تحقيق رانيا الدويهي
اهدن عروس مصايف الشمال، هي جنة عدن، لطبيعتها الرائعة وينابيعها التي تزيد عن الثلاثين وأشجارها الكثيفة وفنادقها ومقاهيها العصرية وحركة عمرانها المضطردة، اضافة الى كنائسها القديمة والاثرية. مصيف يقصده الزوار ورواد الفكر والأدب والسياسة. ترتفع عن سطح البحر 1450 مترا وتبعد عن بيروت 120 كيلومترا وعن طرابلس 30 كيلومترا وعن زغرتا حوالى 23 كيلومترا.
تاريخ إهدن
تاريخها يبدأ من 300 سنة ق.م، جدد بناءها قائد جيش الاسكندر العظيم سنة 60 ق.م حاصرها بومباس وخربها وبعد خمسين سنة جدد بناءها. حوالى 1000 سنة ق. م تهدمت اهدن وبقيت حتى 850 ق.م الى ان أتى الملك عازار السرياني الذي بناها من جديد وبنى نصبها المعروف ب"لبنان" الذي كان يسجد له جميع سكان لبنان. وفي سنة 700 ق. م أصبح سنحارب ملك الاشوريين ملكا عليها وبقيت خرابا.
في أواخر القرن السادس اعتنق اهلها الدين المسيحي واصبحوا موارنة على يد رهبان مار مارون، فبدأت الكنائس تبنى بكثرة وخصوصا على أنقاض المعبد الوثني فيها: مار ماما بطرس مار يوحنا (دثر)، مار غالب (دثر)، مار اسطفان (دثر). واليوم تحتضن اهدن أكثر من عشرين كنيسة ودير.
رجالاتها
أنجبت اهدن العديد من رجال العلم والفكر والسياسة، منهم: رئيسا الجمهورية سليمان فرنجية (1910 ــ 1992) والشهيد رينيه معوض ( 1925 ــ 1989) ، المفكر والمؤرخ جواد بولس (مواليد 1900)، الوزير الراحل بطل الجلاء حميد فرنجية ( 1907 ـ 1981)، بطل لبنان يوسف بك كرم (1823 ــ 1889)، الفنان التشكيلي العالمي صليبا الدويهي وغيرهم من الاعلاميين في مختلف المجالات.
كنائسها
تضم اهدن كما هائلا من الكنائس والاديرة عبر التاريخ أشهرها:
كنيسة مار جرجس: يرتقي عهد بنائها الى اوائل ظهور النصرانية في هذا الجبل، وقد اجمع المؤرخون ومنهم الاب لامنس اليسوعي على انها من اقدم كنائس لبنان وافخمها، ومنذ عام 1855 عمل الاهدنيون على بناء كنيسة مار جرجس الجديدة ليتم الانتهاء من تشييدها عام 1898 .
مطرانية اهدن القديمة ( بيت الكهنة ): قديما كانت بيت الكهنة، في أقبيته كنيسة صغيرة لمار بولس وهي كنيسة المطران، أقفلت سنة 1844 وأصبحت لوقف اهدن.
كنيسة مار ماما: اقدم كنيسة مارونية في لبنان شيدت سنة 749 م على انقاض الهيكل الوثني، تحتوي على كتابات ورموز في داخلها الكثير منها لم يتمكن احد حتى الآن من قراءتها ومعرفة مضمونها.
دير مرت مورا: مهد الرهبانيات المارونية، وبحسب البطريرك الدويهي تم بناؤه سنة 1339 م وكان أول كرسي لمطرانية اهدن.
كنيسة مار بطرس: بنيت على انقاض الهيكل الوثني في اوائل الجيل السابع عشر وأعيد ترميمها سنة 1900م.
دير القديسين سركيس وباخوس: من اقدم الاديرة في لبنان الشمالي، بنيت اول كنائسه في القرن الثامن، وفيه رسم رجل العلم والقداسة البطريرك الدويهي كاهنا، رمم هذا الدير عدة مرات واستضاف العديد من الشخصيات التاريخية والكنسية اهمها الحبيس فرنسوا ده شستويل (1638 ــ 1643) والرحالة النمساوي المونسنيور ميسلل عام 1848 ويوسف بك كرم والبطريرك عريضة.
كنيسة مار عبدا: تقع فوق نبع مار سركيس وباخوس على علو 100 متر، جدد بناء هذا الدير عدة مرات وهي ثاني صومعة بعد الصليب.
دير الصليب: أول وأقدم صومعة في منطقة اهدن وضواحيها بين القرن الثامن والتاسع، وكانت حينها مغارة فقط، سكنها الرهبان وبنوا فيها جدارا ومذبحا. وهناك تقليد قديم عند الاهدنيين هو زيارة الدير في عيد الصليب، وانتقل فيما بعد هذا التقليد الى كنيسة سيدة الحصن.
يوجد تحت هذا الدير التابع عقاريا لمنطقة اهدن أول ميدان في المنطقة حيث تدرب بطل لبنان يوسف بك كرم ورجاله على مختلف فنون القتال.
كنيسة سيدة الحارة العجائبية: قديمة العهد، بنيت سنة 1512 م.
كنيسة سيدة الحصن: الشفيعة التاريخية لإهدن عبر تاريخها الطويل، كنيسة أثرية شيدت في الأصل في داخل الحصن الغربي الذي كان أعلى قمة في الجبل والذي كان يشكل خط الدفاع الأول عند الأهدنيين القدماء. ولذا سميت "سيدة الحصن". ومنذ عدة سنوات شيدت الى جانبها كنيسة جديدة على الطراز الحديث.
كنيسة مار الياس: بنيت ما بين القرن السابع والتاسع، رممت في السبعينات من القرن الماضي.
كنيسة سيدة جوعيت التي بنيت عام 1755 م ورممت أيضا عدة مرات لاحقا.
رجال دين
أنجبت اهدن رجال دين وبطاركة عظماء، لعل ابرزهم:
البطريرك اسطفان الدويهي: ولد عام 1630 م ، سافر الى روما سنة 1641 ونال شهادة الدكتوراه في الفلسفة عام 1650 م، ذاع صيته في ايطاليا وقاوم جميع المغريات لبقائه هناك لكنه عاد الى لبنان الى ان انتخب بطريركا سنة 1670 م. تحمل الكثير من الصعاب في حياته واشتهر بقداسته حتى من بعد مماته، واليوم تدرس قضية تطويبه جديا، وافته المنية سنة 1704 م.
البطريرك جرجس عميرة الاهدني: ( 1633 ــ 1644) وهو من كبار العلماء في الفلسفة واللاهوت.
العلامة جبرائيل الصهيوني: ( 1577 ــ 1648) برع في العلوم وعين استاذا في جامعة الحكمة في روما، كان يتقن عدة لغات، وعام 1620 منح لقب دكتور في العلوم. له مؤلفات عدة، مات في باريس ودفن فيها.
اماكن سياحية ومحميات طبيعية
من أماكن اهدن السياحية "الكبرى"، كان في القرن الثامن عشر اكبر مبنى في البلدة ومركزا لحاكم الاقطاعية في المنطقة، واليوم يتبع لوقف اهدن. رمم مؤخرا ليقام فيه المعارض والحفلات والمهرجانات الصيفية. لعب ادوارا عدة في التاريخ ليصبح نوعا من سراي وسجن وفندق (أيام الانتداب الفرنسي ).
الميدان: منطقة مكتظة بالمطاعم والمقاهي وتعتبر مركزا لارتياد المصطافين.
حرج اهدن: من ابرز اللوحات الطبيعية والرائعة التي طبعت اهدن في العقدين الاخيرين، اعلنت من الدولة محمية طبيعية، مساحته 350 هكتارا ويرتفع عن سطح البحر 1700 م، وهو ذو اهمية كونية، يمتاز بعدة اجناس وانواع من الاشجار والنباتات النادرة المتعايشة فيه ضمن ظروف مناخية طبيعية، يمثل ثروة نباتية ضخمة، يضم 350 نوعا من الاشجار وعشرات الانواع من الشجيرات و500 نوع من النباتات المزهرة، هذا الامر جعل الحرج محجا لعلماء النبات عبر 350 سنة المنصرمة، فهناك غنى متنوع للنباتات ومأوى مناسب لعيش آلاف الكائنات الحية اللافقرية ولاعداد كبيرة من الفراشات والحيوانات المهددة بالانقراض.
منطقة بقوفا: هي منطقة جردية شهيرة بأشجارها المثمرة، فيها اطلال قرية لبنانية هي قرية بقوفا وتعني بالسريانية مكان القصب، أعطت ثلاثة بطاركة، والى الآن هناك انقاض ثمانية كنائس وعدة اديرة، فيها العديد من الينابيع وبحيرة جميلة.
باختصار هذه هي اهدن المميزة من قلب تاريخ جبل لبنان والكنيسة المارونية. هي اهدن التي لا يستطيع المرء اختصار ما قيل عنها قديما وحديثا، هي عروس مصايف الشمال، موئل البطاركة والابطال، مهد الرهبانيات، منبت العلماء ومدينة الرؤساء.