كي لا نخسر ذاكرتنا أكثر ويزيد صمتنا أكثر ..الذكرى الرابعة لكارثة مرفأ بيروت
أمل بالحقيقة والعدالة وأسف لعدم رؤية أي محاسبة

تحقيق كاتيا شمعون 
 
بالامس، لم تغص كاتدرائية مار جرجس المارونية في قلب العاصمة بيروت، بالمؤمنين او المشاركين او الغاضبين او الحزانى...لم يأتوا ليحتفلوا مع من أتى، بالذكرى السنوية الرابعة لتفجير مرفأ بيروت في الرابع من شهر أب 2020.
 
إلى ماذا تحول ذاك الغضب؟ كيف أصبح شكل ذلك الحزن الزلزالي؟ إلى يأس او إلى صمت!! 
قال راعي أبرشية بيروت المارونية المطران بولس عبد الساتر، في عظته:"يسألون كيف تنتهي أوطان عمرها من عمر الزمن، فأجيب: تنتهي هكذا أوطان حين يفسد الحكام ويصمت الشعب وينسى. وحين يموت الأبرياء ويصمت الشعب وينسى. وحين تنتهك الحقوق وتسرق الأرزاق ويصمت الشعب وينسى. وحين يسجن الضمير في حبس الأنانية والتعصب ويصمت الشعب وينسى. وحين يقع انفجار كانفجار مرفأ بيروت ويصمت الشعب وينسى. فعلينا أن نطالب بالحق لأصحابه وعلينا أن نتذكر وأن نجاهد من أجل حماية الحياة وكرامة الإنسان، وأن نواجه الفاسدين ونحاسب المهملين والمسببين مهما طال الزمن حتى يبقى وطننا ويبقى وطن الحرية والإنسان".
 
عن معنى ذكرى الرابع من آب، يضيف المطران عبد الساتر:"4 آب ليس مجرد ذكرى بالنسبة إلينا لأننا لم ننس ولن ننسى. إنه تذكير لنا جميعا بأنَّ كلَّ إنسان إذا ما أسلم ذاته للشر وسعى بطريقة عمياء خلف السلطة والمال غير آبه بمن حوله يتحول حتما إلى كاسر يفترس البشر والحجر ويسبب المآسي العظام. 4 آب هو تذكير لكلِّ مسؤول، مهما صغرت مسؤوليته بأنه إن أهملها فهناك حتما ضرر على أهله ووطنه وأنه وإن أفلت من عدالة القضاء على هذه الأرض بسبب نفوذه وألاعيبه، فإنه سيواجه  ربه الذي سيحاسبه على إهماله واستهتاره بحياة إخوته وأخواته ولن ينفعه حينها نفوذه أو حيله. فحري به أن يقوم بواجباته دوما وإن أخطأ فليعترف بخطيئته ويطلب الغفران من الله ومن أخيه حتى يسلم من البكاء وصرير الأسنان الأبديين. 
 
4 آب هو دعوة يوجهها أهالي الشهداء والضحايا مع كلِّ الجرحى والمتضررين إلى إخوتهم وأخواتهم في الوطن ليستمروا في الضغط وإياهم على السلطة السياسية والقضائية حتى تكشف الحقيقة كاملة حول ما جرى في مرفأ بيروت وتعلن أسماء المسؤولين من أجل المحاسبة والتعويض. 
 
4 آب هو دعوة إلى العودة إلى التضامن الذي رأيناه صباح الخامس من آب 2020 حين هرع اللبنانيون، شبابا وبالغين، من كل المناطق ليقفوا إلى جانب أهلهم في بيروت. علينا جميعا أن نحافظ على هذا التضامن الذي كان بارقة أمل لاستمرار لبنان وسط المأساة وألا ندعه يموت ضحية التعصب السياسي أو الديني الذي يحركه البعض من أجل أن يحافظ على مكانته وماله ومصالحه الشخصية أو لكي يزيد حجمه أو ليربح عطف جماعته فيسمعها ما يدغدغ مشاعرها ويحاكي شهوتها ولو كان باطلا. 
 
4 آب هو دعوة موجهة إلى كل مواطن ومواطنة أصيل إلى أن يعيش الاستقامة ويتحمل مسؤوليته الوطنية ويتوقف عن "التزلم للفاسد" من أجل ثلاثين من الفضة وينادي بالحق ويعمل على إحقاقه مهما طال الزمن وقوي الظالمون".
 
الغداء
بعد القداس الإلهي توجه جميع الحاضرين، وجريا على تقليدهم الذي اصبح مع الأسف سنويا، الى "مطبخ مريم" في منطقة الكرنتينا، الذي أسسه الاب هاني طوق على اثر تفجير مرفأ بيروت في الرابع من شهر اب 2020، حيث تناولوا طعام الغداء واستراحوا استراحة المحارب قبل توجههم إلى مركز فوج إطفاء بيروت  للإنضمام إلى باقي الأهالي والمواطنين، رافعين علما لبنانيا كبيرا دون عليه قسم أهل الضحايا يتعهدون فيه متابعة المسيرة حتى جلاء الحقيقة واحقاق العدالة والمحاسبة.
 
مبادرات
يقول أحد الكهنة المشاركين، "لا أعرف إذا كنا سنصل يوما ما إلى الحقيقة، انما خلال هذه المسيرة، وبانتظار احقاق الحق، انظر الى المبادرات التي أزهرت وهي للخير العام، وآمل ان يتحول الغضب الذي يعترينا إلى ما يفيدنا ويفيد أهل الضحايا والجرحى والمجتمع".

كنيسة لأجل لبنان
هل يمكن ان ننسى؟ يقول الاب طوني لطوف من مجموعة كنيسة لأجل لبنان، "رافقنا أهالي الضحايا منذ اليوم الثاني للانفجار، تربطنا معهم علاقة اخوية وضحاياهم أصبحوا ضحايانا، صحيح ان الجميع تأذوا من الانفجار انما هم كانت إصاباتهم مباشرة. نحن نسعى ان نكون أمينين لهذه القضية ونعطيها الكثير من وقتنا، وفي كل صلواتنا نذكر بالرابع من اب كي لا ينسى المواطنون ما حدث. انها مسيرة ونحن سنكمل فيها".
 
وشدد على انه علينا "ان نقوي بعضنا ونقف إلى جانب من يجاهد للوصول إلى الحقيقة. قبل الحديث عن المسامحة والغفران من الضروري ان يكون هناك شخص ما لنغفر له ونسامحه. لذلك بالنسبة لنا إذا لم تتحقق العدالة ونعرف الحقيقة، على الأقل معرفة ماذا حصل بالواقع وليس من خلال التحليلات او التكهنات، لا يمكننا العيش في مسيرة تحرر".
 
ويضيف :"ان العدالة هي الخط الأساسي الذي من خلاله يمكننا المضي في مسيرة الشفاء مع الذين تضرروا من انفجار الرابع من اب، ومن يتمنون الموت للإلحاق باحبائهم ومن يتألمون كل لحظة. حتى يسوع المسيح عندما صفعه الجندي قال له لماذا تضربني. ان جوهر القضية هو انه من حقنا وحقهم ان يعرفوا ماذا حصل ومن هو المجرم الذي غير حياة الاف العائلات".
 
نون
طبعا، من حقهم ان يعرفوا ماذا حصل، يضع شقيق الضحية جو نون، وليم نون، على صفحته على فايسبوك صورة تظهر شقيقه مع رفاقه يحاولون كسر قفل باب العنبر رقم 12، ويقول:"هيدي آخر صورة لدجو عباب العنبر يعني آخر مرة تنفس وآخر مرة كان جسمو قطعة وحدة وآخر مرة حكي، يمكن كتار بيستغربو أو بيستخفو بيلي عم نجرب نعملو ، بس نحنا لهلق بعد مش عارفين كيف ماتو فعليا".
 
الاب طوق
عن "مطبخ مريم" في منطقة الكرنتينا التي تضررت بشكل كبير جدا من الانفجار، يقول المؤسس الاب هاني طوق:"بعد أيام قليلة على حادثة 4 آب التي هي تفجير مرفأ بيروت وليس انفجاره، عشنا بصدمة كبيرة لذلك اتخذنا القرار -انا وعائلتي - النزول إلى الشارع والطهي لكل المتطوعين الذين أتوا للمساعدة على رفع الأضرار. بعدها اكتشفنا ان هناك 70 الف شقة متضررة والمئات من الضحايا(263) وآلاف الجرحى (7000) ومن أصيبوا بإعاقات (2000)،إكتشفنا كمية هائلة من الوجع ولهذا قررنا الاستمرار بعملنا في "مطبخ مريم". في اول عام اي 2020 كنا نوزع 220 طبقا يوميا، في العام 2021 وصلنا إلى 600 طبق يوميا، وفي العام 2022  إلى 800 طبق، اما في العام 2023 وصلنا إلى الف طبق . ومع بداية 2024 ومن مطبخنا الجديد بدأنا نوزع بين1200 و1500 طبق يوميا".

يشدد الاب طوق على ان "المطبخ مفتوح امام كل الناس من كل الفئات والأديان والأعراق والجنسيات، يمكن لأي شخص الدخول وتناول الطعام من دون تسجيل اسمه او إعطاء اي معلومات عنه، كما بامكانه أخذ الطعام معه إلى منزله"، لافتا إلى أن " 10 جمعيات تأخذ من مطبخنا وجبات الطعام وتوزعها على من هو بحاجة". 
ويضيف :"لدينا ايضا قسم العيادة حيث توزع الأدوية مجانا وهناك متابعة (مجانية) نفسية وروحية واجتماعية.
ونحضر حاليا لتأسيس ملجأ لكل المشردين حيث سيكون بإمكانهم المجيء لغسل ثيابهم والاستحمام والطبابة وتناول الطعام من دون المبيت. وهذا المركز سيكون مفتوحا امام الجميع ايضا ومن دون استثناء".

وأمل الاب طوق ان نحتفل في العام المقبل بالحقيقة والعدالة، "لانه بغياب الحقيقة لا عدالة، وبغياب العدالة لا مسامحة ولا مصالحة".

كفوري
فقدت شقيقة لورا كفوري، نظرها جراء اصابتها إصابة بليغة في تفجير مرفأ بيروت، بقيت على اثرها ثلاثة أسابيع غائبة عن الوعي، وقال الأطباء حينها انه لا امل من عودتها إلى حياة، لكنها استيقظت واخبرت العائلة ان القديس شربل قال لها لا تخافي وأنه معها.

بعد أربع سنوات على الكارثة، تقول كفوري "نحن كمواطنين نقوم بواجبتنا تجاه دولتنا لكنها بالمقابل لم تقم باقل واجباتها تجاهنا والذي هو حق من حقوق الانسان الا وهو العيش بأمان، إضافة إلى غياب المحاسبة والعدالة". 

تضيف:" الدولة غائبة ايضا عن تحمل مسؤوليتها تجاه الضحايا الجرحى الذين وقعوا نتيجة التفجير وما زالوا حتى اليوم يتعالجون. حاولت الدولة اللعب على الأهالي عبر دعوتهم إلى وقف المطالبة بالتحقيق واعتبار ما حدث إهمالا، مقابل الحصول على تعويضات مالية. نحن رفضنا هذا الأمر. وحتى اليوم لم نر اي محاسبة لأي شخص على هذا الانفجار الضخم، ولا يريدون ان يحاسب اي مسؤول"

وطالبت كفوري من الجميع دعم "هذه القضية المحقة والتعبير عن غضبهم"، لافتة ان إلى "ثورة جديدة قادمة هي ثورة الجرحى الذين سياتي اليوم ويثوروا"، داعية الدولة إلى تحمل مسؤوليتها تجاههم. 

أرليت حاج
توفيت والدة أرليت حاج نتيجة مضاعفات اصابتها بتفجير مرفأ بيروت، انضمت أرليت إلى مسيرة الأمس حاملة صورة والدتها، لانه في العام السابق ولاسباب خاصة لم تستطع المشاركة لكنها رأت حينها ابن جيرانها يحمل صورة أمها الأمر الذي حرق قلبها، فقررت ان لا شيء سيمنعها من حملها هذا العام. 
وهي متاكدة" انه يوم يموت من يعرقل ويضع يده على القضية، سوف نصل إلى الحقيقة التي يجهد لإخفائها".

وتتمنى "ان تتحقق العدالة وتعرف الحقيقة ومحاسبة كل مسؤول من راس الهرم حتى اسفله كي ترتاح انفس الموتى ونرتاح". 
 
كيروز 
 
امام مدخل "مطبخ مريم" يستوقفنا رسام يعمل على إنهاء رسم شمعتين تشكلان جزءا من جدارية مؤلفة من 14 شمعة تمثل الاهراءات ال 14، لتخليد ذكرى ضحايا تفجير الرابع من اب.
يشرح عن عمله الفنان ناجي كيروز، فيقول:" الشمعة تمثل ذوبان الجسد وبقاء النور، ودمعها يصبح دم الذين سقطوا، وهي ايضا تمثل الاهراءات وفي اسفلها بصيص من الأمل يظهر عبر سنبلة قمح نبتت، وهو امل بمعرفة الحقيقة يوما ما".
 
هنا ينتهي الكلام وتبقى صورة علم لبنان حيث لم يعد من زيح فاصل بين اللونين الأبيض والأحمر.

                        =============
 

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب