تحقيق ماغي عيسى
قلحات قرية من قرى الكورة الخضراء في محافظة الشمال، تطل على البحر وتبعد عنه نحو 3 كيلومترات وترتفع نحو 350 مترا عن سطح البحر، وتفيد المراجع التاريخية ان قلحات هي من عهد فراعنة مصر، ورد ذكرها في مذكرات أهم الفراعنة رعمسيس الثاني ( في القرن الثالث عشر قبل الميلاد). وكلمة قلحات تعني الهجمات والثورات، وفي عامية لبنان قلحون ( وهو تصغير قلحا) ما ينمو من البراعم أثناء الفصل.
دير سيدة البلمند
ضمن خراج قلحات بني دير سيدة البلمند التاريخي وجامعتها الشهيرة ومدرستها الثانوية والتكميلية، على مرتفع يعلو عن سطح البحر حوالى 200 م ، بين بلدتي أنفة والقلمون في الجنوب الشرقي لمدينة طرابلس. أطلق الافرنج على هذا المرتفع اسم "الجبل الجميل" بسبب موقعه المشرف على البحر والوديان المجاورة ويمتد أفقه ليشمل معظم أنحاء ساحل لبنان الشمالي.
يعود تاريخ البناء في حالته الاولى الى فترة الحروب الافرنجية، بين القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وقد قام بتأسيسه في غضون الحملة الافرنجية الثانية جماعة من الرهبان الذين ينتمون الى رهبنة "الكسترسيين" التي أسسها برناردوس الكليرفودي الداعي الرئيسي الى تجنيد تلك الحملة. وعلى عكس التقاليد الكستريسية التي كانت تقيم أديارها في الوديان، فقد أقيم دير البلمند على مرتفع لأسباب دفاعية واضحة، وقد إستمر العمل فيه ما يزيد على مئة عام بين سنتي 1157 و 1289 ميلادي تاريخ سقوط كونتية طرابلس في أيدي المماليك.
مع هجرة الدير، أخذ الخراب يدب في أجنحته المختلفة، فانهارت سقوف بعضها وتداعت جدران بعضها الآخر، وأصبح موقع الدير بمثابة مقلع يستخرج منه أهالي المنطقة حجارة مقصوبة، جاهزة لإستخدامها في بنى أخرى. إستمر الوضع على حاله حتى بداية القرن السابع عشر، عندما اختاره عدد من الرهبان الأرثوذكس مقرا لهم، فقاموا بترميم أبنيته المتداعية. وبنتيجة أعمال الترميم والتحوير التي طاولته منذ ذلك الحين اتخذ الدير شكله الحالي وأصبح جزءا من مجمع ديني وجامعي فضلا عن تحوله إلى مقر بطريركي يقيم فيه موسميا بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس.
ما زال مخطط دير البلمند في وضعه الراهن يحتفظ بالخطوط العريضة التي أرساها الرهبان الكسترسيون واعتمدوها في جميع الأديار التي بنوها في أوروبا، اذ يتمحور الدير حول فسحة مربعة يحيط بها رواق من جهاتها الأربع، وتتوزع حولها أبنية الدير المختلفة: قاعة الطعام والمطابخ جنوبا، قاعة إجتماع المدبرين شرقا،المخازن غربا، توجد الكنيسة ذات البلاطة الوحيدة في الجهة الشمالية الغربية من الدير، وهي مغطاة بقبو نصف إسطواني منكسر يبلغ سمك جدرانها قرابة المترين، مجردة بالكامل من كل زخرفة احتراما للقوانين السيستيرسية.
تعتبر قبة جرس الكنيسة الحجرية المثال الوحيد المتبقي من فترة الصليبين قي الشرق، وهي تنتصب على الحد الأقصى الشرقي للبلاطة تحت عقد صدر الكنيسة.
نادين هارون
تقول مديرة معهد التاريخ والآثار ودراسات الشرق الأدنى نادين بانايوت هارون ان الحفريات التي جرت على المقبرة أبرزت غرفة يعود تاريخها إلى القرنين الثاني والثالث عشر فقط، اما الحفريات في الكنيسة فأكدت أن الموقع كان مسكونا من الفترة الرومانية وحتى العثمانية.
وتشير هارون إلى انه في نهاية خمسينيات القرن الماضي ، تقدم البطريرك إغناطيوس هزيم بطلب من المديرية العامة للآثار لإدراج الدير ضمن لائحة الجرد العام، ومن بعدها بدأت ورشة الترميم التي أعادته الى شكله في بداية القرن، وأعادت إليه تألقه الهندسي.
فكرة انشاء البلمند
جاءت فكرة إنشاء جامعة البلمند في العام 1883، إنطلاقا من رغبة البطريرك آنذاك بإنشاء معهد عال لتدريس اللاهوت، وصدر المرسوم رقم 9764 تاريخ 26 شباط 1975 الذي رخص بإنشاء هذا المعهد في دير سيدة البلمند. وفي العام 1988 تحول المعهد العالي الى جامعة البلمند بموجب المرسوم 4885 تاريخ حزيران 1988، وأصبح يضم الى جانب معهد تدريس اللاهوت الأرثوذكسي، كلية للاداب والعلوم الأنسانية، الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة التي أنشئت في العام 1937 وكانت تضم: كليات الموسيقى، الهندسة، الحقوق، العلوم السياسية والإقتصادية، الآداب وفنون الديكور ( ومنذ عام 1959 تفرغت الأكاديمية لتدريس الفنون الجميلة ).
وتضم الجامعة اليوم كليات ومعهد وأكاديمية وهي: كلية ألاداب والعلوم الإنسانية، كلية الأعمال والإدارة، كلية العلوم، كلية الهندسة، كلية الطب، كلية القديس جاورجيوس للإختصاصات الطبية، كلية الصحة العامة والعلوم الطبية، الأكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة، المعهد الجامعي للتكنولوجيا، معهد القديس يوحنا الدمشقي اللاهوتي.
© NNA 2011 All rights reserved