تحقيق أميمة شمس الدين
وطنية - في زمن الحرب لا صوت يعلو على صوت الميدان، في زمن الحرب لا صوت يعلو على صوت الموت ولا على صوت الدمار .
ليست الحرب الأولى يتعرض لها لبنان، لكن مشاهد الموت أكثر قساوة من أي حرب مضت وقوافل النازحين المقهورين لا سابق لها ولا مثيل، آلاف البيوت المدمرة والمصانع المحترقة، لبنان كله يبكي. وطن مجروح وموجوع، بلدنا جميل تليق به الحياة ، ولو حاولوا قتله لن يموت، و إذا كان للظالم جولة فللحق جولات و سننتصر بإيماننا و صبرنا و لا بد للقيد ان ينكسر.
أكثر من مليون لبناني هجّروا قسرًا وتركوا منازلهم أي ربع عدد اللبنانيين المقيمين تقريباً، وكما قال وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين: "نحن امام وضع انساني ضخم وحرج فالحاجات كثيرة وغير مسبوقة حتى في تاريخ الحروب والكوارث".
عدد الشهداء بلغ، حتى كتابة هذه السطور، 1873و الجرحى 9134. لعل المشهد الذي لا ينسى و غير المسبوق في تاريخ الحروب مشهد القتل الجماعي إثر عمليات تفجير "البيجرز" والاجهزة اللاسلكية التي خلّفت ضحايا بالمئات وجرحى فقدوا عيونهم وبترت ايديهم، ناهيك عن الغارات المتتالية التي تخطت منطقة الجنوب والبقاع وبعلبك ووصلت الى الضاحية الجنوبية لبيروت من بينها الغارة الفاجعة التي استشهد فيها الأمين العام لـ" حزب الله" السيد حسن نصر الله.
هدفنا من هذا التقرير نقل مشاهدات و معاناة مندوبي "الوكالة الوطنية للإعلام" و تسليط الضوء على جهودهم هم الذين يتعرضون للخطر من أجل نقل الأخبار الامنية بدقة وسرعة من دون تسرع ولا سيما أن اخبار الوكالة تعد مرجعاً موثوقاً به لمختلف وسائل الإعلام المحلية والاقليمية والعالمية.
مسؤولة مكتب "الوكالة الوطنية" في مرجعيون ألين سمعان وصفت المشهد بالآتي: "عام مرّ تقريبا على اندلاع الحرب في جنوب لبنان شنها العدو الاسرائيلي، وكان لقضاء مرجعيون الحصة الأكبر من الشهداء والاصابات والدمار والغارات الصاروخية والقذائف المدفعية والفوسفورية والحارقة والمضيئة ...وفي هذا السياق ذهبنا إلى بلدات حدودية لتغطية العدوان الاسرائيلي عليها حيث صدمنا عند دخول كل بلدة من حجم الدمار الهائل والشامل في أغلبية المناطق ككفركلا والخيام وحولا والعديسة والطيبة وميس الجبل وغيرهم كثر.. اكثر ما كان لافتا عزيمة أهالي هذه البلدات وشجاعهتم وإيمانهم بقضيتهم، واستعدادهم للتضحية بأنفسهم وابنائهم وأهلهم من أجل تراب الجنوب الذي ارتوى بدماء الشهداء. واليوم نزح معظم أهالي البلدات الحدودية مكرهين تحت التهديد الصهيوني، ونحن المندوبين في الوكالة الوطنية للاعلام مستمرون بتغطية اخبار هذا القضاء في الجنوب واعتداءات العدو وهذه الأرض المقدسة وملتزمون نقل الخبر الصحيح والاسرع في تحد لكل الظروف الصعبة التي تحيط بنا، من خطر التنقلات، إلى توقف الانترنيت، الى صعوبة الحصول على المعلومات والتأكد منها قبل نشرها في الوكالة التي لطالما اعتبرت المصدر الاول للخبر من حيث المصداقية والدقة والأهمية".
أما مسؤول مكتب "الوكالة الوطنية" في صور قاسم صفا فيقول:"مما لا شك فيه ان الوكالة الوطنية للإعلام تواكب الاحداث الامنية والحرب التي يشنها العدو الاسرائيلي على الجنوب ولبنان وان العمل الصحافي في ظل الحروب عمل دقيق جدا لا يتوقف على التخمين بل على الحقيقة في النقل خبرا وصورة، وهذا ما نقوم به رغم المخاطر التي تحدث مع الصحافيين لانهم يعملون على واقع الجبهة الجنوبية وعلى نشر الخبر الحقيقي، لكن هذه المخاطر لا تقل اثمانا عما يقدمه المقاوم والسؤال عن المشاهد المؤلمة التي شاهدته هي مجزرة يومي الثلثاء والأربعاء تفجير البيجرز حيث رسم المشاهد المؤلمة للجرحى والشهداء والعدد الهائل الذي أسعف في المستشفيات ورسم المشهد الذي عبر فيه الشعب اللبناني عن تضامنه ودعمه للمقاومة الباسلة .... اما بالنسبة الى الإعلامي فإنه يعمل في إطار القناعة الوطنية لا في إطار المهنة حيث نعمل دون وجود العائلة والأولاد والاحفاد حولنا حيث ينتبانا الشوق بين الفتنة والأخرى لرؤيتهم".
مسؤول مكتب" الوكالة الوطنية للاعلام" في النبطية سامر وهبي قال:"منذ 33 عاما وانا اغطي كل الاحداث والاخبار ضمن نطاق عملي في النبطية واقليم التفاح، عايشت حرب 1993 وعدوان 1996 وحرب الـ 33 يوما عام 2006 وما بينهم من مرحلة التحرير وما شهدت منطقتنا من انتخابات وجولات ونشاطات، وازاء تدهور الامور وما يرافقها من تطور تقني في تغطية الأحداث ، بحيث مثلا في حرب ال1996 مع بداية استعمال الهاتف الخليوي ، كنا نتمكن من التغطية والمواكبة ، اما اليوم فالحرب صعبة جدا ، العدو شرس في عدوانه وفي استعمال الة حربية فتاكة جدا ، ربما في السابق كان يوجد ملجأ او غرفة آمنة في منزل، اما اليوم فلا امان في اي مكان ، والعدو لا يعير اهتمامًا لصحافي ولا لمسعف ولا لطفل ، انه الاجرام بكل انواعه".
اضاف:"لقد تعرض محيط منزلي في بلدتي الدوير اول ايام الحرب لغارات عدة، كانت مرعبة بالنسبة لاولادي ولي بالطبع ، تدمر منزل ابن عمي المؤلف من 3 طبقات امامنا ، اصبنا بحال هلع ورعب لا توصف ، اضطررنا الى المغادرة بعدما تضرر منزلنا بشكل كبير ، وهنا بدأت مرحلة المعاناة الاكبر ، التنقل من حي الى آخر في بلدتنا والاستهداف يلاحق كل شيء من الطيران المعادي الى ان التجأت عائلتي الى مكان اقل خطورة".
تابع:" على الرغم من كل ما عانيناه ، لم يغب موضوع تغطية الاخبار عبر الوكالة ، انها رسالتنا وستستمر بإذن الله ، رسالة اعلامية صادقة في ابراز عدوانية العدو وما يرتكبه من مجازر ودمار وقتل وتهجير. منذ عام اواكب ايضا تغطية منطقة بنت جبيل بسبب عدم وجود مندوب للوكالة هناك وعلى الرغم من بعد مسافة منطقة بنت جبيل عني اكثر من مئة كيلومتر الا انني واكبتها من خلال شبكة العلاقات وحتى تبقى الوكالة المصدر الصادق للخبر لكل الاعلام وبطبيعة الحال استمر في مواكب تغطية اخبار النبطية واقليم التفاح ، صحيح ان حركة التنقل خطرة جدا ، ومصادرنا على الارض تقلصت بسبب خلو البلدات من ناسها بشكل كبير لكن لا شيء يمنعنا عن متابعة رسالتنا الاعلامية ، رسالة الجنوب واهل المقاومين والصامدين ، قد نعاني ضعف الامكانات المادية مقابل رواتبنا المتهالكة،قد نعاني تغطيتنا لبدل استمرار الانترنت معنا دون ان نجد مساندة ، قد لا يسال احد عن اوضاع عائلاتنا، او اذا ما توافرت مادة البنزين لدينا لنكمل عملنا ، لكن الغصة تبقى اننا نعمل من دون تغطية من احد، نحن متعاقدون منذ 30 عاما وغيري اكثر ، اذا ما اصابنا مكروه لا سمح الله ، من يتكفّل بعائلاتنا؟" .
مسؤول مكتب راشيا و البقاع الغربي مفيد سرحال يعتبر انه "لا شك في أن التغطية الاعلامية في زمن الحرب مغامرة وليست بالامر السهل، تحتاج إلى دراية وقدرة على فهم طبيعة الصراع وسبل مقاربة الاحداث بحيث يتم المواءمة بين مسألتين على قدر كبير من الاهمية ، الأولى :الدقة والموضوعية المضبوطة أخلاقيا ووطنيا بحيث لا يأتي الخبر مهما كان صحيحا على حساب الأمن الوطني والمصلحة القومية بالأحرى ممارسة رقابة ذاتية نابعة من فهم عميق لتلك المصلحة. والثانية الا يقود البحث عن الخبر ومتابعته إلى التهور والتعرض للخطر بمعنى ممارسة الشجاعة العاقلة والا يصبح الخبر طريقا للتهلكة".
وقال:"أهم ما يواجه المراسل الميداني تلك اللحظات الوجدانية والعاطفية التي تجعله يجمع بين ألم وقساوة مشهد ما والواجب الأخلاقي المهني المحفز على نشر الخبر وإيصال الحقيقة فيصبح رسوليا رساليا لان في ذلك مصلحة لتعرية العدو وكشف جرائمه للرأي العام".
ختم:"باختصار شديد الخبر في زمن الحرب بخاصة مع العدو الاسرائيلي يجب أن يكون وجهة نظر تفضح مزاعمه وتعمق الوحدة الداخلية وترفع المعنويات من دون مبالغات لان التغطية الاعلامية في هذا الظرف سلاح يجب أن يحسن المراسل استخدامه مع الانضباط في المعايير والتوجهات التي تفرضها المؤسسة بخاصة عندما يندرج المراسل ضمن مؤسسة اعلامية رسمية" .
اما الزميل محمد أبو أسبر ( بعلبك) فقال:"الاعتداءات الإسرائيلية على مدينة بعلبك وقرى القضاء لا ضوابط لها، فقد طالت في غالبيتها مباني سكنية ومحال تجارية ومزارع ومستودعات للمواد الغذائية، وبعض المصانع. وارتكب العدو مجازر عدة متنقلة ما بين أحياء مدينة بعلبك الداخلية وفي القرى".
أضاف:" أما المشكلة التي يعانيها المراسلون في محافظة بعلبك الهرمل هي المساحة الشاسعة إذ إنها الأكبر بين كل المحافظات، وثمة صعوبة في تحديد البلدة المستهدفة أو طبيعة الاستهداف، أو عدد الشهداء والجرحى، وعمليات الإسعاف والإنقاذ، ناهيك عن مخاطر التنقل على الطرق، لذا اعتمدنا التواصل وتبادل المعلومات والتعاون الإيجابي عبر موقع "منتدى بعلبك الإعلامي" بين الزملاء والزميلات، تبعا لمكان سكن كل زميل، أو بحسب تواجده للتغطية في مكان الغارة".
ختم:" لا بد من الإشارة إلى أن أولوية التغطية للحدث هي المصداقية واعتماد المصادر الموثوقة أو المعاينة الميدانية لا التسرع أو السبق الصحافي".
المشهد الذي يصفه الزميل باسل أبوحمدان (حاصبيا) هو الآتي:"توتّر شديد في منطقتنا الغالية ، جو من الحزن والتشتت ، بيوت مهجورة ، صراخ أطفال ، خوف أمهاتنا و آبائنا ،والنازحون من قرى الجنوب المهدّدة إلى منطقة حاصبيا ليس لديهم مأوى وملجأ ... لا كلمات تصف المشاعر المريبة" .
وقال:"إن أكثر ما يزيدني اصرارا على الاستمرار في عملي الصحافي هو انني ارى التكاتف وكيف ان اهلنا وبلدياتنا يستقبلون اخوتهم في الوطن حسن الاستقبال. واكثر ما يؤلمني موقف حصل معي منذ يومين عند الساعة الخامسة عصرا في مدرسة حاصبيا عندما اتت الي طفلة في السابعة من عمرها وعيناها غارقتان بالدموع وقالت لي انا لا اريد ان اموت ، حينها لم استطع التفوه بكلمة واحدة وعلمت ان الذي يحصل يقتل الطفولة والامان .. جنوبنا ينزفُ ، لبنانُنا مزعزع ..وقلوبُنا تحترق.. برداً وسلاماً يا بلادي".
بدورها مسؤولة مكتب مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت حلا ماضي رأت ان "العمل الصحافي ليس مهنة نتقاضى منها راتبًا وحسب ، إنه رسالة محض إنسانية لا يمكن فصلها عن حياتنا اليومية وتتعاظم مسؤوليتنا خلال الظروف الاستثنائية التي نعيشها حاليا والمشاهد التي نراها يوميا والتي لا يمكن ان يتصورها عقل بشري فيما يخص المجازر التي ترتكب في حق المدنيين او المسعفين او الصحافيين وكل العاملين لخدمة ومساعدة الناس خلال اوقات الحرب وعلى الرغم من الخطر الذي يرافقنا خلال التغطية لحدث حصول عدوان اسرائيلي على منطقة ما ، فإن الحس الإنساني يرافق عملنا قبل شي فمشاهدة طفل قد استشهد اثناء نومه او لعبه او مشاهدة ام تبحث عن اولادها تحت الركام لا يمكن الا ان يترك فينا اثر ويدفعنا للتكلم عنهم وتعريف الناس بمأساتهم، كذلك رؤية المباني المطحونة، تلك مشاهد لا بد من الاضاءة عليها لكشف الصورة الحقيقية للعدو وعدم ترك ادعاءاته تتسلل الى الرأي العام".
ختمت:"ان تغطية تلك الأحداث المأسوية التي يمر فيها الوطن هي جزء من قناعتنا ومبادئنا التي تربينا على أساسها".
اما الزميل جمال خليل الذي يوافينا بالاخبار من (صور) فقال : "منذ اليوم الاول لبدء الاعمال العدائية ونحن على استعداد تام لنقل الاحداث وما يجري حولنا من اعتداءات متلاحقة حيث كان لي في بداية الحرب وبعض الزملاء الى القرى الحدودية مثل الضهيرة ، يارين وطيرحرفا وعدد كبير من البلدات الحدودية التي تشكل الخط الاول للحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة حينها وصلنا على بعد امتار من موقع العدو في الضهير وتخطينا مركز الجيش اللبناني هناك حيث امرنا بالابتعاد حفاظاً على ارواحنا واكتفينا بأخذ ما نريد من معلومات عن بعد كانت لحظات خطيرة وكلها حذر. ومنذ ذلك الحين نقوم بما يمليه علينا حسّنا الوطني تجاه بلدنا العزيز ونقوم بنقل الخبر والصورة في منتهى الدقة بعيداً من أي حسابات سياسية ضيّقة، همّنا وطننا واهلنا وما تمليه علينا مؤسستنا الام".
ختم:"نعاهد البقاء طالما بقينا وانتم بصحة جيدة والقيام بعملمنا لنصل الى خاتمة سعيدة ويعود اهلنا الى ديارهم وتعود الحياة تدبّ من جديد في وطننا العزيز الغالي".
من جهته قال الزميل علي داوود (النبطية) :" نعيش في دائرة النار، تحيط بنا المخاطر من كل حدبٍ وصوب نخشى على حياتنا و حياة أولادنا لكننا ما زلنا صامدين في النبطية وأعمل على نقل الأخبار للوكالة الوطنية و الإذاعة اللبنانية . نحن متواجدون في جبهة مشتعلة وملتهبة بفعل الغارات الإسرائيلية التي لا تميّز بين مواطن وآخر و تستهدف الأبرياء من نساء و شيوخ و أطفال و ترتكب المجازر في حقهم كما حصل في بلدات عدة في منطقة النبطية".
ختم:"أحيي جهود الدفاع المدني و طواقم الإسعاف من كشافة الرسالة الإسلامية و الهيئة الصحية الإسلامية و إسعاف النادي الحسيني في النبطية على دورهم الفعال في إنقاذ الجرحى و نقل جثامين الشهداء إلى المستشفيات كما أحيي بلدية النبطية لتقديمها الخبز للأهالي الصامدين وهم قلة بحيث فرغت مدينة النبطية من سكانها الذين لم يبقَ منهم إلا ألف مواطن من أصل مئة ألف".
في الختام، لا بد من الإشادة بدور المحررين في مكتب " الوكالة الوطنية للاعلام" في بيروت الذين يعملون بشكل متواصل دون كلل أو ملل يعملون في ظروف صعبة، لكنهم يحرصون على آداء عملهم بكل تفانٍ ومسؤولية و إخلاص. حمى الله لبنان وشعبه.
=== ج.س.