تحقيق ماغي عيسى
تقع بكفتين على ضفاف نهر قاديشا حيث يشرف قسم منها على مدينة طرابلس والبحر، والقسم الآخر على قضاءي زغرتا والكورة. ويرجح انيس فريحة في كتابه " معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية - تفسيرها ومعانيها" أن أصل الاسم يعني المكان أو البيوت المقببة أو المكان المجوف، ويلاحظ تردد كلمة "كفتين" في المراجع والمنشورات القديمة وليس "بكفتين" حيث حذف حرف الباء الذي هو مختصر لكلمة بيت وذلك لسهولة الاستعمال الشعبي. ويبدو انها كانت مقرا للصليبيين تكثر فيها المغاورالطبيعية التي عملت فيها يد الانسان.
من عائلاتها: منصور ، شوبح ، حاج ، أحمد، نصر، متري، كفوري، خوري، نادر، ديب، إسحق، سليمان، سركيس، حبيتر، عيناتي.
من أهم زراعاتها: الزيتون، الكرمة، وتشتهر بغاباتها الصنوبرية التي تحيط بمختلف ارجاء البلدة.
ومن أهم الأماكن السياحية في البلدة: دير سيدة بكفتين ، والمغاور العديدة المنتشرة في مختلف ارجائها ووديانها.
ويعتبر دير سيدة بكفتين قديم في وجوده صامد في وجه السنين، إن كان عمر بنائه غير مؤكد الا ان الدور الذي لعبه دينيا وتاريخيا، باحتضانه أول جامعة حقوق في الشمال، جعله صرحا أثريا هاما.
يقع الدير عند مدخل البلدة التي تحمل الاسم نفسه على تلة تتحدى التاريخ بوجودها وصمودها امام التغيرات التي شهدتها. وبسبب عدم وجود اي وثيقة او مخطوطة قد تساعد في تحديد دقيق لتاريخ بناء الدير إعتمد الارشمندريت داوود الاشقر رئيس الدير سابقا على استنتاجات بعض الباحثين والدارسين الذين أموا الدير واوضحوا ان تاريخ تشييد البناء يعود الى ما قبل القرن السابع ميلادي، مستندين بذلك على طريقة البناء ونوعية الحجر في الدير، إضافة إلى وجود لوحة العذراء المرسومة على "الفريسك"، اي على جدران المذبح، وبعض الاثار الأخرى.
ويلاحظ ان بناء الدير تم على مراحل عدة إلى ان أنجز بشكله النهائي مع بداية القرن التاسع عشر ميلادي، ويتألف من ثلاثة أقسام: مسكن الرهبان، كنيستان متلاصقتان هما كنيسة "رقاد السيدة العذراء" وكنيسة "القديس جاورجيوس" وحاليا دشن بناء كنيسة "مار أنطونيوس" ومبنى المدرسة سابقا.
مسكن الرهبان
يقع في القسم العلوي حيث تم بناؤه في أواسط القرن الخامس عشر كما تشير اللوحة الحجرية المحفورة على حائط في الطابق العلوي وكتب عليها سنة 1499 مسيحية. وهذا المسكن بني فوق ممر طويل من "العقد" الحجري القديم الذي يحوي على عشرين قلاية - كانت مسكنا للرهبان - تعود الى القرن السابع ميلادي وهذا ما يشير الى وجود نشاط رهباني كبير عرفه الدير في ذلك الوقت.
الكنيستان
أما الكنيستان فتتميزان بأنهما موجودتان ضمن قاعة واحدة ولكن بمذبحين منفصلين، ويشير الارشمندريت الاشقر أن إكتشاف "الفريسك" على جدران مذبح كنيسة السيدة حدث بالصدفة منذ نحو 25 عاما في عهد الارشمندريت نقولا داوود وذلك أثناء إجراء أعمال الترميم للكنيسة حيث كشف عن طبقة كلسية بسماكة نحو سنتمترين تغطي رسما لمريم العذراء وهي تحمل الطفل يسوع. كما أكد الأشقر أن هناك مزيدا من الرسوم على الفريسك التي لم يكشف النقاب عنها حتى الآن.
كما ان كنيسة القديس جاورجيوس مبنية على فوهة لمغارة قديمة يعتقد انها كانت مدفنا لرهبان وكهنة الدير ومنهم البطريرك الانطاكي أثناسيوس الدباس، والمطران ثيودوسيوس.
المدرسة
وفي سنة 1881 أنشئت مدرسة سيدة بكفتين وذلك بمباركة الكنيسة وتضافر الجهود الفردية، وتشير اثار ترميم بنائها الى المراحل العديدة التي مرت بها من حروب وأزمات ليخبو إسمها حينا وليزدهر حينا آخر.
إمتازت مدرسة "كفتين الوطنية الأرذثوكسية" - كما سميت في تلك الحقبة - بأنها بدأت كمدرسة ثانوية لتنفرد بعد ذلك عن باقي المدارس بتدريسها مادة الحقوق لتصبح بذلك قريبة من المستوى الجامعي إنطلاقا من الدستور العثماني في تلك الفترة إضافة الى أنها أول مدرسة داخلية في الشمال.
ونتيجة للنهج الإداري والتربوي الذي اتبعه المشرفون على شؤون المدرسة - في تلك الآونة - إعتبرت من أرفع المستويات التعليمية في الشمال ولبنان ولم تنافسها سوى الكلية الإنجيلية والجامعة اليسوعية في بيروت.
وعثر في دير سيدة الحرف - راس المتن على وثيقة عبارة عن منشور معلوماتي يدل غلافه على انه طبع سنة 1881 وان هذا التاريخ يدل على السنة السابعة لانطلاقة المدرسة وبأنها من افضل الابنية التربوية في تلك الآونة. ويتناول المنشور أهمية المدرسة كونها داخلية وتقدم الطعام لطلابها وتهتم بصحتهم لذلك خصصت لهم طبيبا يزورهم مرتين في الاسبوع، كما يتحدث عن نظام المدرسة وكيفية الاهتمام بتطويرها مقابل اقساطها الزهيدة ويعرض براعة الاساتذة والنظام المتبع في المدرسة ولحرية ممارسة طقوس المذاهب غير الأرثوذكسية، فقصدها لذلك الكثير من الطلاب من مختلف الطوائف والمناطق اللبنانية والعربية.
كما خرجت المدرسة شخصيات مهمة كالشيخ رشيد رضا والباحث بندلي صليبا وفرح أنطون الذي شارك برئاسة تحرير جريدة المدرسة الخطية " لباب الالباب" (كما جاء في معجم الصحافة اللبنانية - ليوسف أسعد داغر ) او "لبان الالباب " ( كما ورد مع الطرازي) وكانت بذلك اول جريدة شمالية تصدر في 9/ 12/ 1883.
كذلك اهتمت المدرسة في تلك الحقبة بتعزيز الحركات الثقافية فيها، فأنشات "جمعية كفتين التعليمية" التي أتى على ذكرها مارون عيسى الخوري في كتابه "ملامح من الحركات الثقافية في طرابلس خلال القرن التاسع عشر الذي رأى انه على الرغم من وجودها خارج طرابلس الا انها كانت طرابلسية بأعضائها.
توقفت المدرسة عن التدريس عام 1890 لتعاود نشاطها التربوي بعد عام 1893 بمساعي المطران غريغوريوس الرابع حداد لتتوقف مع بداية الحرب العالمية الاولى. وفي سنة 1946 عين اسكندر ديب من بلدة رأسمسقا المجاورة مدرسا فيها حتى عام 1954، لتفتح بعد ذلك مهنية، ثم ضمت فرعا لمركز واحة الفرح للمتخلفين عقليا لتقفل بعد ذلك نهائيا كمركز تربوي ويعاد تأهيل وترميم بناء الدير من جديد بما يتلاءم لعيش الرهبان وذلك مع الارشمندريت أنطونيوس الصوري الذي يترأس الدير حاليا يعاونه الشماس جورجيوس يعقوب وعدد من الرهبان وليبنى الصرحان التربويان في أراض مجاورة للدير وهما يضمان: ثانوية بكفتين ومهنيتها، مركز واحة الفرح للمتخلفين عقليا الذي يشمل المدرسة والمشغل.
مركز واحة الفرح
وعن المركز تحدثت المسؤولة لولو أميون رويهب فعرفت بتاريخ تأسيسه مع المطران الراحل الياس قربان ليستمر مع المطران الحالي إفرام كيرياكوس. وعن اهدافه، أوضحت رويهب ان الجمعية تعنى بالاشخاص ذوي التأخر الذهني بدرجة خفيفة ومتوسطة، التوحد وحالات بسيطة من الشلل الدماغي ليتمكنوا من التوصل الى الاستقلالية الذاتية والدمج الاجتماعي.
ثم عرفت رويهب بفروع المركز التربوي والمهني، فأوضحت ان المركز التربوي يستقبل أولادا تتراوح أعمارهم ما بين ال4 وال14 عاما من صبيان وبنات ويبلغ عددهم نحو 35 ولدا. وأشارت إلى البرامج التي يتابعها هذا القسم وهي: التربية الحسية والجسدية والتعبير الشفهي والكتابي، تمارين الحياة اليومية ، نشاطات ترفيهية ومعلوماتية. أما الفرع المهني فيتضمن مشاغل للشباب من ذكور وإناث تتراوح أعمارهم بين ال 14 عاما وما فوق، ويبلغ عددهم نحو 75 شخصا، ويشمل هذا الفرع: مشغل الحلويات والمعجنات والمنتوجات الزراعية، التوضيب والتنسيق، الاشغال اليدوية، التطريز الصناعي واليدوي، مشغل الخياطة حياكة الصوف، المنشرة، الزراعة وبيوت بلاستيكية، صيانة الحدائق، الكمبيوتر والمعلوماتية، الرياضة والمسرح.
وختمت رويهب شاكرة كل من يقدم المساعدة معنويا او ماديا لدعم المركز وتحقيق استمراريته لما في ذلك من خير لطلابه.
شوبح
وعرض رئيس البلدية جورج شوبح للمشاريع التي تم تنفيذها ومنها: إنارة الطرق العامة والفرعية، تأمين مكب لرمي النفايات، توسيع الطرق وتجميلها. ثم تناول المشاريع التي تسعى البلدية لإتمامها ومنها بناء مركز للبلدية وقاعة عامة يستفيد منها الاهالي في المناسبات والنشاطات الإجتماعية. كذلك حفر بئر أرتوازي لاستخراج مياه الشرب منه.
هذه هي بكفتين في سطور..... موقعها على ضفاف نهر قاديشا يزيد طبيعتها رونقا، آثارها تنتظر الزائرين الذين لا بد لهم من وقفة في ديرها الأثري ليعودوا بالزمن إلى ما قبل الميلاد.
© NNA 2012 All rights reserved