- البترون.
ترتفع كفتون 350 م عن البحر، وتبعد عن طرابلس 40 كلم، وعن شكا 7 كلم، وعن اميون 6 كلم. يبلغ عدد سكانها المسجلين في لوائح الشطب 500 نسمة، الا ان غالبية الاهالي يتوزعون بين بلاد الغربة، والمدن اللبنانية ولا سيما بيروت وجوارها.
كلما توغلت في طبيعتها وتعرفت الى اهلها الطيبين كلما ازددت شغفا بالمكوث فيها وعدم الرحيل. والزيارة لدير سيدة كفتون، جار النهر، غنية بالتاريخ والتأمل والصلاة، ما جعل الدير مقصدا لجميع الزائرين من جميع الطوائف والمناطق، وقد اشتهرت المنطقة منذ القدم من خلاله رغم بعده الجغرافي عن الاماكن السكنية. والسلوك باتجاهه عبر طريق خاص جدا وضيق في قلب طبيعة عذراء.
أهالي كفتون لم يسكنوا قديما ضفاف النهرين بل أقاموا منازلهم بعيدا عنها على مساحة مرتفعة ومشرفة على المنطقة لتأمين الحماية لهم من الغزوات والحروب الاجنبية، فكان للبلدة مدخل واحد ليتمكنوا من اقفاله عند اي خطر او هجوم. هذا البعد في المسافة كان يكبد الاهالي عناء نقل المياه من النهر الى المنازل للاستعمال. الا ان البلدة كانت تشكل حلقة وصل بين مختلف المناطق "فطريق البترون" وهي التسمية الشائعة في البلدة تؤدي الى بلدات كفرحي، بقسميا، جبلا، سورات، محمرش وصولا الى جبيل. وطريق آخر للبلدة يؤدي الى دربعشتار في قلب الكورة ومنه الى الجبة، بشري وحدشيت.
على حدود البلدة جسر قديم يعود الى العهد الروماني قائم على نهر العصفور، لم يبق منه اليوم الا ركائزه، وجسر آخر يعود الى عهد الاتراك يبعد عنه 200 متر باتجاه البحر، وقد كان يشكل ايضا حلقة وصل بين كفتون والمناطق والاقضية ولا سيما الكورة وزغرتا وبشري والبترون وجبيل. من هنا اكتسبت البلدة اهميتها التاريخية التي تعود الى اكثر من مئتي سنة. وقد مر فيها الملوك التي كانت تسكن قلاع عين عكرين وبزيزا وداربعشتار..
اعتمد الاهالي في معيشتهم، حتى السبعينيات، على زراعة التبغ الذي كان المورد الرئيسي للحياة والتعليم، وعندما تراجعت هذه الزراعة ومن ثم انقرضت تحول الاهتمام الى زراعة الزيتون التي تتراجع ايضا اليوم بسبب عدم تصريف الانتاج وارتفاع كلفة خدمتها، ما دفع الاهالي الى التوجه نحو الوظائف ولا سيما التعليم او السفر الى الخارج وبشكل خاص نحو البلاد العربية في ايامنا هذه.
وتسجل في البلدة نسبة متعلمين مرتفعة من اصحاب الشهادات العليا ولا سيما المهندسين الذين يشكلون نسبة 60 % من الخريجين، اضافة الى الاطباء وغيرهم من اصحاب الاختصاص.
آثارها
دير سيدة كفتون: حسب معلومات رئيسة الدير الام لوسيا شلهوب فان تأسيس الدير يعود الى القرن السادس، اما الرهبنة فتأسست عام 1904 فيه، سكنه في المرحلة الاولى رهبان قدر عددهم ب300 راهب. بداية السبعينات لم يعد يسكنه احد، وسرقت منه "ايقونة سيدة كفتون" الاثرية عام 1972، الى ان عادت بفضل مساعي المطران جورج خضر من متحف لندن الى الدير، وفي العام 1975 عادت وسرقت مع كل الصور والمخطوطات الموجودة كونه مهجورا الى ان قدمت في العام 1977 من دير مار يعقوب دده الام انطونينا والاخت لوسيا وفتحتا الدير وبدأتا ورشة الاعمار والتأهيل بعد ان أضحى اسطبلا للحيوانات، الا ان الرب والعذراء، كما تقول الام لوسيا، "منحانا قوة لا توصف وباشرنا العمل والاشراف على العمال، واعتبرنا اننا في مخيم صيفي لعدم جهوزية الدير للسكن". وفي آب 2009 توفيت الام انطونينا بعد ان تحققت الانجازات الكبيرة في البناء اذ رممت كنيستا السيدة ومار سركيس وانشئت كنيسة المدفن وانتهت اعمال غرف النوم والمشغل..
وبعد عشر سنوات من سرقة الايقونة عادت الى الدير باعجوبة، حيث ظهرت العذراء على سارقها ما دفعه الى اعادتها. وفي ظروف الحرب ارسلت الى فرنسا لترميمها وبقيت هناك مدة تسع سنوات الى ان اعادها المطران خضر عام 1997. و تكمن اهمية الايقونة في انها مرسومة على الوجهتين، الاول يعود الى القرن الحادي عشر ويمثل العذراء والسيد المسيح، والوجه الثاني يعود للقرن الثالث عشر ويمثل معمودية السيد المسيح ومكتوب عليه باللغات الثلاث: السريانية والعربية واليونانية، وهي اليوم معروضة في كنيسة الدير.
يضم الدير آثارا تاريخية قديمة لابار واجران منحوتة بالصخر ومطحنة ومعصرة قديمة تعود للقرن السادس. وقد بني الدير في الصخر وما زالت الاثار بادية بوضوح للعيان رغم عمليات التأهيل التي تعرض لها. الى جانب الدير كنيسة مار سركيس التي كشف عنها حديثا بعد ان كانت مدفونة في الارض وتعلوها الحشائش والنباتات البرية.
كنيسة مار سركيس وباخوس
في العام 2003 قامت راهبات دير سيدة كفتون بترميم الكنيسة القديمة التي تبعد ثلاثين مترا تقريبا عن الدير، والتي لم يكن يعرف منها سوى اسمها "مار سركيس" وقد كانت مدفونة بين الاتربة ولم يكن يبدو منها سوى السقف المغطى بالاعشاب. وبدأ العمل بإزالة الأتربة، حتى كشفت البنية الأساسية التي اظهرت ان الكنيسة خضعت لتعديلات كثيرة، وهي تنتمي في الأصل إلى طراز من الكنائس المستوحاة من العمارة الرومانية، ويدعى بازيليكا، وتتألف من ثلاثة أَروقة وهي تعود إلى منتصف القرن الثاني عشر. وتم اكتشاف مربعات هي أساسات غرف كانت تتصل بالكنيسة بأَدراج ولها طبقتان في ارضيتها: طبقة كلس وحصى، وطبقة من بلاط الحجر المنعم، تعود لمرحلة سابقة زمنيا. وعندما خطط المهندسون لتجديد الكنيسة وتجهيزها للاستعمال الطقوسي الديني ظهرت على الجدران ايقونة بيزنطية لبشارة السيدة محفوظة جيدا بالرغم من أنها كانت مغطاة بطبقة كلسية مع آثار عفونة. عندئذ، تحول الاهتمام الى إنقاذ وترميم الجداريات، التي ظهرت اعداد منها في الكنيسة بعد ازالة المواد الكلسية التي طليت بها، والتي يرجح حدوثها ما بعد القرن الثامن عشر. وهذا ما دفع راهبات الدير الى ان يقمن باعداد كتاب عن تاريخ دير سيدة كفتون والاماكن الاثرية والدينية المحيطة به، سوف يصدر قريبا.
تعود معظم الاثار في البلدة الى الزمن الروماني، كما يؤكد مختار البلدة ادمون فارس، وقد اكتشف حجر منارة، قرب كنيسة القديس فوقا، اثناء القيام بحفر الساحة العامة. ومن الاثار البارزة "قطين العظام" ومغارة القديس حنانيا قرب نهر الجوز في المرتفعات الذي تترد حوله اساطير كثيرة.
محمية فريد ودعد كرم
وما يميز البلدة اليوم محمية "فريد ودعد كرم" في قلب الطبيعية، التي تبرع بها ابن البلدة فريد كرم لصالح جامعة البلمند لتهتم بها كمركز للابحاث الزراعية والحيوانية على مساحة 60 الف متر مربع، اذ انها تضم مسرحا في الهواء الطلق، ومكانا للتنزه والتخيم، وبئرا ارتوازيا، وحوض مياه، ومزرعة فيها العشرات من انواع الحيوانات، وما يتجاوز ال200 من اصناف النباتات والاشجار..
الهجرة
تعود الهجرة في كفتون الى العام 1700 والوجهة كانت الى البرازيل ونيويورك حيث لمع منهم جرس ديب حاكم ولاية في الارجنتين وله فيها تمثال، وأخوه ميشال سيناتور في مجلس الشيوخ في الارجنتين ايضا. ومن المقيمين تميز العميد المتقاعد موسى كنعان الذي عين وزيرا في حكومة مصغرة والتي لم تدم طويلا.
عائلات كفتون
أهم عائلات كفتون واقدمها: شاهين، وهبة، فارس، كنعان، كرم. ويذكر انه قدم من حوران اربع اخوة، على خلفية خلافات مذهبية، اذ التجأوا الى دير سيدة كفتون الذي كان يسكنه كاهن من حوران، وهم ضاهر، سركيس، سمعان وفرح ومنهم تفرعت عائلات. اما عائلة عكاري اصلها من عكار اذ اقدم شاب عكاري كان يعمل في البلدة على الزواج من فتاة منها واستقر فيها واخذت العائلة الاسم من لقبه. وعائلة السودا جذورها من الميناء - طرابلس حيث تزوج شاب منها فتاة في القرية وسكن فيها وتفرعت منه العائلة. وفياض تزوج فتاة من عائلة فارس واستقر في البلدة ومنه تفرعت عائلة كما حال شاغوري ذات الجذور الزحلاوية.
المجلس الاختياري
اول مختار لكفتون هو حنا يعقوب سمعان ومن ثم تعاقب على رئاسة المجلس الاختياري كل من نخلة يعقوب ضاهر، سركيس سركيس الذي استمر مختارا مدة ثلاثين سنة، وبعده تبوأ هذا المركز المختار ادمون فارس على مدى ثلاث دورات متتالية وما يزال. وقد ترشح لهذا المنصب بناء على شهادة الجميع خدمة لابناء البلدة.
وما يطالب به المختار من وزارة الاشغال العامة والنقل توسيع وتعبيد الجسر الذي يصل بلدة كفتون ب "دار بعشتار"، اذ ان القسم من الطريق الواقع ضمن الحدود الجغرافية لبلدة كفتون معبد وصالح للسير انما يحتاج الى اعادة تأهيل، وهذه الطريق لها اهمية كبيرة في تقريب المسافات بين بلدات الكورة. كما يدعو المختار الى ان يشمل مشروع الصرف الصحي، الذي ينفذ حاليا قسما منه في الكورة، بلدة كفتون التي ما زالت تعتمد على الحفر التقليدية البدائية، حيث تساعد البلدية في نصف تكاليف تفريغها للتخفيف عن كاهل الاهالي ولتشجيعهم على تفريغها حفاظا على البيئة والصحة العامة".
المجلس البلدي
تعاقب على المجلس البلدي في بلدة كفتون الدكتورة ماري كرم، جورج نقولا سركيس الذي يعمل كاداري في الجامعة الاميركية، زاهي السودا، جنان سركيس، وحاليا نخلة فارس.
انجازات المجلس عرض رئيسه نخلة فارس لجهة "شق طرقات فرعية وزراعية وتعبيدها، واقامة جدران دعم، وشراء مولد كهربائي للبلدة والعمل على صيانتهم وتأمين الانارة، وترميم القصر البلدي، وانشاء حديقة عامة على مسافة 8000 م، والمساهمة في اعمال المحمية، والمشاركة في الاحتفالات العامة، والقيام بمساعدات اجتماعية، والتنسيق الدائم مع نادي الطلائع في كافة المناسبات".
اما المشاريع المستقبلية التي ينوي المجلس البلدي العمل عليها فهي شق طرقات جديدة. وقد سجل فارس اعتراضه على تدني نسبة الاستثمار في البلدة ولا سيما عند حدود النهرين، مشيرا الى ان "التصنيف الاخير في التنظيم المدني فرض نسبة تراجع تقدر ب500 م عن نهري العصفور والجوز ما يقف حائلا دون البناء ويشجع على النزوح من الريف الى المدن امام الشباب".