تحقيق منى سكرية
وطنية – 24/6/2010 معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق بين لبنان وسوريا لطالما تعرضت لانتقادات على أساس أنها تضمنت غبنا للبنان ومسا بسيادته، بحسب عدد من الأطراف السياسيين اللبنانيين.
فهذه المعاهدة التي وقعت بعد اتفاق الطائف في عام 1991، تضمنت ست مواد أساسية نصت على تحقيق أعلى درجات التعاون والتنسيق في إطار سيادة لبنان واستقلالهما.
واليوم، وبعد مرور اقل من عشرين عاما على هذه المعاهدة، لا تزال المواد التي تتضمنها تراعي متطلبات المرحلة الحالية، كعدم جعل لبنان مصدر تهديد لأمن سوريا، وبالعكس، في حين أن مواد أخرى لم يعد من داع لها بعد تبادل السفراء بين لبنان وسوريا، وبحكم الانسحاب السوري، كالمادة الرابعة التي تتحدّث عن خريطة تمركز القوّات السورية في لبنان.
إلى جانب هذه المعاهدة هناك الاتفاقات الموقعة بين الوزارات المختلفة في البلدين كالداخلية والعمل والدفاع وغيرها، وكلها ترمي إلى تنظيم التعاون المشترك وتنسيقه بحسب كل قطاع ووزارة.
فالجليد اللبناني – السوري الذي تكون عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري كسرته زيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في العام 2008 بعد انتخابه رئيسا للجمهورية، وتركت هذه الزيارة ارتياحا لدى الجانبين اللبناني السوري، وبدأت العلاقات اللبنانية السورية تعود تدريجا إلى طبيعتها بعد الزيارة التي قام بها الرئيس سعد الحريري إلى دمشق في كانون الأول 2009 حيث خطا الخطوة الأولى نحو إعادة التطبيع على أساس الحاجة المتبادلة لعلاقات مميزة مع الشقيق الأقرب.
وفي خلال هذه الزيارة، تم الاتفاق على وضع أسس جديدة لهذه العلاقة، تتجاوز الطابع الشخصي لتصل إلى المؤسساتي. وبين الزيارة الأولى والثانية، انكبّ الوزراء على درس الاتفاقات الخاصة بوزاراتهم والموقّعة مع نظرائهم السوريين، فكانت زيارات متبادلة عدة بين المسؤولين في البلدين لإعادة النظر في بعض الاتفاقات المشتركة.
وناقشت الحكومة اللبنانية الاتفاقات وقدم الوزراء ملاحظاتهم على تلك الاتفاقات الخاصة بوزاراتهم لترفع إلى لجنة تتولى درس بعض الاتفاقات وتعديلها. وخطت الحكومتان اللبنانية والسورية خطوات أساسية قبل تعديل بعض الاتفاقات بعدما أنهت اللجنة الإدارية والتقنية وضع الملاحظات على 15 اتفاقا، وتجهيز ثمانية اتفاقات أخرى لوضع اللمسات الأخيرة وذلك من أصل 148 اتفاق وبروتوكولا ومذكرة تفاهم وبرنامجا تنفيذيا.
ويرجح أن تثمر الاتصالات تحديد موعد لزيارة الرئيس الحريري والوفد الوزاري لدمشق بين 5 تموز و6منه.
وفيما يتواصل البحث في الاتفاقات تمهيدا للاجتماع المرتقب لهيئة المتابعة والتنسيق برئاسة رئيسي حكومتي البلدين من اجل التوقيع، رفض وزير الدولة جان أوغاسبيان في حديث إلى"الوكالة الوطنية للإعلام"، تحديد موعد الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها رئيس الحكومة سعد الحريري لدمشق على رأس وفد وزاري لتوقيع الاتفاقات التي تم التوافق على تعديل مسوداتها بين الجانبين اللبناني والسوري في الاجتماعات التي عقدتها اللجان التحضيرية السورية- اللبنانية المشتركة في 13 الجاري في دمشق، لكنه أعلن أن وفدا سيشارك يومي 28 من الجاري و29 منه ستعقد في دمشق لاستكمال البحث في مشروع اتفاق تنظيم انتقال الأشخاص ونقل البضائع "لأنه مشروع كبير، ويأخذ حيزا كبيرا من النقاشات باعتبار أن ثمة تباينات في المواقف نتيجة الأنظمة التي تختلف بين لبنان وسوريا" كما قال الوزير أوغاسبيان، لافتا إلى" التوافق الذي حصل لتعديل مشروع اتفاق الملاحة البحرية، ومشروع الاتفاق في مجال التسهيلات لإنشاء شركات ملاحة بحرية خاصة".
وإذ أكد أن الاجتماعات برئاسته انتهت، كشف" أن لا برنامج مستقبليا لوفد لبناني مؤلف من وزارات عدة، لأن المتابعات ستكون على مستوى ثنائي بين المعنيين من مديرين عامين وتقنيين وبعض المستشارين، ووفقا لمواعيد محددة".
وقال:"إن التوافق بين الجانبين اللبناني والسوري على تعديل بعض الاتفاقات، يحصل للمرة الأولى منذ توقيع معاهدة التعاون والتنسيق والأخوة بين البلدين في 22 أيار 1991، لأن تغيرات كثيرة طرأت، منها على سبيل المثال في السياسات الاقتصادية التي تخضع لتحولات كبيرة وكثيرة، وما شهدته سوريا أخيرا من متغيرات على مستوى سياساتها الاقتصادية والمالية والتجارية، وهذه المجالات قد تخضع لتغيرات دائمة ومستمرة لتواكب المتغيرات العالمية"، وتاليا لرغبة الطرفين في بناء علاقة مؤسساتية تضمن مصلحة البلدين".
ولفت إلى "أن النقاشات تستكمل حول اتفاقات مثل بروتوكول التعاون في إطار تبادل المنتجات الطبية والدوائية" في مجال الصحة، بسبب وجود أكثر من طرف في لبنان معني بهذا البروتوكول ولاسيما في القطاع الخاص والجمارك".
وأعلن اوغاسبيان " أن وفدا مشتركا من كل القطاعات اللبنانية المعنية بهذا البروتوكول قد تم تأليفه، وهناك اتصالات بين وزارات البلدين لتحديد اجتماعات والبحث في هذا البروتوكول".
وأشار إلى انه "تم التوافق على وضع برنامج ثقافي للأعوام 2010 و2011 و2012 بين البلدين، ووضع اتفاق تعاون لمشروع مكافحة المخدرات، والتوافق في مجال القطاع الزراعي على مسودات الصحة الحيوانية، الحجر البيطري، الزراعة بصورة عامة، وقاية النبات، توحيد قواعد ترخيص الأدوية واللقاحات البيطرية"، وتم أيضا التوافق في مجال العدل" على مسودة اتفاق لنقل الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية"، إضافة إلى اتفاقات في مجالات البيئة والتربية والتعليم والسياحة الخ..."
وعن الاتفاقات ذات الطابع الأمني أكد الوزير اوغاسبيان" أن النقاشات مستمرة حول اتفاق الدفاع والأمن. وهناك تقارب كبير بين البلدين في هذا الشأن، ولكن بعض النقاط في حاجة إلى مزيد من النقاش والتمحيص".
السيد حسين
من جهته، رأى وزير الدولة الدكتور عدنان السيد حسين في حديث إلى "الوكالة الوطنية للإعلام" "أن العلاقات اللبنانية- السورية تحتاج أولا إلى إدراك معنى الجغرافيا السياسية التي تربط لبنان بسوريا"، مذكرا" بالبيانات الوزارية لكل الحكومات اللبنانية التي تشكلت منذ مطلع الاستقلال وتحدثت عن هذه العلاقات".
وقال:" هذه الحقيقة الجيو- سياسية ربطت لبنان بسوريا بشبكة مصالح تجارية واقتصادية واجتماعية، فضلا عن الضرورات الأمنية بعد قيام اسرائيل عام 1948 وما نتج من تحديات الدولة العبرية ضد لبنان وسوريا معا والقضية الفلسطينية والحقوق العربية بشكل عام.
وهذه المعطيات تستدعي أن نتحدث عن علاقات مميزة، وتحتاج إلى الوعي في هذه العلاقات المميزة، فلا يجوز القول أن سوريا جار فقط، لأن ذلك يختزل العامل الجغرافي-السياسي، من دون أن ننسى علاقات القرابة والمصاهرة والثقافة بين طوائف البلدين ومن كل مناطقهما".
ووصف الوزير السيد حسين علاقات السلطتين في البلدين في فترة ما بعد التسعينيات بأنها لم تكن موفقة، لأنه لم يكن من المفترض الدخول في سياسة الزواريب، والحفاظ على المبادئ العليا، بعيدا عن التجاذب والمصالح الضيقة وتدخلات أجهزة الاستخبارات".
ورأى" أن الاتفاقات المعقودة يجب أن ترعاها مؤسسات البلدين"، مشيرا إلى أن هناك محاولة جدية يرعاها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان لبناء علاقة مؤسساتية قائمة على المصالح، واستراتيجيا قائمة على مواجهة الخطر المشترك المحيط بنا من العدو الإسرائيلي، إضافة إلى الجهود التي تبذلها الحكومة برئاسة الرئيس الحريري لتحسين العلاقات اللبنانية – السورية ".
وكشف الوزير السيد حسين" أنه سيتم توقيع أكثر من 15 اتفاقا، وأن هناك اتفاقات أمنية قيد الدرس وسيتم التوقيع عليها لاحقا، وبذلك نكون قد راعينا المصالح والملاحظات المشتركة من كلا الطرفين، لئلا يبقى لبنان مصدر تهديد لسوريا وبالعكس".
وأكد "أن معاهدة التعاون والتنسيق والأخوة باقية، إنما الاتفاقات التي انبثقت منها قابلة للتعديل من الطرفين وفقا للأصول الدستورية، ولكن المعاهدة تخضع للتعديل إذا ما ارتأى المجلس الأعلى ذلك خصوصا بعد إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين".
ولفت إلى "أن هناك اتفاقات تجاوزها الزمن منها ما يتعلق بالتربية والتعليم والثقافة، مشيرا إلى انه "يمكن الاكتفاء بتوقيع مذكرات تفاهم بين حين وآخر تبعا للحاجة".
ورأى وجوب "عدم إخضاع المصالح والاتفاقات لتقلب الأمزجة السياسية ين البلدين"، مشددا على أنها يجب أن تنطلق مما يعرف بالتكامل الوظيفي بين الدول".
وقال:" هناك مستجدات دولية طرأت بعد توقيع المعاهدة مثل الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، الانفتاح على منظمة التجارة العالمية، والسوق العربية المشتركة التي أقرتها قمة الكويت الاقتصادية الأخيرة، وهذه المستجدات تفرض علينا إجراء تعديلات، وبقدر ما ندقق في هذه الاتفاقات نستطيع أن نبني للمستقبل، ومن هنا علينا الأخذ في الاعتبار ما يدور في العلاقات العربية- العربية والعلاقات السورية- التركية- اللبنانية والعلاقات التركية - الإيرانية ".
وشدد على "ضرورة تخفيف وطأة الضغوط العالمية عن لبنان وسوريا لحماية الوحدة الوطنية في البلدين، ومنع انتشار الإرهاب ومواجهة التحدي الإسرائيلي "..
ورأى "ان من مصلحة البلدين إبقاء الحدود مفتوحة، بل توسيعها لاستيعاب أكبر عدد من الوافدين والذاهبين لتعزيز السياحة البينية، لأن العلاقة جغرافية- سياسية، والمصالح كبيرة، ومواجهة الإرهاب المتصاعد عالميا وفي منطقتنا تستدعي التنسيق أكثر".
وعن ترسيم الحدود بين البلدين قال" إن عملية الترسيم بدأت في الأربعينات من القرن الماضي ولم تستكمل، ثم تقررت مع هيئة الحوار الوطني عام 2006 برئاسة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، ليتم تأكيدها عليها في جلسات الحوار الوطني لاحقا. وعندما نقول هيئة حوار وطني يعني أن هناك اتجاها وطنيا عاما في لبنان مع هذا الترسيم"، مشيرا إلى" أن الجانب السوري لم يعارض في الماضي ولا في الحاضر، ولذلك كانت القمة الأخيرة بين الرئيسين سليمان والأسد واضحة في هذا الأمر، وتحمل تفاهما عميقا على هذه المسالة، بمعنى أن تستكمل عملية ترسيم الحدود، وان تجتمع لجان الترسيم وتقوم بدورها وفقا للأصول".
ولاحظ أن أبرز العقبات أمام إعادة العلاقة اللبنانية- السورية إلى وضعها السليم، الملف الأمني الحساس والدقيق وعلينا التعامل معه بكل جدية لمواجهة التحدي الإسرائيلي ولمكافحة الإرهاب".
وفي الختام، يبقى السؤال هل يكون تعديل الاتفاقات لمصلحة البلدين، وهل سيعامل السوري اللبناني بالمثل في سوريا وبالعكس؟ وهل تعود العلاقات اللبنانية- السورية إلى سابق عهدها من التعاون والتنسيق؟ أسئلة تبقى برسم الأشهر والسنوات المقبلة الكفيلة بالإجابة عن هذه التساؤلات.