وطنية - تابع "ملتقى التأثير المدني" قبل ظهر اليوم مسار "الحوارات الصباحية" الشهرية بانعقاد اللقاء الحادي عشر في فندق "جفينور" - روتانا الحمرا بعنوان "لبنان والمواطنة: نحو دولة حكم القانون" حضره نخبة من الشخصيات الأكاديمية، الإدارية، القانونية، الدستورية، الثقافية والفكرية، والقضاة والضباط المتقاعدين، والإعلاميات والاعلاميين، وناشطاتٍ وناشطين في المجتمع المدني ورئيس وأعضاء الهيئة الإداريّة للملتقى.
قدّمت اللقاء الإعلامية دنيز رحمة فخري، ونقل مباشرة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصّة بالملتقى.
بداية،النشيد الوطني فدقيقة صمت عن أرواح ضحايا العدوان في لبنان، وبعده وثائقي تعريفي عن "ملتقى التأثير المدني"، ومن ثمَّ وثائقي إستعراضي للِّقاء العاشر الذي عقد بعنوان: "لبنان دولة المواطنة والشراكة الميثاقية في الحكم".
الحويك
بعدها كانت كلمة عضو مجلس إدارة ملتقى التأثير المدني المهندس الياس الحويك، الذي رحب بالمشاركين "من رَحم الوجع، من قلب الدّمار، من الخَطَر على الكيان، ومن تهديد السيادة، ومن التضامن في مواجهة العدوان، والوحدة الوطنية لوقف استِباحة الدولة".
وقال: "لم نرِد وَقْف مسار نِضالِنا في الملتقى، وعيننا على لبنان في اليَوْم التالي، أولم تكفينا حروب، وصراعات، ورهانات، وارتِهانات؟ مرَّة جديدة ها نحن اليوم معًا في اللّقاء الحادي عشر من مسار "الحوارات الصباحية"، ولُبْنان يناضل كي يبقى وطن الحرية، والديموقراطية، والعدالة، والحوكمة السليمة".
أضاف: "المرحلة مفصلية نحتاج فيها توحيد الرؤية، والبرنامج، في قيادةٍ تشاركيّة نحو بناء دولة المواطنة السيدة الحرة العادلة المستقلّة".
ختم: "دولة حكم القانون تستصرخنا بعد ضرب الدولة، وتفخيخ الحكم، وتدمير القانون. إنه زمن تصويب المفاهيم والمسارات، إنّه زمن العودة إلى الدولة. إنه زمن التوبة. هذا عهد علينا ووعد. عشتم وعاش لبنان".
الأمين
ثمَّ تحدث ميسّر الحوار الصحافي علي الأمين، فقال: "يسعدني أن أكون بينكم، نتطلّع وإيّاكم إلى لبنان الذي يجمعنا كمواطنين، مسكونين بإرادة النّهوض بالدّولة، الممتشقين سلاح الكلمة، الباحثين عن إشعاع حضاريّ، يشرق كخيوط الضوء من بريق عيني كلّ لبناني، على امتداد هذه الارض، نفتّش في قاموس الوطن، عن المعنى في أن نكون شعبًا، على أرض يحكمها نظام ارتضيناه، وعقد اجتماعي يحيل العدل والانصاف والمساواة امام القانون، إلى حيّز الوجود الوطني".
أضاف: "لعلّنا ونحن في حضرة ملتقى التأثير المدني، محكومون أكثر من أي مساحة لبنانية أخرى، باسئلة الوطن وحلم الدّولة، وسبل انتظام العيش اللبناني، نتطلع في هذه اللقاءات الدورية الى مستقبلنا كمواطنين لبنانيّين، ممتلئين بهذا العشق السّاحر والمؤلم والقاتل للبنان، لشعبه، لأرضه، لقامات في الفكر والأدب والشعر والثقافة والفنون، جعلت من هذا الوطن حكاية مشتهاة، ومرتجى لأوطان وشعوب، رغم كل الآلام والأحزان والمصائب، التي لا تنكفّ عن فعل النّكبة في هذا اللبنان الجريح".
ولفت إلى أنه "لا يستطيع المرء في هذه الأيام، إلّا أن يستحضر هذا الذي يهزّ بنيان الدّولة شعبًا ومؤسسات، وأرضًا مستباحة من العدوان الهمجي للعدو الخارجي، ها نحن اليوم أمام واقع غير مسبوق في تاريخ لبنان الحديث، أكثر من مليون نازح لبناني في بلدهم، وإزاء عملية تدمير ممنهج لقرى وبلدات على امتداد الجنوب والبقاع، وأمام سلطات لبنانيّة بتراء، مستسلمة لعجزها وضعفها، غير ساعية لفعل ما يجب، من أجل حماية الشّعب او الذود عن الدّولة، هي ببساطة التّعبير الصارخ عن مسار سلطوي طويل، من تجاوز الدّستور واستباحة القانون وغياب المحاسبة، أو توفير الوسائل الضامنة لتنفيذ القانون".
أضاف: "لعلّه من هنا نبدأ في مواجهة هذا الكمّ الهائل من التحدّيات، التي تصل بنا الى السّؤال الوجودي كمواطنين ودولة، إذ لا يفتقد لبنان الى النّصوص القانونيّة التي تنظّم حياة المواطنين داخل الدّولة، ولا القواعد التي تقرّ مبدأ المساواة بين المواطنين أمام القانون، وحق التّقاضي وربما ثمّة عشرات القوانين، إن لم تكن المئات التي تفتقد معناها، لانّها تحيد عن غاياتها بقوّة السّلطة من جهّة، ومن غياب الضمانات للسّير في تطبيقها، او لانعدام الآليّات التي يتطلّب تحققها".
تابع:"لذا عنوان لقائنا اليوم هو: "لبنان المواطنة نحو دولة حكم القانون"، ومن حظ هذا اللقاء وحظوظنا جميعًا، أن من يقارب هذا التحدي الوطني القانوني، هو قامة لبنانية نفتخر بها جميعًا، الغنيّة عن التّعريف، وهو القاضي الدّكتور غالب غانم، والسّيرة تطول وتمتدّ لهذا الرّجل اللّبناني بامتياز، والقاضي النّزيه والمتمرّس طيلة أربعين عامًا في السّلطة القضائيّة، توجهًا برئاسة مجلس القضاء الأعلى، وهو إلى ذلك كلّه، أديب مفعم بإرث الشّعر واللّغة".
ختم:"من دولة القانون إلى دولة حكم القانون وما الفرق بينهما، ما الغاية والهدف، وكيف يطبّق القانون، وما هي السّبل التي تقربّنا من العدالة؟ كلّ ذلك وسواه نتشوّق للإنصات إليه من المحاضر القاضي الدّكتور غالب غانم وله الكلام في زمن عزّ فيه كلام السّواء والحقّ".
غانم
بعدها كانت مداخلة الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى القاضي الدكتور غالب غانم، الذي استهلها بالقول: "إنّ مصطلح "حكم القانون" هو الصيغة العربية لما يُسمّى (Rule of Law) بالانكليزيّة، أو (Le règne du droit) بالفرنسية. ومن الجليّ أنّ الصيغة الفرنسيّة تختلف عن المصطلح الآخر الشائع المسمّى (?tat de droit) اي دولة القانون، وهو اختلاف سيكون له دور في تبرير التفريق بين دولة القانون وحكم القانون".
وقال: "بالرغم من أنّ لحكم القانون معالم في حضارات شتّى شرقيّة وغربيّة، مُعرّقة في القدم أو حديثة، كانت تتبدّى كلّما كان القانون يوضع ويُفسّر ويُطبّق في خدمة الإنسان، فإن جذوره البعيدة وانطلاقته الرائدة لازمتا الثقافة الأنغلوساكسونية التي تعير اهتمامًا بالغًا لتكييف الوظيفة القانونية مع مقتضى الواقع. وإن بلورة نظريته تعود بصورة خاصة الى محاضرات للبروفسّور Albert Venn Diceys نُشرت سنة 1885 ودارت حول ثلاثة أركان مُلخّصها أن القانون، وهو الأسمى من كل سلطة، يتعارض مع كل ما هو تعسفي واستنسابي، وأن جميع المواطنين متساوون أمام القانون بغض النظر عن أي هوية أو موقع، وأن ما يحمي الأفراد هو القانون العام Common Law الذي يضمن الحقوق والحريات عن طريق معالجة خرقها في المحاكم، وهذا ما يجعل الشعب مصدر السلطات لا الدستور كما هي الحال في الثقافة القانونية اللاتنية".
أضاف: "لمزيد من التمييز بين مفهوم دولة القانون ومفهوم حكم القانون، بالمستطاع التعويل على مصدر كلّ منهما، فمصدر دولة القانون لصيق بمصطلحات الشرعية ومبدأ تسلسل القواعد وحتميّة احترام أنظمة الدول، أمّا المصدر الأصلي لحكم القانون فهو مرتبط بتراكم الاختبارات العمليّة التي تقدّم النموذج الأفضل لإدارة شؤون الناس ولحمايتهم من أيّ عَسْفٍ أو طغيان". و"بالرغم من نقاط الإطلاق المتباينة ومن وجوه التطبيق والتقنيات القانونية المتباعدة في الأصل، وبالرغم ممّا بين المفهومين موضوع هذه الورقة من تمايز، فإنهما راحا، في ظلّ الدولة الحديثة، يتقاطعان عبر أركان متعددة أبرزها الرّداء الديمقراطي المنشود الذي يضع في صدارة اهتمامه مواكبة مسؤولية الحاكم، وحقّ المواطن، واستقلال القضاء".
ولفت غانم الى أنه "يحسن التذكير، ولو في هذه العجالة، بأن مفهوم حكم القانون يتعزّز عن طريق الوسائل (كالحكم الديمقراطي، وفصل السلطات، والرقابة على دستورية القوانين وعلى أعمال الإدارة...) وعن طريق الغايات (ثلاثيّة الحرية والمساواة وحقوق الإنسان، والحق بالدعوى العادلة، وحماية الطرف الأضعف، وتحقيق العدالة...)، وعن طريق الضمانات (حكم المؤسسة لا حكم الفرد، واستقلال القضاء واستقلال القاضي، والشفافية والمساءلة...).كما يحسن التذكير مرّة أخرى، بأنّ التعداد الآنف الذكر لا يخلو من ملامح التقاطع بين مفهومي دولة القانون وحكم القانون".
وأشار إلى أن "أبرز ما تصبو اليه دولة المواطنة بمفهومها الأحدث هو التوفيق بين مقتضى ممارسة السلطة وتعزيز دور المؤسسات وترسيخ مبدأ دستورية القوانين وحماية النظام العام من جهة، وبين وضع هذه الأدوات جميعاً في خدمة المساواة والحرية وأي حق آخر من حقوق الإنسان. وإن دولة المواطنة المنشودة في لبنان لن تستقيم إلا بتخطي عقبات شتى أبرزها الانتماء إلى الجماعات الصغرى وإلى الطائفة لا إلى الجماعة الكبرى والوطن، وذهنية الانتماء إلى الفرد لا إلى المؤسسة السياسية الديموقراطية، وفقدان روح التضامن الاجتماعي، وشيوع ممارسات الفساد، والمحاولات الرامية إلى خلخلة القضاء".
ختم: "ما عدّدناه هو بعض العقبات، وقد يكون بعضها القليل. في حين أنّ الممارسات لا تسلك الطريق الصحيح، والطويل".
وختاما كان نقاش بين المنتدين والمشاركات والمشاركين.
===== ج.س