حقيق فاديا دعبول
يستقبلك نصب عشتار في حديقة عامة عند مدخل بلدة دار بعشتار، منحوتا على جذع شجرة زيتون معمرة لم تتعبها السنوات ولا مواسم الخير والقطاف والثمار. فعشتار إله الحب والخصب، فاض كرمه في سهول زيتون البلدة وتلالها الضارعة نحو السماء، في لوحة طبيعية تبهر الابصار وتمجد الخالق في كل عطاياه.
يعود اسم دار بعشتار الى اصل سرياني مركب، فالدار هي الهيكل أو المعبد او المقام، وعشتار هو عشتروت إلهة الحب والخصب وزوجة "تموز البعل"، فدار بعشتار ليست إلا هيكل عشتروت.
وجاء في كتاب "وجه لبنان ان في بلدة دار بعشتار آثار هيكل فينيقي وروماني، وهذا ما تجده وتشعر به عندما تطأ قدماك هذه البلدة التي تعود آثارها الى زمن الوثنيين، وقد تحول معبد عشتار فيها الى كنيسة السيدة العذراء خلال القرن السادس عشر.
وخلال حملة تنقيب عن الآثار في البلدة عام 1937، اكتشفت في مكان يبعد عن كنيسة السيدة ستة أمتار لجهة الغرب، على عمق ثلاثة أمتار، صخرة محفورة وأجران ومعصرة للعنب، وأقبية ودهاليز تمتد بين كنيسة السيدة وكنيسة مار جرجس، وهي كناية عن عقد حجري يعلو حوالى متر ونصف متر، وسعته متر.
شهدت دار بعشتار حركة نزوح لافتة اليها من العائلات المارونية في القرن التاسع عشر، بسبب الانتماء الطائفي من جهة وبفضل اهتمام الكنيسة المارونية منذ القرن السادس عشر بالاعداد التعليمي للنشء الماروني من جهة أخرى، وقد ازدهرت دار بعشتار الكورانية بذلك، كما أن إنشاء مدرسة القديسة تريزيا فيها لاحقا عام 1949 عزز كثيرا من موقعها الديني. وفي كتاب "جوانب من تاريخ الكورة في العهد العثماني"، ذكرت أسماء كثيرة من أبناء بلدة دار بعشتار كرهبان وكهنة من الطائفة المارونية، وهي تعد في زمننا الحاضر من أهم البلدات الكورانية المارونية، وهذا ما جعلها محطة للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي عندما انتقل الى الديمان.
موقعها
تقع البلدة في الطرف الجنوبي الشرقي من قضاء الكورة، على هضبة تشرف على وادي نهر العصفور من الجنوب والشرق، وهضبة متطاولة في الاتجاه الشمالي الجنوبي، مرتفعة عن سطح البحر قرابة 400 متر، الامر الذي حولها الى موقع دفاعي وجعل منها مركزا للاستقرار البشري منذ ما يزيد على الفي سنة. ويتجاوز عدد سكانها اليوم 3900 نسمة يتوزعون على مساحة خمسة ملايين و800 ألف متر مكعب.
تبعد البلدة عن طرابلس حوالى 20 كيلومترا، وعن شكا حوالى 11 كيلومترا عن طريق الكفر اميون، وتبعد عن مركز القضاء اميون 5 كيلومترات، وعن بيروت 80 كيلومترا.
تتصل دار بعشتار بقضاء البترون عن طريق دير الزكزوك، المجدل، كفرحلدا، وبقضاء بشري عن طريق مزرعة ابو صعب الى الشرق، وتتصل بكل من بلدان اميون وبزيزا وكفرعقا.
معبد الاله عشتار
من آثار البلدة معبد الاله عشتار. وقد رمم مرارا وتكرارا وتحول الى معبد مسيحي - كنيسة السيدة اليوم- وحجارته خير شاهد على قدم عهده، وتعود الى العهود البيزنطية. المعبد يقع شرق القرية، طوله عشرة امتار وعرضه سبعة، ويستعمل مزارا وتقام فيه في عيد انتقال السيدة العذراء الصلوات من 7 الى 15 آب. وحديثا تم حفر جدرانه من الداخل على نفقة المهندس اسحق عبود، كما تبرع غاوي الغاوي ببناء القبة الحجرية ووضع الجرس.
كنيسة مار جرجس
هي كناية عن عقد طوله 33 مترا وعرضه 16 مترا. تعلوها قبة حجرية ترتفع عن سطحها عشرة امتار، ويعود تاريخ بنائها الى عام 1902. ويروى انه في تلك السنة رأى كاهن الرعية الخوري بولس الشالوحي مع اهالي القرية ان الكنيسة القديمة ضاقت بهم، فتنادوا لبناء كنيسة جديدة مكان القديمة، وانتهى البناء في عهد المطران اسطفان عواد. وتمتاز الكنيسة بحجارتها والنحت والحفر فيها. والى جنوبها قاعة رحبة للاجتماعات الدينية والاجتماعية بناها عام 1996 رئيس المجلس البلدي الحالي غاوي شحادة الغاوي وفاء لذكرى زوجته ندى.
كنيسة مار شليطا
تقع هذ الكنيسة بين كروم الزيتون، وتعود الى العهد الصليبي، ولم يبق منها الا بعض من جدرانها وصينية المذبح. ويقصدها المتنزهون من كل المناطق لتمضية أوقات طويلة ومريحة في الطبيعة.
مغارة مار الياس
تقع جنوب غرب البلدة في السفح الذي ينتهي بمجرى نهر العصفور، وقد تناقل الاقدمون "أن المسيحيين الاوائل لما قدموا الى القرية كانوا يرعون حيواناتهم على مقربة من المغارة، وكانوا يشاهدون راهبا يركع ويصلي عند الظهر، فيقصدونه ليصلوا معه فلا يجدونه، وبعد السؤال عرفوا أنه القديس الياس الحي، فكرسوا المغارة على اسمه".
وفي عشرين تموز من كل سنة يحتفل أبناء المنطقة بعيد مار الياس ويزورونه في دار بعشتار دون سائر المناطق ليتباركوا من المياه المجمعة في الاجران، وقد حدثت بشفاعته عجائب كثيرة لدى أبناء الطائفتين المسيحية والاسلامية، وحتى اليوم ما زالت طريقه وعرة وضيقة لا تصلها السيارات.
أهم عائلات دار بعشتار: الشالوحي، بوغصن، الزغبي، عنداري، علم، غصين، رومانوس، عبود، سرورن حمورة، شلفون، غاوي وعقل.
ومن موارد البلدة زراعة الزيتون ومعاصر الزيت، مزارع الدجاج والبقر، زراعة العنب والتين واللوز.
متميزون
زخرت دار بعشتار بالكثير من الرجال والنساء الذين لمعت اسماؤهم في لبنان وعالم الاغتراب على كل المستويات الفكرية والعلمية والفنية والادبية والعملية والدينية، ونذكر هنا المطران جبرائيل الياس طوبيا الغصين الذي ولد عام 1930 وقد سيم اسقفا على ابرشية طرابلس المارونية عام 1993، وخدمها بإخلاص حتى وفاته عام 1997. والام ماري الياس بشارة التي انتخبت رئيسة عامة للرهبة عام 1982 ثم أعيد انتخابها عام 2000.
الهجرة
أول ما عرفت دار بعشتار الهجرة الى البرازيل والارجنتين والاورغواي في أربعينات القرن التاسع عشر، وان الياس وداوود القصير هما أول من هاجر من القرية في اتجاه القارة الاميركية، ورست بهما الباخرة على شواطئ البرازيل في السبعينات، وقد عملا في التنقيب عن الحجارة الكريمة مما سمح بتحسن أوضاعهم المالية بعدما خبرا شظف العيش في بلدتهم، مما شجع كثيرين من أبناء البلدة على الهجرة.
ويذكر أن ما يقارب 290 عائلة من دار بعشتار هاجرت منذ ان عرفت البلدة الهجرة الى الخارج.
المخاتير
ومن المخاتير الذين تعاقبوا في بلدة دار بعشتار من عام 1924 حتى يومنا هذا، على التوالي: الياس جرجس الشالوحي، نسيم الشالوحي، رشيد سليمان بو عاصي، حنا مخائيل الشالوحي، جرجس العنداري، ميشال الياس رزق الشالوحي، بطرس الخوري الشالوحي، وليم مالك عقل، ادمون الياس ابي غصن، عيد يوسف بو غصن، اما مختار البلدة الحالي فهو ادمون ابي غصن.
العمل البلدي
أما رؤساء المجلس البلدي الذين تعاقبوا على البلدة منذ الستينات فهم: الياس رزق الشالوحي، جان الياس فرنسيس بو عاصي، عزيز جرجس حاتم الشالوحي، وعام 1971 تسلمها قائمقام الكورة حتى 1998 حين فاز غاوي الغاوي في الانتخابات، ثم فاز ادوار حنا الشالوحي عام 2004 الى 2005 حتى تسلمها القائمقام، وفي الانتخابات البلدية الاخيرة عاد غاوي الى رئاسة المجلس.
ومعلوم أن دار بعشتار بقيت أكثر من ثلاثين سنة من دون مجلس بلدي، الامر الذي انعكس سلبا على تطورها ونموها، إذ اقتصر تمويل المشاريع العامة على التبرعات الفردية وتبرعات بعض الجمعيات واللجان المحلية، الى ان تشكل اول مجلس فيها عام 1998 برئاسة غاوي الغاوي وانطلقت ورشة الانماء على كل الصعد.
ويلفت رئيس المجلس البلدي غاوي الغاوي في لقاء معه الى أهم المشاريع المنجزة، وهي: توسيع اقسام كبيرة من الطريق العام الاساسي الذي يستفيد منه جميع ابناء البلدة بعرض يناهز المتر والمترين في بعض الامكنة، وذلك بالتوافق مع أصحاب العقارات، إضافة الى توسيع الطرق التي تؤدي الى المدرسة الرسمية وكنيسة مار جرجس وكنيسة السيدة، وتوسيع طرق الحي الجنوبي في القرية تفاديا لإقامة تخطيط في هذه المنطقة، من أجل الحفاظ على تراث المنازل القديمة.
كذلك أقامت البلدية أقنية لصرف مياه الامطار في الشتاء على جميع الطرق في البلدة.
وشقت طريق العربة عند الكنيسة بمساعدة البنك العربي للتمويل، وطريق السهل حيث أخذ الرئيس على عاتقه تعبيد الطريق الزراعية بين مفترق الزكزوك وبزيزا، وقد سمحت هذه الطريق لمزارعين كثر بالوصول الى أراضيهم والقيام باستثمارات عديدة من مزارع بقر ودجاج الى معامل خفان وحليب. كما قامت البلدية بالتعاون مع بلدية أميون وبمساعدة المشروع الاخضر بشق طريق عبر قلعة أميون.
وتهتم البلدية بشكل دائم بموضوع الانارة وتنظيم السير وجمع النفايات وإدارتها، ورش المبيدات والسموم والمازوت في الحفر الصحية والتعاون مع أهل البلدة في صيانة الحفر الصحية وتفريغها، إضافة الى الحفر والتمديد لشبكة قساطل مياه الشفة للقرية كلها، وإقامة تمثال على مدخل القرية يرمز الى عشتار لحفظ تراث من يمثل اسم البلدة. وقد شارك المجلس البلدي في جميع مناسبات البلدة الاجتماعية والدينية والتربوية والثقافية، ودعم الجمعيات والنوادي والمدارس في البلدة، وأهمها مدرسة السانت تريز والمدرسة الرسمية، وحركة كشافة الارز، والفرسان، والطلائع، والنادي الرياضي.
ويشار الى أنه قبيل انتهاء مدة الولاية الاولى لغاوي، قدم لأهالي دار بعشتار تقريرا مفصلا عن إنجازات البلدية والبيانات المالية مع إيضاحات حولها، شاكرا المجلس البلدي المؤلف من 12 عضوا على تعاونه. وكما وعد بالجهوز لمتابعة طريق العطاء من أجل مصلحة البلدة وأبنائها، وفى بوعده، ويتابع اليوم العمل البلدي بالزخم نفسه والامانة نفسها، رغم أن الظروف العامة تغيرت بعض الشيء كما قال، والعائدات التي كانت تغطي تنفيذ مشاريع محددة لم تعد تفي بالغرض لارتفاع أسعار بعض المواد الاولية مثل الاسمنت، وكلفة اليد العاملة. إلا أن الغاوي يتابع عن كثب المشاريع الملحة مثل موضوع الصرف الصحي الذي لم يشمل البلدة في مرحلته الثانية، ولم توضع الدراسة لدار بعشتار والبلدات المجاورة لها، إلا أنه يأمل في تنفيذ المشروع كله، وخصوصا أن المرحلة الاولى أنجزت والثانية استهل العمل فيها.
ويشدد الغاوي على أهمية المشروع بالنسبة الى البلدة صحيا وبيئيا، وما يوفره على ميزانية البلدية من تكاليف لأنها تساهم مع المواطنين في دفع نصف أعباء التخلص من مخلفات الحفر الصحية. ويتمنى لو ان المشروع بدأ تنفيذه منذ سنوات عديدة، "لكان وفر على الكورة الكثير من المشاكل على كل الصعد، وأهمها البيئية في كورة العلم والثقافة والوعي".
ويأسف لعدم قدرة البلديات ماليا على تنفيذ مشاريع عامة تتعلق بالبنى التحتية، مثل الصرف الصحي وجر المياه، وخصوصا أنها تحتاج الى دراسات مكلفة، إنما يلفت الى الدور التوعوي الذي يمكن البلديات ان تؤديه تجاه الكثير من الامور العمرانية والثقافية والصحية، مثل الاهتمام بالمواسم الزراعية، والحفاظ على جودة زيت الكورة، والقيام بتوأمة مع بلديات أخرى، وتبادل الخبرات معها، وتصريف المواسم الزراعية المحلية بينها.
ويذكر بأن البلدية سلطة محلية لها دورها الذي يجب أن تؤديه على المستوى الانمائي العام، "لذا يجب ان يلتف الجميع حولها ويساهموا في انجاح عملها بغض النظر عن التوجهات السياسية المختلفة في كل قرية وبلدة، لان الانقسامات تفشل العمل البلدي.
وبمحبة وانفتاح على الجميع أن يثابروا على تحقيق المزيد من الانجازات في بلدتنا الحبيبة". ويعطي موضوع المياه الاهتمام البالغ "لان البلدة شحيحة في المياه وتصلها مرة واحدة في الاسبوع، وتوزع بالتقسيط على الاحياء، اضافة الى وجود عيارات عليها، من هنا تعاونت البلدية مع مجلس الانماء والاعمار فقدمت عقارا لتحفر فيها بئر ارتوازية تؤمن المياه للبلدة، وقد رصدت الاموال والمشروع قيد التلزيم".
ويشير الى أن المستوصف التابع لوزارة الشؤون الاجتماعية الذي ساهمت البلدية أخيرا في افتتاحه في المبنى البلدي، ينتظر انطلاق العمل فيه، والبلدية على استعداد لدعمه ضمن إمكاناتها.
وينوه بالاستقبال المميز والجامع الذي أقيم للبطريرك مار بشارة بطرس الراعي في دار بعشتار.
ومن المشاريع المستقبلية التي يسعى اليها في المستقبل، إقامة مهرجانات سياحية دينية، ولا سيما ان دير مار الياس العجائبي في دار بعشتار يجمع سنويا في عيده ابناء المنطقة والجوار ويقصده المؤمنون من كل لبنان للتبرك.
ويشيد رئيس البلدية بعمل الاتحاد ونهجه، ويطالب بتعزيز صلاحيات البلديات لتواكب التطورات المستجدة.
ويؤكد أخيرا "ان الكل في بلدية دار بعشتار يعمل ليفتخر كل فرد من البلدة بالقول: "عندي دار ب عشتار".