غسان عازار
سلعاتا بلدة ساحلية ، عامرة بالسكان منذ ان سكن الانسان الاول كهوفها. لقد عرفت بحكم موقعها الاستراتيجي ، خطا ساحليا ، يربط الساحل اللبناني من بيروت ،مرورا بالبترون مركز القضاء ، وبكوبا ، وصولا الى طرابلس ، عبر محلة حنوش ، باستحداث نفق في جبل الشقعة ، الذي يصلها بساحل حامات، وبالهري ، وشكا ،وانفه ، وكانت قديما عبارة عن مرفأ ترسو فيه السفن ، ومنارة للارشاد .
الطريق الساحلي
وتميزت البلدة بعجقة سير على خطها الساحلي وفي الاتجاهين ، بالرغم من ضيق طريقها ، الا انها اليوم ،وبالرغم من اتساعها ، ترى حركة سير بطيئة بعد ان تحول السير الى الاوتوستراد الجديد ، المجاور لقلعة المسيلحة (نفق حامات ــ شكا ) ليقتصر على عدد قليل من السيارات وبخاصة ابناء وجه الحجر ، حامات في اجتيازهم الطريق الى اعمالهم فضلا عن حركة الشاحنات التي تقل البضائع من والى الشركات ، حيث تواجدها في كوبا وسلعاتا ، الهري وشكا .
لقد اعتمد ابناء البلدة على العيش من الزراعة ، وبخاصة القمح وتربية دودة الحرير ، وعلى صناعة الملح ، قبل ان تتحول الى بلدة صناعية ، ومن ميناء لصيد السمك ، الى مرفأ تجاري ، بفضل شركة كيماويات لبنان ــ سلعاتا، وشركة الزيوت .
الرحالة بوكوك
والبلدة البترونية الساحلية ، زارها الرحالة الانكليزي الاسقف ريتشارد بوكوك ، خلال رحلة له في الشرق في العام 1738، وبعد مغادرته البترون قال فيها: بعد البترون على طرف سهل الى الشمال ، على اقدام رأس كبير في البحر وجدنا بالقرب منه ، كنيسة على تل صغير ، اعتقد انها gigartum التي ذكرها سترابون. وبعد اربعة او خمسة اميال من البترون ، دخلنا في الجبال ، التي تمتد من الغرب نحو البحر وتشكل رأسا يسميه الاقدمون theoprosopon الذي يرى البعض ان جبل لبنان ، يبتدأ عنه ( المعروف باسم وجه الحجر المجاورة لسلعاتا ، وهناك بنى الاعراب والايطوريون قطاع الطرق ، احدى قلاعهم التي دمرها بومبيوس واتباعه.
اجتزنا في هذا المكان جسر نهر الجوز ، فوصلنا الى صخر ضخم ، علوه حوالي المائة قدم بمائة طول وعشرين عرض ، تقوم عليه قلعة تدعى المسيلحة ، فقررنا ان نبيت فيها ، مع انها غير صالحة للاقامة ، ولحسن حظنا كان كاهن ماروني مارا من هناك ، فدعانا بكل لطف الى النزول في بيته ، الذي يبعد ثلاثة او اربعة اميال ...... فذهبنا معه، وقدم لنا عشاء . ونمنا على السطيحة ، كما هي العادة في هذه البلاد في فصل الصيف .
الطريق الروماني
والبلدة الساحلية عرفت طريقا رومانيا ، لازال من آثاره ، درج منقوش في الصخر، ملاصق لجبل الشقعة ، حيث النفق لجهة البحر ، الا ان زلزالا وقع في العام 555م فخرب هذا الطريق ، فزحل قسم من جبل الشقعة الى البحر تاركا الرومان على جنباته ، حلقات حديدية للتمسك بها ، دربا للمرور استخدموها في مواجهة الايطوريين ، في وقت تحول فيه الممر الساحلي ، بالقرب من قلعة المسيلحة الاثربة ، الوعرة المسالك ، حيث يمر الاوتوستراد اليوم وهو النفق الرابع لنفق ثالث استحدث قبله في جبل الشقعة كخط ساحلي ، اما النفق الثاني فهو عثماني على مقربة منه في جبل الشقعة في العام 1909 بخرق مغارتين مجاورتين منفصلتين وقد تبعه في العام 1942 في تلك المحلة نفق عرف بسكة الحديد .
معالم البلدة
ومن معالم البلدة قديما ، محلة حنوش التي ألحقت عقاريا في العام 1960 ببلدة حامات،كانت عامرة بالسكان، وقد اطلق عليها وجوارها تسمية جيغرتا احد معاقل الايطوريين الذين كانوا اول من حارب الرومان لدى وصولهم الى الشرق ، وبعد مقتل قائدهم ديونيسوس على يد الامبراطور الروماني حل بجيغرتا الخراب وازدادت بفعل الزلزال الذي اصاب الشقعة ، فحول الامبراطور يوستينيانوس الطريق الى محلة المسيلحة ، وتعد محلة حنوش (جيغرتا) اثرية وجدت فيها نواويس واجران ورؤوس اعمدة ، ونقود، وكتابات يونانية وترجمة لبعضها ، "بانه وهب لكوكب المشتري وآخر " هنا ينتهي ملك ديموسترات .
الموقع والحدود
تمتد سلعاتا من شاطىء البحر الى سفح الجبل الذي يفصلها عن وجه الحجر ، وان معظم مساكنها حاليا تمتد بارتفاع 80 مترا عن سطح البحر ، وتبعد عن مدينة البترون 3كلم وعن طرابلس 30كلم وعن العاصمة بيروت 55 كلم . تصل اليها عبر كوبا ، ومن شكا عبر الهري ، ومن حامات عبر وجه الحجر .
تحدها شرقا وجه الحجر ، وغربا البحر الابيض المتوسط ، جنوبا كوبا وشمالا حامات .
الاسم ومعناه
سلعاتا وتعني من العبرية الصخر الشاهق ، حيث كتل صخرية تغتسل على شاطئها، ومنهم من يرجعها الى السريانية والارامية sal-ata اي الدرهم والفلس او سل البيعة .
آثـارها
تحتضن البلدة معالم اثرية من مغاور ، ونواويس ورؤوس اعمدة ، وصخرة يطلق عليها سرير الملكة في محله مرجان الا ان معظمها قد اندثر او اتلف . وتوجد في البلدة مغارة الحمام ، ومغارة القنفذ ، ومنحوتات صخرية على اشكال اجمال وهي بمثابة تجاويف مائية ، كانت تستخدم ملاحات لاستخراج الملح . وكان في البلدة حصن اثري على الميناء ، استخدم منارة لارشاد السفن ، ويذكر انه ازيل في الخمسينات حيث انشئت شركة كيماويات لبنان . الا ان هذا المعلم أضيء كغيره من الحصون ، يوم اكتشفت الملكة هيلانه خشبة عود الصليب في القدس . ومن معالم البلدة : البالوع ، وعين الرحمة وكانت تقصد من البحارة ليشربوا من مياهها ، ويرددوا " خي الله يرحم الموتى " ، وبئر التوتة وقد اتخذت هذه التسمية لوجود اشجار عديدة من التوت في جواره ، كانت في الحرب العالمية الاولى تغطي اشعة الشمس لكثرة عددها ، وكان يعتمد عليها لتربية كميات كبيرة من دودة القز ، ويذكر وفق الارشيف العثماني ، بان البلدة كانت تدفع ضريبة بين الاحصاء الاول والاحصاء الثاني ، اي ما بين العاميين 1519و1571،2300 آقجة ، وكان معظمها على تربية دودة الحرير والقمح. ويذكر عن وجود معلم الناعورة ، كان الاهالي يستخدمونه في نقل المياه ، بواسطة سلات من الخشب ، كانت تدار على دولاب ، يجره البغال او الدواب لري مزروعاتهم . وفي البلدة معلم آخر يدعى " الدروة" يذكر ان ابناء البلدة في الحرب العالمية الاولى ، كانوا يجلبون مياه البحر ويضعونها في زوايا مموهة ، في الحقول تعرف "بالدروة" ، وكان ابناء البلدة يغلون المياه لاستخراج الملح ، منعا من ان يشاهدهم الجيش التركي الذي كان يمنعهم ويحطم جرارهم . ويروى ان معظم الذين نجوا من الجوع في الحرب العالمية الاولى ومن ابناء البلدة يعود الى ما تمكن باستخراج الملح الى انتاجهم الزراعي من القمح .
واقع البلدة
تميزت بلدة سلعاتا بحجرها الرملي الذي اقتلع من مقالعها لبناء حارات في البترون ، كما تتميز بزراعة الزيتون والكرمة الا ان هذه الزراعة قد تراجعت ، بفعل اهمال الاهالي لارضهم ، وانصرافهم للعمل ، في التجارة والخدمات العامة ، وفي الشركات الصناعية وكان لوجود هذه الشركات عند نشأتها اثرا سيئا على الزراعة ،اما الملاحات فقد توقف العمل بها بعد بيعها بمعظمها للمؤسسات الصناعية وبفعل المضاربة التجارية من الملح المستورد وبخاصة من مصر .
البلدية
ولبلدة سلعاتا بلدية تأسست في العام 1963 برئاسة يوسف رزق الله سلوم ، انطوان اديب سلوم (نائب رئيس) واعضاء جرجي سابا سلوم ، سليم امين سلوم ، نخله انطوان الماروني ، ميلاد سعدالله سلوم ، يوسف الياس سلوم . وانتخب لها في العام 1999 مجلس بلدي برئاسة جورج سلوم ولا زال وقد انتخب في العام 2002 رئيسا لاتحاد بلديات منطقة البترون المستحدث واستمر في رئاسة الاتحاد حتى منتصف العام 2010 .
سلوم
وبعد مرور سنة ونيف على انتخابه ، تحدث رئيس البلدية جورج سلوم عن المشاريع التي قام بتنفيذها والتي هي قيد التنفيذ فقال: عمل المجلس البلدي على اقامة مجمع رياضي في العام 1999 ومدرج يتسع لخمسة الآف شخص ، وقد تحول الى ملتقى رياضي للمدارس والاندية يمارسون فيه وبوجه خاص لعبة كرة القدم ، والعاب القوى ورياضة الركض ، داعيا وزارة الشباب والرياضة بدعم البلدية لاستكمال المجمع وتجهيزه .
في حين ان المجمع الرياضي هو وفق المقاسات والمواصفات الدولية . واضاف: اما على الصعيد البيئي فقد اهتمت البلدية بتنظيف احراج البلدة على مساحة تجاوز المئة الف متر مربع ، ومتابعة معالجة الوضع البيئي مع وزارة البيئة ، وادارات الشركات الصناعية ، لرفع ما يمكن من اضرار صحية ، وبيئية الناجمة من وجود التجمع الصناعي في سلعاتا ، الهري ،شكا تطبيقا للقوانين والمعايير التي اقرتها وزارة البيئة، وجرى العمل بها نظريا سنة 1996 . وقال : تعمل البلدية على تصنيف الشاطىء وفقا لتصور بلديات البترون وكوبا وسلعاتا وحامات ، والهري وشكا .
ولفت الى ان البلدية انشأت حديقة عامة على مساحة اربعة الآف مترا مربعا ، كما بدأت بانشاء مركز صحي اجتماعي هو بمثابة ناد للمتقاعدين ، يضم قاعة تسلية ومستوصف ورعاية للمسننين . وأشار الى ان البلدية تقدم منحا مدرسية وتعمل على شراء الكتب المدرسية لتلامذة البلدة بالاضافة الى مساهمتها في تأمين الادوية للمرضى المصابين بامراض مزمنة ولا يستفيدون من تقديمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي او تعاونية موظفي الدولة . وتناول موضوع الانارة العامة فقال: ان المجلس البلدي جهز الانارة العامة بمولد خاص لاضاءة البلدة وشوارعها عند انقطاع التيار الكهربائي . اما بالنسبة الى مياه الشفة فاشار الى ان البلدية تقوم بعد تلكؤ الدولة عن القيام بواجبها في تأمين مياه الشفة للبلدة منذ العام 1976 ، بتأهليها محليا بعد حفر بئرين ارتوازين ، وتجهيزهما وافادة الاهالي منهما دون اي بدل . فضلا عن القيام بواجبات البلدية التقليدية ، من جمع ونقل النفايات ، ورش المبيدات ، وصيانة الطرقات ، والانارة العامة ، وانشاء جدران دعم ، وارصفة ، الى نشاطات ثقافية واجتماعية . وتابع : اما بشأن انشاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي في البلدة ، فان المجلس البلدي ، وافق وحدد محلة المرجان مكانا للصرف الصحي ، الذي يخدم بلدات حامات، ووجه الحجر ، سلعاتا، وكوبا، والبترون واجدبرا وعبرين .
وزاد : بان المحطة التي انجزت منذ مدة اشهر يقوم ومجلس الانماء والاعمار حاليا، بتلزيم مد الشبكة الرئيسية لهذه المحطة والاعمال جارية لانجازها .
التراث والعائلات
شيدت قديما منازل البلدة ، في جوار دير مارسابا ، ودير مار عبدا ولا زالت تلك المحلة معروفة بسطوح الحارة . اما احياء البلدة فهي: حي الشارع العام، الحي الجنوبي ، الحي الشمالي ، وسط البلدة ، حي الكنيسة. وتجتمع عائلات البلدة على عشاء قروي تراثي سنويا في عيد القديس سابا في 24 آب عشية العيد في ساحة الدير .
فقد عرفت البلدة الهجرة الى الولايات المتحدة الاميركية واوستراليا وكندا ويبلغ عددهم حوالي ربع عدد المقيمين وعائلاتها: سلوم ، الماروني ، طالب ، حداد، الترك، اسطفان، سلامه، تيداري، شحود، رستم. ويذكر بان العمران الحديث بسلعاتا بدأ في العام 1712 عندما قدم نهرا الفغالي اولى عائلات البلدة من فغال وتعد ثلثي سلعاتا وكان احد ابنائه يدعى سلوم .
الزراعة والصناعة
لقد اعتمد ابناء البلدة على العيش من الزراعة وبخاصة على القمح ، وتربية دودة الحرير ، وعلى صناعة الملح ، قبل ان تتحول الى بلدة صناعية ، ومن ميناء لصيد السمك ، الى مرفأ تجاري بفعل شركة كيماويات لبنان ــ سلعاتا وشركة الزيوت. والبلدة صناعية يرتكز انتاجها على وجود معامل كمعمل دبس الخرنوب، وشركة كيماويات لبنان،وشركة الزيوت ومشتقاتها ، وشركة كيماويات سلعاتا، ومؤسسة حشيمه لنشر الصخور ، ومؤسسة مياه جاد،ومياه الأرز، ومعمل كفوري للمعادن. كما يوجد في البلدة مرفأ تابع لشركة كيماويات لبنان ومرفأ آخر لشركة كيماويات سلعاتا ضمنه حوض لقوارب الصيد .
لقد اعتمد ابناء البلدة على العيش من الزراعة وبخاصة على القمح وتربية دودة الحرير ، وعلى صناعة الملح ، قبل ان تتحول الى بلدة صناعية ، ومن ميناء لصيد السمك الى مرفأ تجاري بفعل شركة كيماويات لبنان ــ سلعاتا ، وشركة الزيوت .
ويتطلع رئيس البلدية الى استكمال ورشة الاعمال التي تنجز خلال سنة وابدى عن رغبة المجلس في تنظيم البلدة ، وتسمية شوارعها، وترميم منازلها وفق نظام GIS.