تحقيق محسن السقال
تنتشر قبالة شاطىء شبه جزيرة الميناء في طرابلس سبحة من الجزر الصغيرة التي تعتبر "جزيرة الأرانب" أو "جزيرة النخل" أكبرها. وهذه الجزر هي بكر، غير مأهولة، بعضها محميات، وقد أعلنتها الدولة اللبنانية ومنظمة اليونسكو عام 1992 محمية طبيعية تؤمها أسراب الطيور القاطعة والسلاحف البحرية ويحظر فيها التخييم واشعال النار وغيرها من الأعمال التخريبية.
تعود أهمية تلك الجزر إلى فرادتها في المنطقة ونوعية النباتات التي تضمها، 7 منها نادرة للغاية في حوض البحر الأبيض المتوسط، مثل (حشيشة البحر) و(أم الحلوب) و(عصا الراهب) ويقال أن لبعضها فوائد طبية مختلفة يتداولها العامة في الطب الشعبي، فضلا على أنها محطة الذهاب والإياب للطيور الأوروبية المهاجرة جنوبا في الشتاء، وفي بدايات الصيف ملاذ للسلاحف البحرية لتودع بيضها بين صخورها.
تمتاز جزر "النخيل" بمنشآت تاريخية، فقد عثر أثناء التنقيبات الأثرية فيها في أوائل السبعينات على منشآت تعود إلى العصر الصليبي والعصر الروماني المتأخر وهي عبارة عن بقايا دير الرهبان الباقية إلى اليوم، ومن المحتمل أنها كانت إحدى محطات الحملات الصليبية على الشرق، قبل أن تكون مقصدا للزهاد والناسكين، شجعهم على ذلك وجود بئر للماء العذب في منتصف الجزيرة تماما.
عدد الجزر في الميناء تسعة وهي: جزيرة البيئة التي كانت تعرف سابقا بجزيرة البقر ـ الرميلة ـ العشاق ـ المقطوعة او الثالثة ـ البلان و تمتاز بجورة تشبه حوض السباحة وسمية بلان نسبة لنبتة البلان التي تغطي سطحها ـ طورس ، فضلا عن جزر المحية الثلاث الفنار، سنني والنخيل التي هي أكبرها مساحة عن الباقين واسم (الارانب) يأتي نسبة الى الاعداد الكبيرة من الارانب التي وضعها القنصل الفرنسي مطلع القرن ال 20 فتناسلت وتكاثرت وما تزال حتى اليوم، وتتميز جزيرة النخل بتضاريسها وهي تغطي مساحة 180796 متر مربع (1946070 قدم مربع) وأعلى نقطة في الجزيرة 6 أمتار (20 قدما) فوق مستوى البحر وتمتد الشواطىء الصخرية فيها من الشمال الغربي الى الجنوب بينما شواطئها الرملية تكمن من الناحيتين الشمالية والشرقية. هذه الجزيرة تحتوي على أدلة من الفترات الماضية كآبار المياه وبركة الملح وبقايا كنيسة صليبية. وكتب الادريسي وهو عالم جغرافي عربي ان ملك انطاكيا بوهيموند تزوج سنة 1224 ارملة هيو الاول حاكم قبرص في الكنيسة ضمن مراسم زفاف ملكي، و اشار الى ان الجزر الاربع الاساسية المقابلة لمدينة طرابلس كانت لها تسميات اخرى الاولى نرجس والثانية جزيرة العمود (سورة tantid) ، ثم جزيرة مونك (ArRahib) ،و الاخيرة جزيرة Ardhakun (أو Udhkun).
جزيرة رمكين المعروفة أيضا باسم جزيرة الفنار وهي أصغر من جزر المحمية الاخرى وتبلغ مساحتها 34،903 متر مربع (375.69 قدم مربع) وتقع الى الشمال الى الغرب من جزيرة النخل. وهي صخرية عموما وترتفع إلى نحو 12 مترا فوق مستوى سطح البحر وتوجد في بعض أطرافها مساحات رملية صغيرة، وتحتضن منارة اي فنارا قديما كانت تعمل على الطاقة الشمسية و مهمتها ارشاد السفن، إضافة الى ان الجزيرة تحوي خنادق ومواقع مدفعية قديمة تعود الى فترة الانتداب الفرنسي.
جزيرة سنني تقع على بعد 500 متر الى الجنوب الشرقي من جزيرة النخل، وهي مستطيلة الشكل، وصخرية عموما، باستثناء مساحة رملية صغيرة، وقد سميت سنني لأن الطيور البحرية البيضاء تصطف على رؤوس صخورها المسننة، وهي تغطي مساحة قدرها 45503 متر مربع (489790 قدم مربع) جنوب شرق جزيرة النخل. وتمتاز المحمية بأنها محطة راحة بالنسبة للطيور المهاجرة النادرة، وتلك المعرضة لخطر الانقراض، ويعتبر شاطئها الرملي من المواقع القليلة المتبقية على الشاطئ اللبناني لتفريخ السلاحف البحرية المعرضة لخطر الزوال كالسلحفاة الخضراء والسلحفاة الضخمة الرأس، كما تستقبل المحمية في مغاور صخورها "فقمة بحر المتوسط" التي تعتبر الحيوان الثديي السادس على لائحة الانواع المهددة بالانقراض.
كما تضم المحمية نباتات طبية وتنفرد بأنواع خاصة وتعتبر أرضها المغمورة بالمياه او المعشبة او الرملية مكانا فريدا من نوعه لتفريخ الاسماك وتكاثر الأسفنج وفي الوقت الحاضر تدار جزر النخل ومراقبتها من قبل لجنة حماية البيئة وفريقها مع اثنين من الحراس لمنع الدخلاء من التعدي على المحمية ومخالفة القوانين كما للقوات البحرية التابعة للجيش اللبناني دور في هذا المجال.
جزر المحمية تفتح امام الزائرين لثلاثة أشهر تبدأ في الاول من تموز وتنتهي في أواخر أيلول مع السماح للبحث العلمي طيلة ايام السنة.
وعن أهمية الجزر والمحمية تحد عدد من أصحاب بعض المراكب التي تنقل الرواد من الميناء الى الجزر.
فاعتبر محمد كالاسينا أن "افتتاح المحمية شيء مفيد للمنطقة ونتمنى على القيمين على المحمية لا سيما لجنة رعاية البيئة أن يتم فتح الجزر امام الرواد خمسة اشهر بدلا من ثلاثة اشهر".
أما سهيل فياض فأكد أن "أهم شيء في المحمية أنها تساعد على تحريك العجلة الاقتصادية وتفتح باب رزق للعديد من اهالي المنطقة".
بدوره، اعتبر علي السعد أن "المواطنين يعملون في هذه الايام ولو ان الدولة تهتم بهذه المنطقة كما تهتم في سائر المناطق لكانت الميناء كجزيرة قبرص تستقطب السواح "من فج و غميق" اي من كافة اصقاع العالم".
أضاف:"هل تقريركم كفيل بتحويل انظار المسؤولين ولفت انتباههم الى ان هذه المنطقة تستحق الاهتمام والرعاية و لها الحق في انشاء المشاريع الحيوية لابنائها، ام انها ستبقى تعاني الحرمان المزمن؟".
وأكد رئيس لجنة رعاية البيئة المهندس عامر حداد أن "هناك دراسات عدة للاستثمار في بعض هذه الجزر وتحويلها الى معالم سياحية متطورة كما يحصل مثلا في قبرص، لتنشيط الحركة الاقتصادية في المنطقة وخلق فرص عمل كثيرة للشباب العاطل عن العمل، ولكن لا حياة لمن تنادي ولم يتجاوب أحد من المسؤولين اللبنانيين والمحليين مع هذه المشاريع منذ بداية التسعينات و حتى يومنا هذا".
أضاف: "منذ بداية التسعينيات وضعت دراسة شاملة لاستثمار جزيرة البيئة، جزيرة البقر سابقا، و جزر أخرى أيضا فضلا عن إنشاء متحف في جزيرة الفنار يختص بعالم البحار، لانعاش القطاع السياحي في منطقتنا ولتوفير فرص عمل لشبابنا، كما تتضمن الدراسات انشاء حدائق بحرية ومساحات مزروعة مع ممرات للمتنزهين، إضافة الى ملاعب لرياضات الشواطىء ومسابح وغيرها. لكن الامور تجري عندنا كالعادة، الابواب مقفلة بوجهنا ولا أحد يتجاوب معنا، مدينتنا يجب أن تكون قبلة للسياح والمشاريع الانمائية والسياحية، لأنها تمتاز بموقعها الجغرافي وانفرادها بوجود تسع جزر في مياهها".
وتابع:"نسمح سنويا للرواد بزيارة المحمية وهي عبارة عن ثلاثة جزر من اصل تسعة وهي جزر النخل، رمكين وسنني، وطلبت لجنة رعاية البيئة واللجنة المشرفة على الحماية من قيادة الجيش السماح للراغبين بالاستجمام على هذه الجزر بالوصول إليها والتمتع بما تختزنه من خصائص بيئية ومياه نظيفة ونباتات وطيور نادرة تشكل مجتمعة عامل جذب لكثير من أبناء الفيحاء وسائر المناطق اللبنانية وكذلك السياح الذين يحرص بعضهم على التواجد في لبنان خلال شهري تموز وآب لزيارة المحمية التي تعتبر كنزا بيئيا على شاطئ مدينة الميناء مدينة الموج والأفق".
وأضاف: "لا شك في أن افتتاح محمية جزر النخل يساهم في تحريك العجلة الاقتصادية في الميناء حيث ينشط أصحاب المراكب في وضع مراكبهم في خدمة الراغبين بالوصول الى الجزر التي تحتاج الى نحو ساعة من الوقت، كما تساهم في إنعاش محلات المأكولات مع كل صباح لاصطياد رواد الجزر المفترضين، ولكن هذا الامر الذي يحصل موسميا هو قليل جدا على ما تحتضنه الميناء من مقومات طبيعية وهبها الله لابنائها".
وأمل حداد من المسؤولين والفاعليات المحلية "اعطاء مدينة الميناء اولوية واهتمام كبير لأنها تملك مقومات كبيرة وتساهم في انعاش المنطقة اقتصاديا وبإمكانها توفير لخزينة الدولة دخلا كبيرا، اضافة إلى تأمين فرص عمل لاهالي المنطقة"، مؤكدا أن "السياحة البيئية هي الطريق الاسلم للاستثمار لأنها تحافظ على البيئة والطبيعة في آن واحد وتحرك العجلة الاقتصادية وهي تشمل عدد كبير من المواطنين من كل الطبقات".
وختم:"شاطئ مدينة الميناء يمتاز بهذه النعمة الطبيعية، فمن تونس الى تركيا لا توجد سوى هذه الجزر (صالحة للاستثمار السياحي)، وهي مؤهلة لتكون اعظم مشروع سياحي، ليس في لبنان فحسب بل في المنطقة، وثمة حديث عن ان بعض الدول القريبة منا هي بصدد انشاء 36 جزيرة صناعية بكلفة ملياري دولار، وذلك نظرا لأهمية الجزر في عالم السياحة، إضافة إلى أن هناك بعض المعلومات تتداول في لبنان عن إنشاء جزيرة اصطناعية قبالة شواطىء الدامور، وهذا الامر إن دل على شيء فهو يدل على ان الشمال عامة ومدينتي طرابلس والميناء خاصة يعانون الحرمان في شتى المجالات".
© NNA 2011 All rights reserved