الجمعة 18 تشرين الأول 2024

10:18 am

الزوار:
متصل:

ندوة حول كتاب "تأثير كتاب إحياء علوم الدين للغزالي" للأب حنا خضره
وكلمات أثنت على الفلسفية اللاهوتية والحفاظ على الهوية والإيمان

وطنية - عقدت ندوة حول كتاب "تأثير كتاب إحياء علوم الدين للغزالي على كتاب الإثيقون لابن العبري" للأب الدكتور حنا خضره، في المعهد الأنطوني- بعبدا، برعاية رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام وحضور المطران جورج صليبا، المطران سواريوس روجيه أخرس ممثلا البطريرك مار افرام، المدبر الأب ابراهيم أبو راجل ممثلا الأب العام للرهبانية الأنطونية جوزيف بو رعد، الأب فادي طوق ولفيف من الكهنة والعلمانيين ومحبي المطالعة. 

بداية كلمة ترحيبية للزميلة الدكتورة منى طوق رحمة ،أثنت فيها على "أهمية الكتاب وأسلوبه العلمي الشيّق لما يتضمنه من مقاربات وإشكاليات علمية تثير الجدل حول الأخلاقيات والتربية والتصوّف والعقيدة"، متطرقا الى جمالية العلاقة التي تربط الانسان بخالقه.

الاب أبو راجل

ثم ألقى الأب ابراهيم أبو راجل كلمة توجه فيها الى الأب خضره : "أبونا حنا" إبن الأرض ورفيق المعول تربى على التراب والقمح والماء، نبض قلبه مع جرس كنيسة ضيعته صفرا، وعلى إيقاع محبة أهلها. تشرّب الإيمان من والدين متواضعين ببساطتهما. أكل من طعام موقد جدته وكبر على السلام والمحبة. تعلّم ودخل الرهبانية الانطونية طالبا، ثم اخا دارسا، فراهبا، وكاهنا يحمل كأس القربان بيد، والقلم باليد الاخرى".

أضاف: "لم يتكلف في الكتابة، غرف من بساطة قلبه، وذكريات بيته واهله وقريته واقربائه. أخبر الاشياء كما هي من دون تجميل او مواربة. ثم تقدّم في العلم والبحث الفلسفي واللاهوتي والتاريخي والقانوني، فاتسمت أعماله بالموضوعية والعمق واحترام أخلاقيات الكتابة ولا يزال".

كما اكد الأب أبو راجل أنه عندما" غاص أبونا حنا في تاريخ ابن العبري العالم السرياني عبّر كماروني عن حنين الموارنة الى التراث السرياني وعما يشبه شوق الجدول الى الينبوع والعطر الى الوردة. وعبّر كراهب عن انتماء رهبانيته الى ذاك التراث واستمرارها في أن تكون جسرا وحارسا ورسالة، جسرا يربط الماضي بالحاضر وحارسا لليتورجيا والاصالة ورسالة في الحفاظ على الهوية والايمان وعيشهما".

واشار الأب أبو راجل الى الجدّية والعمق اللذين تناول بهما إبن العبري مواضيع الصلاة والنسك والصوم والعزلة والحجّ والزواج والتربية والتعليم والآداب ونظافة الجسد، "فتجد نفسك أمام لاهوتي يعتبر الصلاة مناجاة، تفترض حضورا كاملا، وفكرا نقيا، وقلبا حاضرا. أليست هذه الشروط مطلوبة من المصلي في كل وقت؟".

ولفت إلى أنه  "كان ابن بيئة وثقافة، اتفق في ما بعد على اعتبارها ثقافة مسكونية، وهي الثقافة السريانية، ومن عاش في هذا الجو السلامي المنفتح، سهل عليه التعرف على الآخر وملاقاته، لا بل إن ذاك الجو أدى الى تلاقح فكري وديني، أنتج أفكارا وعبادات وآداب دينية واجتماعية مشتركة بين المسيحية والاسلام، تعتبر أرضيّة صلبة للحوار والتلاقي في كل زمان، وفي هذا الزمان بالذات".

وركز على أن "الأخلاقيات والآداب وروحانية العبادات، هي أسس إنسانية مشتركة، وليست حكراً على دين دون آخر".

وقد ألقى إبن العبري الضوء عليها، فأصبحت مادة سلامية لكل زمان. ونحن في لبنان اليوم أحوج ما نكون الى هذا التلاقي وتفعيل الأسس المشتركة إجتماعياً ودينياً بعيداً عن المصالح السياسية الضيقة، التي تهدد بضياع لبنان وضياع الهوية اللبنانية".

وتوجه إلى الآب خضره، بالقول: "يا أبونا حنا أنك وكل الرهبان الأنطونيين وغيرهم ممن ينكبّون على البحث العلمي ودراسة التاريخ والكتابات اللاهوتية والأعمال الفكرية، بمثابة امتداد لكبار من طائفتنا وأخصّ منهم البطريرك اسطفانوس الدويهي الذي سنحتفل بتطويبه في 2 آب 2024، في بكركي، والذي كان مدرسة في العلم والفكر والدفاع عن الطائفة والأعمال البحثية، وقد سطع نجمُه في روما، وعُرف بأنه مجد الطائفة المارونية، أنتم من مدرسته وعلى نهجه".

افرام 

ثمّ تحدث رئيس الرابطة السريانية حبيب افرام عن الأب خضره واصفا إياها انه "عالم ماروني يغوص في الحضارة السريانية في هذا الزمن الذي يهددنا الارهاب بالاقتلاع ويحكمنا الجهل والأحادية ، هو عودة الى الجذور الى ثنايا تاريخ ضاع ولا من يهتم أو يسأل". وتوجه الى الأب خضره بالقول: "ما بالك أيها الأب هل تريد أن تغرز السكين أعمق في مجتمعنا وقلبنا والفكر. أليس أفضل لنا أن ننسى ثقافتنا، لغتنا، علومنا، عاداتنا، كنائسنا، أديرتنا وشهدائنا". 

وأضاف: "هل ضروري أن نحتفظ بهوية سريانية، أن نتذكر الماضي، أن نحفظ لغة. ألسنا في زمن الأسئلة الكبرى حول الله والدين والانتماء وسقوط هذه التي يعتبرها البعض "متخيلة" نحو انسان كوني يفتش عن كواكب جديدة وعلوم تثبت تفوقه كجنس بشري ويحاول أن يصبح هو الاله".

وتابع:": أنا مسكون بهاجس البقاء وصمود مسيحيي الشرق، رغم أنني أوشك أن أعلن وفاتهم مع تأجيل مراسم الوداع، ومن نضال عمر لهذه القضية التي عنوانها حق كل انسان بالكرامة والحرية وحق كل جماعة مهما كان عددها وقوميتها ولغتها بالمساواة التامة في المواطنة. ان دورنا هو عطاء ضارب في عمق الثقافة، ومن حكمة ورؤية وفكر يجمعها رواداً في الشرق نوراً على جبل، انها تحديات خطيرة جداً ولا يمكن لمن يتصدى لها إلا ان يكون متسلحاً بهذا الإرث العظيم".

الأب خضره

واختتمت الندوة بكلمة الأب حنا خضره الذي تحدث باسهاب عن تفاصيل الكتاب، فقال: "كان عصر إبن العبري عصرًا مضطربًا بسبب الفتوحات العسكريّة لا سيما المغوليّة منها والصليبيّة. فقد عايش الإجتياح المغولي ورافق فتوحاته وشاهد بامّ العين ما ارتكبه المغول من مجازر وقتل ونهب وخراب طال الحجر والبشر. فقد عمّ الخراب الأبرشيات واندثر بعضها وخربت المدن المسيحيّة الأمر الذي أثّر سلبًا على نفسيّة إبن العبري وهو يشاهد ويلات شعبه ومآسيه. كما وانّه عانى وشعبه الويلات بسبب الصراعات العسكريّة بين الدولة الفارسيّة والبيزنطيّة".

وأضاف: "إنّه الوجه المسكوني بإمتياز الذي يصلح لكل زمان ومكان بفعل محبته الشموليّة وروح الخدمة المجردة وتواضعه وابوته. لقد فرض شخصيته بهذه الخصوصيّة الأخلاقيّة على كل الطوائف ( أرمن، نساطرة يونان... الخ)، وكلّ الأديان لا سيّما الدين الإسلامي. فقد أحبه المسلمون من دون إستثناء، وقدّروا شخصه ، ومدحوا فضائله الإنسانيّة، وتقربوا منه، ودعوه إلى مناسباتهم، واستشاروه في مشاكلهم، وبكوه بتفجع في مماته وشيّعوا لشدة محبتهم له أنه أصبح مسلمًا وواحدًا منهم. فكان الوسيط الحقيقي بين كل تلك الطوئف والأديان. لم يصدر عنه يومَا ايّ تجريح بالآخر لا بالذم او بالقدح او بالتحقير، ولا انتقد بأيّ شيء نبيّ الإسلام ونبوته وتعاليمه. إنّه القائل في كتاب " الحمامة " بأن خلافات المسيحيين حول المسيح ليست سوى خلافات سطحيّة حول الفاظ لا تمت إلى جوهر الدين بصلة".

وعن علاقة الرهبان الأنطونيين بابن العبري أوضح الاب خضره "أن لإبن العبري مكانة خاصة في وجدان وفكر الرهبان الأنطونيين وأنا واحد منهم. فقد سبقني الأب شربل أبي خليل وحصل على دكتوراه في موضوع النفس عند إبن العبري في روما سنة 1985".

كما لفت الاب خضره إلى أن "إبن العبري إختار حجة الإسلام الغزالي كمصدر أساس لمؤلفاته الفلسفيّة واللاهوتيّة والقانونيّة إلى جانب غيره من الكتّاب أمثال نصير الدين الطوسي إبن سينا وغيرهم. لقد أطلق إبن العبري على الغزالي لقب " ملفونو " أي العالم والعلامة والمرجع وذلك في كتاب " تاريخ الزمان".  وهو لقب لا يعطى إلا للأباء عند السريان".

وعدد الاب خضره الأسباب التي حملت إبن العبري على تبني فكر الغزالي وتقضيله على غيره، وهي؛

1- شهرته التي طبقت الآفاق في بغداد.

2- روحانيته الساعية إلى تطهير النفس من الرذائل والأدران لتستطيع الدخول في الطريق المؤدي إلى الإتحاد بالله ومحبته.

ج- تأثره بالفكر المسيحي والكتابي والآبائي الذي يظهر من خلال اللإقتباسات الكتابيّة.

  د-إطلاعه على روحانيّة المتصوفين المسيحيين ويظهر ذلك من خلال نقله أقوالهم ووضعها على لسان متصوفين إسلام.

ه- حاجة كنيسة إبن العبري إلى روحانيّة العلمانيين الموجودة عند الغزالي في إحياء علوم الدين: أدب المائدة، أدب السفر.

و- الهيكليّة الشكليّة لكتاب الغزالي التي سهّلت على إبن العبري عمليّة تنظيم أفكاره ومفاهيمه الشخصيّة.

 كما تحدث الاب خضره عن كتاب إحياء علوم الدين الذي يتألف من اربع مجلدات كل مجلد دعاه ربعًا، والأرباع الأربعة تشكل في ذاتها منهجيّة أو خارطة طريق تصاعديّة لتطهير الإنسان جسدا وروحًا والوصول به إلى الإتحاد بالعزّة الإلهيّة. فالربع الأوّل يعنى بأمور الجسد، ويتناول الربع الثاني العبادات ( صلاة، حج ...)، ويبحث الربع الثالث بالفضائل والرذائل. أمّا الربع الرابع والأخير فيعنى بالكشف الصوفي الذي يبلغه الإنسان بعد أن يكون قد تطهر نفسًا وجسدًا في الأرباع الثلاثة. ويشكل هذا الربع التحضير الفعلي للإنسان قبل الموت وحساب الديّان.

ودعا الاب خضره الحضور الى لقاء جامع قبيل عيد الميلاد المقبل لتوقيع كتاب النوموقانون لإبن العبري وكتاب تهذيب الأخلاق ليحيى بن عدي التكريتي. 

                                              ===============

تابعوا أخبار الوكالة الوطنية للاعلام عبر أثير إذاعة لبنان على الموجات 98.5 و98.1 و96.2 FM

  • خدمات الوكالة
  • خدمة الرسائل
  • تطبيق الوكالة الالكتروني
  • موقع متجاوب