت، بلدة فخامة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان الذي عليه نعلق الآمال في معالجة ملف المستشفى، وخصوصا أنه قد اطلع على أدق التفاصيل".
ويضيف فاضل: "ان النظرة المستقبلية للمستشفى ولكل الأطباء والعاملين فيه هي رفض الخصخصة لجشع أصحاب رؤوس الأموال، الذين حولوا الاستشفاء الى تجارة رابحة، مما قد يلحق الأذى بالطبقة الفقيرة وخصوصا في البترون والشمال. إن الوضع المتردي الذي بلغه المستشفى جعلنا نقبل بأي هيئة ضامنة، ان كان الضمان أو وزارة الصحة، شرط أن نكون جديين في التعامل مع هذا الصرح، فضلا عن حاجة المستشفى الى اعادة التأهيل والتجهيز".
رستم
ويرى رئيس مجلس إدارة المستشفى الدكتور جورج رستم أن "الحل الانسب هو في أن يبقى الصرح في عهدة الضمان، مع تغيير في صيغة الادارة لجهة اعطاء صلاحيات لمديره ومجلس ادارته كما كان الوضع قبلعام 1994، فضلا عن مراقبة الضمان للمستشفى مرة أو أكثر في السنة". ويلفت الى "أن الصيغة الحالية للضمان غير مجدية لادارة المستشفى لجهة الصلاحيات المحدودة".
ويعتبر أنه "في حال تحول المستشفى الى وزارة الصحة العامة، فذلك سينعكس سلبا على الموظفين والأطباء لجهة دفع المستحقات. وإذا تحول الى مؤسسة خاصة فهذا يعني أنه لم يعد مستشفى "أم الفقير"، ويتحول الى مستشفى "أم الغني"، ولكل حسناته وسيئاته".
ويبقى مصير المستشفى والموظفين مرهونا بقرار ستتخذه وزارتا العمل والصحة وإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعليه يتوقف كل شيء.