تحقيق عبيدة محروم
بلدة مترامية الاطراف متجذرة بالتاريخ شاهدة على عصور كثيرة حانية على كل من سكن أرضها وشرب من مياهها، فهي صورة مصغرة عن لبنان بكل طوائفه ومذاهبه، موزاييك جميل هذا الذي صنعته الحازمية، قلما تجده في البلدات اللبنانية الاخرى، لا يمر أحد بها الا يعجب بها وبأحيائها، تغره بحسنها وجمالها للسكن فيها لتصبح له ملجأ وموطىء قدم. انها الحازمية بسحرها وتنوعها انها حلم للكثيرين للعيش والاقامة فيها.
تقع الحازمية على بعد 6 كلم من العاصمة بيروت، وعلى مقربة 2 كلم من القصر الرئاسي في بعبدا. وموقعها المميز جعلاها قبلة الأنظار وإحدى أهم ضواحي العاصمة وعلى ارتفاع متراوح بين 50 و 200 مترا، مساحتها تقارب العشرة كيلومترات مربعة. يحدها فرن الشباك ونهر بيروت من الشمال وبعبدا من الجنوب والشرق، موقع خلاب يعد من أجمل مواقع ضواحي بيروت.
عمران رحب واحياء جلها منفرج الفسحات، ميزة تجعل من الحازميه إحدى افضل ضواحي بيروت للسكن من النواحي الصحية، وبحداثتها الجديدة تخلصت من الازقة التي لا تخلو منها اي بلدة لبنانية قديمة.
مناطقها السكنية متنوعة المستويات، أرفعها يبرز في منطقتها الشرقية الشمالية، حيث قصور الحجر المقصوب "الفيلات" الحديثة الطراز، وتتنوع الهندسة في باقي النواحي غير ان طابع الحجر المقصوب في مستوى البناء الفخم يبقى مسيطرا على مجمل أحياء البلدة.
شوارعها واسعة و نظيفة حتى الداخلية تكاد تضاهي أحدث شوارع لبنان تخطيطا واتقانا، و تبرز النظافة جلية في حركة العمران المتواصلة وشبكة الطرق المتميزة، والموقع الجغرافي اللافت، إضافة إلى أعمال التشجير والحفاظ على البيئة، كل هذه العوامل جعلت الحازمية المكان المفضل لإنشاء العديد من المدارس والجامعات والمراكز الحكومية والسفارات، اضافة إلى أنها تستضيف في ربوعها العديد من الشخصيات السياسية والديبلوماسية والفنية والتجارية المهمة. أما الزراعة فما زالت موضوع اهتمام بعض الملاكين من ابناء الحازمية، وذلك يبدو من خلال بعض اشجار الزيتون القائمة في أسفل البلدة عند حدودها الشمالية، حيث يمر نهر بيروت.
تسميتها
كانت الحازمية، قبل ان تعرف السكن و العمران تابعة لبلدة بعبدا عاصمة جبل لبنان، ويردد التقليد انها قد اكتسبت اسمها من كونها في الماضي محطة للمكارين الذين كانوا ينقلون المسافرين من لبنان الى دمشق، حيث كانوا يحملون البضائع على البغال، فعرفت المنطقة بالحازميه أي مكان "التحزيم" - أي الضبط و التحكيم. غير ان كلمة حزم في اللغة العربية تعني "الغليظ المرتفع عن الارض" الصفة المناسبة لأرض الحازميه المرتفعة عن بيروت مباشرة، مركبة من لفظتين: الاولى من جذر- حزا HEZA - أي نظر ورأى و راقب، ومنها الحازي الذي يعرف الغيب، و الثانية من - ميا MAYYA - أي المياه. فيكون معنى الاسم مراقب الماء أو ناطور الماء أو الذي يرى الغيب بواسطة الماء. لكن كأكثر بلدات وقرى وأماكن لبنانية، كلمة حازمية مأخوذة عن السريانية ومؤلفة من لفظتين: حازا أي عمق ومايا أي مياه، فيكون معناها عمق المياه، وهذه التسمية تتوافق مع ما تحتوي الحازمية من مجمع المياه الآتية من الينابيع حولها وأهمها نبع الديشونية عبر قناطر زبيده في وسطها والنهر في أسفلها. وتأكيدا لهذا التفسير، فقد عرفت الحازمية قديما بإسم عين الحازمية كما عرفت ايضا بإسم النهرية، ولقب سكانها الأولون بالنهريين وذلك نسبة لنهر بيروت الذي يحدها شرقا وشمالا.
ورغم ان ابناء المنطقة يشددون على ان البلدة قد اكتسبت اسمها من "مكان الحزم" أي تحميل المتاع، ومن أنهم يعززون رأيهم باسم الجمهور الذي اكتسبته تلك المنطقة من كونها في الماضي، المكان الذي كان ينتظر فيه المسافرون مرور القافلة للسفر، عرفت الحازمية بهذا الاسم بعد العصور العربية.
قبل نشوء البلدة، كانت الحازمية منطقة تكاد تكون خالية من السكان حتى اوائل القرن التاسع عشر، وبقيت مركزا استراتيجيا في حروب جبل لبنان وحتى نهايتها. وقد أكسبها هذا المركز موقعها الجغرافي الذي يشكل مدخلا لجبل لبنان ومدخلا للطريق الدولية التي تصل لبنان ببلدان المنطقة ومدخلا لعاصمة جبل لبنان بعبدا.
أحياؤها
جاء ذكرها لأول مرة في التاريخ في حوليات القرن الثامن عشر مع المؤرخ "طنوس الشدياق" و قد كانت يوم ذلك "مزرعة" صغيرة و بقيت على حالها حتى منتصف القرن التاسع عشر حين ظهرت فيها أولى التجمعات السكنية ثم راحت تنمو وتكبر وتتسع رقعة البناء فيها حتى غدت في النصف الثاني من القرن العشرين أرقى وأجمل الضواحي السكنية القريبة من العاصمة بيروت. أما أحياء الحازمية القديمة فهي الجوانيات، البيارة، الحمي، المومنية، السحيما، عين الحازمية، المخاضة أو الخان.
عرفت الحازمية قديما باسم "مزرعة عين الحازمية" كما عرفت أيضا باسم "النهرية" ولقب سكانها الأوائل بالنهريين نسبة للنهر الذي يحدها "نهر بيروت".
عرفت الحازمية أول المشاريع الانشائية في عهد فرانكو باشا ( 1868-1873 ) حيث تم "شق طريق للعربات" ووصلتها ببعبدا، وفي سنة 1897 أسس المرسل الألماني اسمه ثيوفيلوس ولدمير أول مستشفى للمصابين بالامراض العقلية في مكان قرب الحازمية هو اليوم ضمن نطاقها ويعرف ب"العصفورية" نظرا لكثافة الطيور المهاجرة التي كانت تقصد هذه البقعة الخضراء في البلدة.
دفن في الحازمية المتصرفان فرانكو باشا سنة 1873 وواصا باشا سنة 1892 وهو ما يعرف اليوم بقبر الوالي الذي يقع على طريق دمشق القديمة تحت "دار الصياد".
طريق الشام القديمة من ساحة البرج في بيروت الى رأس النبع، تحويطة النهر، حارة المجادله فساحة الحازمية ومنها صعودا الى ساحة مركز مار الياس ومنه الى العصفورية. أما في ما فوق عين المومنية فقد اندثرت معالمها حتى خان المزارع الذي بنيت على أنقاضه ثكنة شكري غانم.
طريق الشام الدولية من ميناء بيروت على خط الطريق القديم مع تحول عند "لوكندة المطران" حيث انحرفت شمالا - شرقا لنبدأ من مستديرة الشفروليه الحالية بخط شبه مستقيم حتى ساحة الحازمية ثم تنحرف لتمر أمام كنيسة مار الياس حاليا وتصعد بعد كوعين أمام شركة بيبسي كولا وحتى ثكنة شكري غانم. وبعد ذلك شقت الطريق من ساحة الحازمية بخط شبه مستقيم لتلتقي مع سابقتها عند المركز الاسلامي الشيعي الاعلى، وقد أطلقت بلدية الحازمية على الشارع الصاعد من ساحتها حتى محلة الغاردينيا- شارع سعيد فريحه عام 1987.
جسر الباشا كانت تدعى المخاضة عرفت حديثا عرفت بهذا الاسم نسبة الى المتصرف رستم باشا الذي بنى الجسر لمنع أهالي الجبل من المرور بولاية بيروت توفيرا لدفع ضريبة، وقد كتب على الجسر تاريخ بنائه 1878.
ولما كانت الحازمية ملتقى الطرق كانت في طبيعة الحال مركز خدمات في هذا المجال وقد انتشرت فيها خانات كثيرة ومنها خان البكاليك خان القصعة وخان المزارع...
نشوء الحازمية
بدأ العمران في الحازمية التي كانت منطقة من مناطق بعبدا في أوائل القرن الماضي، يوم كانت البقعة منطقة زراعية تتنوع فيها الاشجار بين زيتون وتوت وحنطة. وكانت الأسر التي تكون منها مجتمع الحازمية على مر الايام، فروع من العيال المارونية التالية: فغالي من بسوس ثم من بدادون ووادي شحرور، الغزال من بحنين، الملاط وحريقة من بعبدا،القديسي من ساحل المتن، عيراني من عاريا، غاوي وانطون الخوري وفضول من وادي شحرور، جبيلي (حباقي ) من بيت حباق في بلاد جبيل، مونس من الشبانية، ابو نجم الحلو والاسمر من بعبدا، العضيمي من حارة حريك، الزغبي من الكحالة، ابو كنعان وبطرس من تحويطة النهر، صفير من عجلتون وعكرا من غزير.
وبنى أهالي المنطقة اضافة الى كنيسة مارت تقلا التي بنيت في منطقة مارت تقلا كنيسة القديس روكز في القرن التاسع عشر.
فصل الحازمية عن بعبدا
حتى العام 1928، كانت الحازمية ولا تزال تابعة لبعبدا في جميع صلاتها. وفي 19 آذار من نفس العام فصلت الحازمية عن مخترة قصبة بعبدا على أن يقوم بادارتها في ذلك الحين مختار واحد يعاونه مجلس اختياري، أي أصبحت الحازمية مستقلة من ناحية سجل النفوس عن بعبدا. وبعد الاستقلال صدر مرسوم جمهوري في 1-12-1961 يحمل الرقم 8130 يكرس فصل الحازمية عن بعبدا وانشاء بلدية مستقلة تعرف باسم بلدية الحازمية، وجرت الانتخابات وفاز برئاسة اول مجلس بلدي للحازمية جورج شلهوب الفغالي، وتوالت الحياة الديمقراطية في بلدية الحازمية التي يرأس مجلسها البلدي الحالي جان الياس الأسمر.. وأصبحت حدودها جنوبا بولفار طريق الشام الجديد، شرقا حدود منطقة اللويزة، شمالا نهر بيروت وحدود منطقة فرن الشباك، غربا حدود منطقة الشياح وحدود منطقة الحدت.
وصدر مرسوم يقر هذه الحدود في شهر آب من العام 1970، وازدهرت منطقة الحازمية التي لقبت باسم "الضاحية الخضراء" وفي العام 1951 كان الازدهار يعم جميع أحيائها. وفي 6 ايار 1962 دشنت "شركة تلفزيون لبنان والمشرق"البث من محطتها التي أقامتها في الحازمية، كما بنيت فيها كنيسة مار الياس المارونية في العام 1966 على قطعة أرض قدمها المرحوم الياس العيراني.
آثارها
قناطر زبيدة بنتها الست زبيدة زوجة ملك السريان طريفون في عام 300 قبل المسيح في ضاحيتها الجنوبية بهدف جر مياه نهر ابراهيم الى كل لبنان وزحلت بسبب الزلازل التي ضربت بيروت في القرن السادس للميلاد، ولا تزال حتى اليوم آية في الفن والهندسة والبناء.
مقابر الباشوات وهي تضم رفاة المتصرف الثاني فرانكو باشا وولده فؤاد بك، كاترين زوجة واصا باشا وابنته، وواصا باشا المتصرف الرابع، وأحمد فارس الشدياق مؤسس جريدة "الجوائب"التي هي أقدم الصحف العربية، و"الميرالاي" ملحم بك ابو شقرا قائد الضابطية اللبنانية.
الحياة الزراعية
خصوبة الارض ووفرة المياه ساعدت سكان الحازمية على الاهتمام بالزراعة بمختلف طبقاتهم وتنوعت الزراعات بتنوع الارض، فالمرورية منها كانت تزرع بالحبوب على أنواعها والزيتون الذي زرع بكميات وافرة وكان مصدر انتاج مهم لاراضي وقف البطريركية المارونية ووقف دير حراش وأراضي العصفورية والمومنية والحمي. كما اهتم الاهالي بتربية دودة الحرير وكان قطف الشرانق في الحازمية كأيام العيد. كذلك الامر بالنسبة لزراعة التوت وصناعته.
مشاريع
وتقوم البلدية حاليا بمشاريع انمائية وتجميلية عدة للبلدة وهي تسير على قدم وساق، خصوصا الاوتوستراد الرئيسي الذي يجري العمل به مع مجلس الإنماء والإعمار وبتمويل من صندوق التنمية الكويتي، في الوقت الراهن، حيث أنه الاوتوستراد الوحيد في لبنان بدون مفارق، وعملت البلدية على تطوير شبكات الكهرباء والمياه وبتنفيذ مجاري الصرف الصحي وشبكات تصريف مياه الامطار. وحفرت بئرا ارتوازيا بالتعاون والتنسيق مع مجلس الانماء والاعمار وبتمويل من صندوق التنمية الكويتي، وتعمل البلدية على تلزيم شبكة مياه رئيسية للبلدة لوصل البئر بها مع المياه الحالية منعا للشح. وهناك الكثير من المشاريع المنوي القيام بها ومنها انشاء مجمع رياضي وثقافي وبحيرة اصطناعية والحدائق والاعمال التجميلية على مداخلها. كما أن بلدية الحازمية نالت جائزة "درع الحكومة الالكترونية العربية" الى جانب "الوكالة الوطنية للاعلام" ووزارة الداخلية ومركز الاحصاء ومطار رفيق الحريري الدولي وبهذا يكون نجم الحازمية قد سطع في الافق اللبناني وامتد حتى الساحة العربية.
© NNA 2011 All rights reserved